تشهد مصر أزمات اقتصادية خانقة، تتجلى في العديد من القطاعات الحيوية، لا سيما قطاع الوقود.
إذ ارتفعت أسعار البنزين بشكل مستمر في السنوات الأخيرة، متأثرة بقرارات رفع الدعم الحكومية، وضغوط خارجية، وتذبذب أسعار النفط عالميًا.
هذا الوضع دفع الشارع المصري إلى التكهنات حول الأساليب التي قد تعتمدها الحكومة لتدارك نقص الوقود وتلبية الطلب المتزايد عليه، وسط أحاديث عن خلط البنزين بالماء كإجراء لمواجهة الشح المتزايد.
ارتفاعات متكررة في أسعار الوقود
سجلت أسعار البنزين في مصر زيادات غير مسبوقة، حيث وصلت إلى مستويات باتت تثقل كاهل المواطن، خاصة في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
وتسعى حكومة الانقلاب منذ سنوات، إلى رفع الدعم تدريجيًا عن الوقود، وهو ما تبرره بالتزاماتها تجاه صندوق النقد الدولي، والذي اشترط تحرير سعر الوقود لتقديم قروض مساعدة لمصر.
ورغم ما تعلنه حكومة الانقلاب من إجراءات تهدف إلى تعزيز الاقتصاد وتقليل الإنفاق العام، فإن الأثر السلبي الأكبر يقع على عاتق المواطن، الذي يواجه أزمة تضخم طاحنة تترافق مع ارتفاع الأسعار في الأسواق، مما أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية للغالبية العظمى من الشعب.
الشائعات حول خلط الوقود بالماء: من المسؤول؟
وسط هذه الأزمة، برزت شائعات تتحدث عن خلط البنزين بالماء من قبل بعض محطات الوقود لتلبية الطلب المتزايد.
وبينما نفت الحكومة هذه الشائعات بشدة، داعية المواطنين إلى عدم الانسياق وراء ما وصفته بالمعلومات المغلوطة، يبقى الكثيرون في الشارع المصري متشككين في صحة هذه التطمينات، خاصة بعد تداول فيديوهات تظهر تراجع كفاءة السيارات وتعرض المحركات للتلف في مناطق عدة.
تشير بعض التقارير المحلية إلى أن بعض المحطات، تحت ضغط ارتفاع الطلب وقلة المعروض، قد تلجأ بالفعل إلى خلط البنزين بمكونات أخرى، لزيادة الكمية المتاحة، في محاولة لتقليل خسائرها أو لتحصيل أرباح سريعة.
ويتهم البعض الأجهزة الرقابية بالتقاعس في ضبط ومراقبة محطات الوقود، ما يجعل الساحة مفتوحة للعديد من الممارسات غير القانونية التي تضر بالمستهلك.
آثار ارتفاع أسعار الوقود على الحياة اليومية
مع ارتفاع أسعار البنزين، يعاني المواطن المصري من زيادة في أسعار المواصلات العامة والخاصة، مما يؤثر بشكل مباشر على إنفاق الأسرة.
فقد أصبحت تكلفة التنقل من وإلى العمل، وشراء السلع الضرورية، وحتى الأنشطة الاجتماعية، عبئًا إضافيًا على كاهل المواطن.
وقد اتجه بعض المواطنين إلى البحث عن بدائل أقل كلفة، كالدراجات الهوائية أو وسائل النقل العامة، رغم تدهور حالتها، فيما اضطر آخرون إلى تقليل عدد رحلاتهم بسبب ارتفاع التكلفة.
ومما زاد الوضع تعقيدًا، تأثر قطاع النقل والإنتاج، حيث تواجه الشركات صعوبة في نقل بضائعها بسبب ارتفاع تكاليف الشحن، مما يؤدي إلى زيادات متتالية في أسعار المنتجات النهائية، وتقييد القدرة الشرائية للمستهلكين، حتى أصحاب المشروعات الصغيرة والكبيرة باتوا يواجهون صعوبة في العمل بكفاءة وسط بيئة عمل متقلبة نتيجة الارتفاع المتكرر في أسعار الوقود.
تدهور الاقتصاد وفقدان السيطرة على التضخم
تعد أزمة الوقود جزءًا من أزمة اقتصادية أوسع تمر بها مصر، حيث يعاني الاقتصاد من تدهور مستمر انعكس في ارتفاع معدلات التضخم وضعف قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية.
وقد أثر هذا التراجع على أسعار السلع الغذائية، وتكلفة المعيشة بشكل عام، مما أدى إلى احتجاجات متزايدة ومطالبات متكررة بتحسين الأوضاع الاقتصادية.
ورغم أن حكومة الانقلاب تؤكد التزامها بمسار "الإصلاح الاقتصادي"، فإن مراقبين يرون أن هذا المسار يزيد من معاناة المواطنين، خاصة في ظل الفساد المستشري الذي يعطل وصول الفوائد المرجوة للإصلاح إلى المواطن، فقد أدت سياسات الاعتماد على القروض والإنفاق الكبير على مشروعات غير مدروسة إلى زيادة حجم الديون العامة، مما وضع مصر في دائرة مغلقة من العجز المالي.
غياب الشفافية وتأثير السياسات الحكومية
تتهم جهات عديدة الحكومة المصرية بعدم الشفافية في إعلانها عن سياسات الوقود، وعدم الاستماع للمقترحات التي قدمها الاقتصاديون لمعالجة الأزمة.
وعلى الرغم من الدعوات المتكررة لزيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة أو تحسين شبكة النقل العام، تبدو الحكومة عازمة على مواصلة سياسة رفع الدعم بشكل تدريجي، دون دراسة الآثار الاجتماعية والاقتصادية على الطبقات المتوسطة والفقيرة.
وفي هذا السياق، يعتقد خبراء اقتصاديون أن اللجوء لخلط الوقود بالماء أو استخدامه كتكتيك للتغطية على الأزمة، إذا صح، يعد مؤشرًا خطيرًا على غياب التخطيط الاستراتيجي وابتعاد الإدارة عن حل الأزمات بشكل حقيقي ومستدام.
ختامًا، تبدو الأوضاع الاقتصادية في مصر بحاجة إلى قرارات جريئة تهدف إلى حل جذور الأزمات بدلًا من الاستمرار في اتباع السياسات التي تؤدي إلى تفاقمها، مع ضرورة تفعيل الرقابة على الأسواق لضمان حماية حقوق المستهلكين من الممارسات غير القانونية في محطات الوقود وغيرها.