قالت 9 منظمات حقوقية بينها «المبادرة»، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز النديم لمناهضة العنف، في تقرير مشترك قُدِم إلى المفوضية الأممية لحقوق الإنسان استعدادًا لجلسة المراجعة.
وحسب التقرير فإنه رغم إطلاق حكومة السيسي سراح 1700 سجين سياسي، بينهم الناشط أحمد دومة، خلال العامين الماضيين، فقد حبست خلال الفترة نفسها 4500 آخرين.
مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، محمد زارع، أوضح أن حكومة السيسي ، بعد جلسة المراجعة الدورية السابقة في عام 2019، أدركت أن الحديث عن مكافحة الإرهاب لم يعد يشكل حاجزًا أمام الدول الأخرى لانتقاد انتهاكات حقوق الإنسان بناءً على وقائع وليس ادعاءات.
ولخص الحقوقي محمد زارع ملامح سجل مصر الحقوقي بـ «انتهاء فزاعة الحرب على الإرهاب مع استمرار التدهور الشديد في حالة حقوق الإنسان».
وأشار في تصريحات لموقع مدى مصر إلى أن الحكومة تتبع سياسة تحسين حقوق الإنسان «بالإيحاء»، بدلًا من معالجة الممارسات والانتهاكات الفعلية التي تشهدها العديد من الملفات، وتتبنى عناوين كبيرة ولا تلتزم بتنفيذ أي من التزاماتها العملية.
وأشار إلى أنه رغم إصدار الحكومة للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، فإنها لا تنفذها بشكل فعلي، كما أنها تلغي قانون الطوارئ من جهة، بينما تطبق قانون مكافحة الإرهاب على غير الإرهابيين من جهة أخرى، مضيفًا أن الحكومة تُجري حوارًا وطنيًا لا تتبعه أي استجابة لتوصيات المشاركين فيه، وتفرج عن سجناء رأي بالتزامن مع اعتقال آخرين.
المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، حسام بهجت، أوضح أن لجنة العفو الرئاسي التي تم تشكيلها منذ 2017 وأعاد السيسي تفعيل عملها في أبريل 2022، لم تنجح في التوصل إلى قرارات عفو رئاسي منذ أغسطس 2023، وحتى تقديم الحكومة لملفها في أكتوبر الماضي.
ورأى بهجت أن الحديث عن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي مر على إصدارها ثلاث سنوات دون تنفيذ أي من بنودها، وزيارات السجون التي لا تشارك فيها سوى المنظمات الموالية للسلطة، لا تخدع أحدًا. هذا ما شاهدناه بأنفسنا خلال جلسات المناصرة التي عقدناها كممثلين عن منظمات المجتمع المدني في جنيف مع ممثلي عدد من الدول، والجميع يعلم أنها إجراءات دعائية.
وكانت 13 منظمة حقوقية، منها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والمفوضية المصرية لحقوق الإنسان، وثقت في تقرير مشترك، عدم تجاوب الحكومة المصرية بصدق مع توصيات آلية الاستعراض الدوري الشامل خلال السنوات الـ14 الماضية، بما في ذلك توصيات الاستعراض السابق في عام 2019، واستمرار التدهور الشديد في حالة حقوق الإنسان بمصر، ما ساهم في تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها المصريون حاليًا.
ورصد التقرير الذي قدمته المنظمات إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان في يوليو 2024، في إطار التحضير لجلسة المراجعة الدورية، مظاهر عدم الاستجابة الجدية للتوصيات.
فعلى سبيل المثال، عقوبة الإعدام التي قبلت مصر خلال جلسة المراجعة الدورية الماضية 29 توصية بشأن تعليقها، ما زالت التشريعات المصرية تعاقب بها في 105 جرائم. وفي سنة 2021 تصدرت مصر قائمة الدول الأكثر إصدارًا لأحكام الإعدام، والمرتبة الثالثة عالميًا بين الدول الأكثر تنفيذًا للإعدام، إذا نفذت السلطة أحكام بالإعدام ضد 84 شخصًا في 29 قضية على الأقل، فيما قضت محاكم الجنايات بإعدام 403 أشخاص، وهو ما تصاعد في 2023، حيث أصدرت المحاكم 590 حكمًا بالإعدام.
وأشار التقرير المشترك كذلك إلى الإخفاء القسري الذي قبلت الحكومة بشأنه ثلاث توصيات خلال جلسة المراجعة الدورية السابقة، حول التحقيق في البلاغات المتعلقة بمزاعم التعذيب والقتل خارج نطاق القانون والإخفاء القسري والتصدي للإفلات من العقاب، وتعهدت بتشكيل سلطة مستقلة تباشر التحقيق في هذه الجرائم. وقد رفضت 4 توصيات تتعلق بالانضمام للاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، وضمان حق السلطة في التفتيش المفاجئ لأماكن الاحتجاز.
وذكر التقرير أن السلطات الأمنية تمارس جريمة الإخفاء القسري بشكل «منهجي واسع النطاق»، وتتولى وزارة الداخلية ممثلة في قطاع الأمن الوطني خطف المواطنين وإخفائهم، فضلًا عما يتبع ذلك من انتهاكات كالتعذيب النفسي والجسدي وانتزاع الاعترافات بالقوة داخل مقار الأمن الوطني». ولفت التقرير إلى أن حملة أوقفوا الاختفاء القسري وثقت في الفترة من أغسطس 2022 حتى أغسطس 2023 إخفاء 821 شخصًا، ليصل إجمالي عدد الحالات الموثقة منذ سنة 2015 حوالي أربعة آلاف و253 شخصًا، بخلاف توثيقها العديد من شهادات التعذيب لمختفين قسريًا داخل مقار الأمن الوطني والمخابرات.
أوضاع السجناء وأماكن الاحتجاز
وتلقت الحكومة 20 توصية بخصوصهما في المراجعة السابقة أمام الأمم المتحدة، وقال التقرير إن السلطات توسعت خلال الأربع سنوات الماضية في الاستخدام التعسفي للحبس الانفرادي المطول، ونقلت عن مساجين أن تلك العقوبة تأتي بعد مشاجرات مع إدارة السجن أو إضرابات أو احتجاجات على أوضاع السجن.
كما تطرق التقرير إلى معاناة سجناء مجمع الإصلاح والتأهيل في بدر ووادي النطرون من الإضاءة الحادة المتواصلة داخل الزنازين، ما أصاب بعضهم بانهيارات عصبية وأرق وصداع نصفي.
ووثق التقرير تزايد وتيرة إضراب السجناء عن الطعام ومحاولات الانتحار في السجون، ففي أغسطس 2021 حاول بعض سجناء «طرة شديد الحراسة» الانتحار، وبين فبراير ومارس 2023 تلقت منظمات حقوقية من أهالي سجناء سياسيين رسائل مسربة من ذويهم بتزايد محاولات الانتحار بين الشنق وقطع الشرايين والإفراط في تناول الأدوية المهدئة.
ووثقت المنظمات الـ13 في تقريرها إضراب سجناء مركز تأهيل بدر 3 عن الطعام، اعتراضًا على سوء الأوضاع ومنع الزيارات ووفاة أحد السجناء، علاء محمد السلامي، 47 عامًا، بعد إضرابه عن الطعام لمدة شهرين.
التقرير تطرق كذلك إلى الإهمال الطبي في السجون بما فيها الجديدة، وقدر حالات الوفيات الناجمة عن الإهمال الطبي بـ31 سجينا في الفترة من مارس 2023 وحتى مارس 2024 بحسب المفوضية المصرية، بينهم 15 سجينًا في مراكز الإصلاح والتأهيل في بدر والعاشر من رمضان.
وفيما يتعلق بالانتهاكات في السجون الجديدة، رصد التقرير شكاوى بعض السجينات بعد نقلهن من سجن القناطر إلى مركز تأهيل العاشر من رمضان من وجود كاميرات مراقبة في بعض الزنازين، ما يضطرهن إلى ارتداء ملابسهن كاملة حتى الحجاب طول الوقت.