باتت التهديدات السيبرانية تمثل تحديًا بالغ الخطورة على الصعيد العالمي، لكن يبدو أن النظام العسكري بقيادة السيسي يعجز عن تحقيق مستويات كافية من الحماية الرقمية لمواطنيها ومؤسساتها.
في منطقة الشرق الأوسط، تبرز مصر كأكثر الدول عرضةً للجرائم الإلكترونية، ما يكشف عن خلل كبير في سياسات الأمن الرقمي وتخبط واضح في استراتيجيات التعامل مع الهجمات الإلكترونية المتزايدة، والتي تهدد أمن المعلومات الشخصية والمؤسساتية على حد سواء.
 

مصر ضمن الأكثر ضعفًا عالميًا في مواجهة الجرائم السيبرانية
تشير الإحصاءات الأخيرة إلى ارتفاعات هائلة في الهجمات السيبرانية على مصر، حيث شهدت البلاد زيادة بنسبة 242٪ في عدد الملفات الخبيثة المحظورة عام 2022.
وفي القاهرة وحدها، تصاعدت هجمات التصيد بنسبة 49٪ مقارنةً بالعام السابق، مما يهدد الآلاف من المصريين بسرقة هويتهم الشخصية والاحتيال المالي عليهم.
ورغم هذه التهديدات المتزايدة، فإن السيسي ونظامه العسكري لم يُحسنوا توجيه مواردها لتعزيز قدرات الأمن السيبراني، بل باتوا يستثمرون بشكل أكبر في الأدوات الرقابية والقمعية على حساب الأمن الإلكتروني.

بالمقارنة مع دول الخليج التي ركزت على تطوير أنظمتها التكنولوجية وزيادة الاستثمارات في الأمن الرقمي، نجد أن مصر تتأخر بشكل كبير؛ حيث تفتقر إلى بنية تحتية حديثة وقادرة على التصدي لمثل هذه الجرائم.
حتى على المستوى العالمي، تحتل مصر مكانة متقدمة بين الدول الأكثر ضعفًا، فحسب تقارير عام 2024، جاءت البحرين، مصر، وكوريا الجنوبية كأكبر الدول المستهدفة بهجمات البرامج الضارة، حيث تعرضت مصر وحدها لمعدل كشف خبيث بنسبة 42.6٪.
 

تفاقم تجارة البيانات في الأسواق السوداء
مع غياب الأمن الرقمي في مصر، تحولت البيانات الشخصية للمصريين إلى سلعة متداولة في الأسواق السرية عبر الإنترنت.
فقد زادت هذه التجارة بنسبة 58٪ بين عامي 2022 و2023، ما يعكس استفحال المشكلة.
ووفقًا لتقارير، جرى اكتشاف نحو 160,006 سجل بيانات مرتبط بمصر معروض للبيع في السوق السوداء خلال العام الماضي، ما يجعلها هدفًا رئيسيًا للجرائم الإلكترونية بالمنطقة.
 

هجمات سيبرانية على مصر بسبب موقفها من غزة
أحد أبرز الأمثلة على هذا الفشل هو الهجمات السيبرانية التي طالت مصر، حيث شنت مجموعات من القراصنة هجمات على بنية مصر التحتية الرقمية.
وقد أدت إحدى هذه الهجمات إلى تعطيل منصة ضريبة الدخل الحكومية المصرية.
كما شهدت شركة اتصالات مصر، التابعة للإمارات، هجومًا سيبرانيًا في مارس 2024 تسبب في توقف موقعها الرسمي لساعات.

علاوة على ذلك، كشفت تقارير من الإنترنت المظلم أن أحد الحسابات المجهولة كان يسعى للتواصل مع قراصنة للحصول على وصول غير قانوني إلى شبكات الشركة، مما يشير إلى ضعف سيطرة نظام السيسي على أمن البيانات الحساسة.
 

استهداف مستخدمي أندرويد بحملات تجسس
في مصر، تستمر حملات التجسس في استهداف الهواتف المحمولة، خاصة تلك العاملة بنظام أندرويد، من خلال نشر برامج ضارة تستهدف المستخدمين عبر تطبيقات وهمية، تشمل تطبيقات مراسلة وفرص عمل.
هذا الخلل في تأمين البيانات، خصوصًا في ظل تصاعد التوترات السياسية الإقليمية، يسلط الضوء على الفشل الواضح لإدارة السيسي في تأمين مواطنيها ضد التهديدات السيبرانية.
 

الاستجابة الهشة من نظام السيسي
رغم خطورة هذه التهديدات، جاءت استجابة نظام السيسي عكس الاتجاه الصحيح، حيث اكتفوا بإصدار قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية وإنشاء المجلس الأعلى للأمن السيبراني (ESCC).
لكن هذا القانون، وفقًا للخبراء، ركز أكثر على فرض الرقابة على المواطنين وملاحقة الأصوات المعارضة، بدلًا من الاستثمار الحقيقي في تعزيز الدفاعات السيبرانية وحماية البنى التحتية الرقمية.

ويرى المراقبون أن مصر، لا تزال متأخرة مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة.
فالعديد من المؤسسات المصرية لا تمتلك سياسات واضحة لتحديث البرامج أو تقديم التدريب الضروري لموظفيها، ما يجعلها عرضة سهلة للقراصنة.
وبينما تهتم دول الخليج مثل الإمارات والسعودية بتطوير استراتيجيات الأمن الرقمي من خلال استثمارات ضخمة، لا تزال مصر تحت نظام السيسي متأخرة في توفير الأسس اللازمة لحماية مواطنيها وشركاتها.
 

التحديات المستقبلية وزيادة المخاطر
تظهر التطورات التكنولوجية المتسارعة أن مصر ستواجه تهديدات سيبرانية أكثر تعقيدًا، خاصة مع ازدياد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الهجمات الرقمية، مثل عمليات التصيد العميق Deep Phishing التي تستغل المقاطع الصوتية والفيديوهات المزيفة لخداع الضحايا.
كما يُتوقع أن تزيد الهجمات على أجهزة إنترنت الأشياء (IoT)، مما سيضاعف من مخاطر اختراق الأجهزة الذكية المتصلة بالإنترنت.
تواجه مصر تحديًا خطيرًا في عالم الفضاء السيبراني، وفي ظل انشغال النظام الحاكم بأدوات الرقابة القمعية بدلًا من تحديث أنظمته الرقمية، تستمر التهديدات السيبرانية في التنامي، ما يعرض أمن المواطنين وبياناتهم للخطر.
إن فشل السيسي ونظامه العسكري في توفير الحماية الإلكترونية الكافية يجعل مصر هدفًا دائمًا للمخترقين، ويبرز الحاجة الماسة إلى مراجعة شاملة لاستراتيجيات الأمن الرقمي والتركيز على حماية البيانات بدلًا من توجيه الاهتمام للرقابة وملاحقة الأصوات المعارضة.