تتوالى التقارير الحقوقية التي تكشف عن موجة غير مسبوقة من القمع والانتهاكات التي تمارسها السلطات السعودية ضد المعتمرين، خاصة أولئك الذين يظهرون تعاطفهم مع القضية الفلسطينية. 

مرصد انتهاكات الحج والعمرة هو أحد الجهات التي نددت بهذه الاعتقالات المتزايدة، والتي لم تسلم منها شخصيات من جنسيات متعددة، ووسط اشتداد حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة، يتساءل الكثيرون عن مدى ملاءمة سياسات السعودية مع مبادئ الإسلام وحرية ممارسة الشعائر الدينية.

كذلك في خطوة أثارت استهجان مرصد انتهاكات الحج والعمرة، صعدت السلطات السعودية حملات اعتقالها ضد المعتمرين المتضامنين مع الشعب الفلسطيني. 

في السادس من أكتوبر، تم اختفاء الشاب الفلسطيني عاصم الدحنون، الذي كان يقيم في صربيا ويدرس الطب بعد حصوله على منحة دراسية.

وكان قد وصل إلى السعودية لأداء العمرة، غير أن التواصل معه انقطع فجأة. 
 

من هو عاصم الدحنون
  مرصد انتهاكات الحج والعمرة طالب السلطات السعودية بتوضيح مصير الدحنون وإطلاق سراحه فورًا، مؤكدًا أن قضيته تعكس سياسة قمعية تنتهك حقوق الإنسان الأساسية وحرية التعبير، حيث لم تُصدر السلطات السعودية أي تعليق رسمي أو توضيح بشأن أسباب احتجازه.

من جانب آخر، لم تقتصر الاعتقالات على الفلسطينيين فحسب، بل شملت أيضًا مواطنين من جنسيات أخرى، مثل العراقيين واليمنيين واللبنانيين، الذين تم احتجازهم خلال تأديتهم مناسك الحج أو العمرة بتهمة نشر عبارات سياسية أو تضامنية مع فلسطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

في نوفمبر 2023، على سبيل المثال، تم اعتقال الشاب اليمني فهد رمضان خلال أدائه العمرة بعد تسريب رسائل له تنتقد ولي العهد محمد بن سلمان، وفي يونيو من نفس العام اعتقلت السعودية الشيخ جميل حسن الباقري، عالم الدين البحريني، بسبب ظهوره في مقطع فيديو يتلو فيه دعاء الفرج في المسجد الحرام.
 

استغلال الحج والعمرة كأداة للضغط السياسي 
   تتبع السلطات السعودية أسلوبًا ممنهجًا في استغلال الشعائر الدينية للضغط على الأفراد وتقليص حريتهم في التعبير.

وعلى الرغم من ترويج السعودية المستمر للنجاح في تنظيم مواسم الحج والعمرة وتأكيدها على جاهزية قوات الأمن لضمان سلامة الحجاج، إلا أن تقارير عدة من منظمات حقوقية تؤكد على تصاعد الاعتقالات التعسفية خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز وابنه محمد بن سلمان مقاليد الحكم.

تسعى السعودية، وفقًا للمرصد، إلى فرض سيطرتها الكاملة على الحرمين الشريفين، ليس فقط من ناحية التنظيم الأمني، بل أيضًا من خلال فرض رقابة صارمة على الحجاج والمعتمرين.

ويعكس ذلك النهج محاولة واضحة لمنع أي تعبير عن التضامن مع القضية الفلسطينية، أو توجيه أي انتقادات غير مباشرة للسياسات السعودية.

وتمتد هذه الرقابة لتشمل حتى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تلاحق السلطات أي نشاط يُنظر إليه على أنه سياسي أو تضامني مع فلسطين، وهو ما يقيد بشدة حرية المعتمرين والحجاج في التعبير عن مواقفهم.

على مر الأعوام، تزايدت المخاوف لدى المسلمين من أداء الحج والعمرة خشية الاعتقال أو المضايقات، وهو ما يعكس واقعًا مريرًا أدى إلى تآكل صورة السعودية كبلد يُفترض أن يقدس الحريات الدينية.

السلطات السعودية، وبدلًا من ضمان سلامة وحرية الحجاج والمعتمرين، أصبحت تمارس القمع بحقهم عبر الاعتقالات والتضييق على الحريات الشخصية، وهو ما يضيف قلقًا لدى المسلمين حول العالم، إذ باتت ممارسة الشعائر الإسلامية محاطة بالمخاوف الأمنية.

وفي هذا السياق، تشير المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان في بيانها إلى أن الدعاية السعودية التي تصف تنظيم الحج والعمرة بـ”الناجح” هي محاولة للتغطية على الانتهاكات الحقوقية الواسعة، ما جعل شريحة كبيرة من المسلمين يشعرون بعدم الأمان خلال تأديتهم هذه الشعائر.

وتشير المنظمة إلى أن السلطات السعودية تعمد إلى ترهيب المعتمرين والحجاج من خلال الاحتجاز التعسفي وأحكام السجن القاسية التي تصدر بحق من يتهمون بممارسات تُعد تقليديًا جزءًا من الشعائر الدينية أو حرية التعبير.
 

اعتقالات واسعة النطاق
   تشير الوقائع إلى أن موجة الاعتقالات التي تطال المعتمرين ليست إلا جزءًا من سياسة قمع أوسع نطاقًا.

ففي كل عام، يتم رصد حالات اعتقال جديدة، بعضها لمواطنين غير سعوديين، مثل اللبناني حيدر سليم الذي حكم عليه بالسجن خمس سنوات بعد أدائه مناسك الحج في 2022 بسبب ترديده شعارات دينية. وأيضًا الشيخ محمد زين الدين والسيد جعفر العلوي، اللذان اعتقلا عام 2016، وتم الحكم عليهما لاحقًا بالسجن تسع سنوات بتهم تمس بالذات الملكية.

ورغم أن السعودية تزعم أن هذه الاعتقالات تأتي ضمن إجراءات “أمنية” لضمان عدم تسييس الشعائر الدينية، إلا أن الحوادث المتكررة تعكس نمطًا ممنهجًا من القمع الذي يطال كل من يعبر عن رأيه بحرية.

ويمثل غياب الشفافية في هذه القضايا أحد أبرز جوانب الانتهاك، حيث أن اعتقال الأفراد يتم في غالب الأحيان دون تهم محددة أو محاكمات عادلة، ما يترك المعتمرين والحجاج تحت طائلة القمع والترهيب دون أدنى ضمانات قانونية.

في ظل هذه الانتهاكات، تبرز دعوات دولية متزايدة تطالب بضرورة تدخل الجهات المختصة، مثل السفارات والقنصليات، لحماية مواطنيها من القمع السعودي، وضمان ممارسة حقوقهم الدينية بحرية وأمان.

كما تُطالب منظمات حقوق الإنسان السلطات السعودية بوقف اعتقال المعتمرين فورًا واحترام حقهم في التعبير والتضامن السلمي.

المنظمات الحقوقية تؤكد أن النظام السعودي لم يعد يقتصر على تقييد حريات مواطنيه فقط، بل امتد ليشمل الزوار الأجانب الذين يفدون إلى المملكة بهدف ممارسة شعائرهم الدينية.

هذا التدخل يعكس، حسب المرصد، نهجًا سلطويًا يسعى لإسكات أي صوت معارض أو متضامن مع قضايا إسلامية، لا سيما القضية الفلسطينية التي تعتبر جزءًا أساسيًا من وجدان الشعوب المسلمة.

أدت هذه السياسة القمعية إلى تزايد القلق الدولي، حيث باتت صورة السعودية كوجهة دينية بارزة في خطر، إذ أن الحرية الدينية تُعتبر أحد الحقوق الأساسية التي يجب أن تلتزم بها المملكة.

ويتوقع مراقبون أن تؤدي هذه السياسة إلى ضغوطات متزايدة من المجتمع الدولي على السعودية لوقف هذه الانتهاكات، خاصة مع ازدياد التقارير التي تؤكد تعرض زوار المملكة لمضايقات واعتقالات دون مبرر واضح.

الخلاصة إن استمرار المملكة في انتهاج سياسات القمع ضد المعتمرين والحجاج يمثل تهديدًا لسمعتها كدولة تستضيف أقدس الشعائر الإسلامية.

وتعتبر هذه الانتهاكات ليس فقط تضييقًا على الحريات الدينية، بل أيضًا إساءة لواجبات الدولة تجاه المسلمين، وهو ما يضع النظام السعودي أمام تحديات دولية قد تطالب بمحاسبته وضمان التزامه بالمعايير الإنسانية والدينية.