تسيطر مشاعر الخوف والحذر الشديد على الأوساط الحاكمة في مصر تجاه سوريا الجديدة في مرحلة ما بعد الأسد. يأتي ذلك وسط حملة لتشويه سمعة القيادة الجديدة في سوريا، وإثارة الشكوك حول نواياها، ونشر مخاوف بين السوريين بشأن مستقبل غير مؤكد.
تتبنى القاهرة موقفًا صارمًا تجاه التطورات الأخيرة في سوريا، مقارنة بدول عربية أخرى مثل الأردن والكويت والسعودية وقطر التي اتخذت خطوات سريعة نحو التقارب. واستضافت السعودية وقطر بالفعل وزيري الخارجية والدفاع السوريين الجديدين في الرياض والدوحة على التوالي.
تزداد المخاوف المصرية إذا نجحت الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشراع وفريقه في تأسيس نظام سياسي جديد قائم على الفكر الإسلامي. سيشكل ذلك مصدر قلق كبير لرئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي، المعروف بعدائه الشديد للإسلاميين، والذي قاد انقلابًا عسكريًا للإطاحة بهم في منتصف 2013.حتى الآن، لم ترسل مصر أي مسئولين إلى دمشق للقاء القادة الجدد، كما لم تدعهم إلى القاهرة. ويبدو أن النظام المصري لم يستوعب الموقف بعد أو يتعافَ من صدمة فرار الأسد.
بعد شهر من فرار المخلوع بشار الأسد في 8 ديسمبر، اقتصر تواصل مصر مع سوريا على مكالمة هاتفية بين وزيري الخارجية. دعا فيها وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي نظيره السوري أسعد الشيباني إلى إجراء "انتقال سياسي شامل بقيادة السوريين، دون تدخل خارجي، مع الحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها وهويتها العربية".
أرسلت مصر أول رحلة مساعدات إنسانية إلى دمشق الأسبوع الماضي، حاملة 15 طنًا من المساعدات. في المقابل، أعلنت قطر والسعودية والاتحاد الأوروبي عن جسر جوي لتقديم دعم إنساني كبير للسوريين.
فرضت السلطات المصرية قيودًا على دخول السوريين إلى البلاد، بما في ذلك حاملي الإقامات الأوروبية أو الأمريكية أو الكندية، وطالبت بالموافقة الأمنية المسبقة. تشير هذه التدابير إلى نية مصر تقليص وجود السوريين وربما ترحيل البعض إلى سوريا.
تعتقد الحكومة المصرية أن التطورات في سوريا تقوض جهود السيسي لإعادة تأهيل نظام الأسد وإنهاء صفحة ثورات الربيع العربي. يثير نجاح الحركة الإسلامية في سوريا مخاوف في مصر وتونس والجزائر والخليج من احتمالية تجدد الانتفاضات في المنطقة.
يعتمد مستقبل العلاقات المصرية-السورية على شروط رئيسة تضعها القاهرة، أهمها منع انتشار الثورة السورية إلى مصر، والامتناع عن التدخل في شئونها الداخلية، وعدم التحالف مع مجموعات معارضة للنظام المصري، خصوصًا جماعة الإخوان المسلمين.
رغم المخاوف، قد تدفع استقرار سوريا وإعادة إعمارها بتكلفة تُقدر بـ300 مليار دولار مصر نحو الانخراط مع دمشق. يرى بعض الباحثين أن القلق المصري من التوجه الأيديولوجي لسوريا قد يتلاشى مع الوقت، خصوصًا إذا أظهرت الإدارة السورية الجديدة رغبة في تعزيز العلاقات مع الدول المجاورة.
لذلك، ليس من مصلحة القاهرة قطع علاقاتها مع دمشق أو تأخير التقارب مع القيادة الانتقالية، خاصة في ظل السعي الإقليمي والدولي لتعزيز النفوذ في سوريا الجديدة.