في ظل التدهور الاقتصادي الشديد الذي تعاني منه مصر، يجد النظام نفسه مجبرًا على التعامل مع سخط شعبي متزايد نتيجة السياسات الاقتصادية المتشددة، والتضييق المتزايد على الطبقة المتوسطة والفقيرة، وقرارات تنظيمية مثيرة للجدل مثل تراخيص البناء. على مدار السنوات الأخيرة، عمّقت سياسات السيسي من الأعباء المعيشية على المواطنين، مما أدى إلى انفجار الغضب في الشارع المصري. وفي حين يبدو أن النظام بدأ في اتخاذ خطوات للتهدئة، تتساءل المعارضة: هل هذا تراجع تكتيكي أم بداية لانهيار النظام تحت وطأة الضغوط الشعبية؟
قرارات تراخيص البناء: قنبلة موقوتة كانت قرارات تراخيص البناء التي اتخذتها الحكومة واحدة من أكثر السياسات المثيرة للجدل، إذ حرمت هذه القرارات المواطنين من بناء منازلهم أو ترميمها إلا بعد استيفاء متطلبات صارمة ومكلفة. الأمر الذي أدى إلى زيادة العبء على الفئات المتوسطة والفقيرة التي تعتمد على البناء الشخصي لتوفير مساكنها. أثارت هذه القرارات موجة من الغضب بين المواطنين، الذين رأوا فيها محاولة للتضييق عليهم، خاصة وأن التكاليف المطلوبة تفوق إمكانياتهم.
وفي ظل الاحتجاجات والانتقادات الشعبية المتزايدة، وجد النظام نفسه مضطراً لتخفيف بعض القيود المفروضة على تراخيص البناء. ويبدو أن الحكومة أدركت أن هذا الإجراء قد يدفع بقطاعات كبيرة من المواطنين إلى التظاهر، مما يهدد بتفاقم الأوضاع الاجتماعية. هذا التراجع، الذي تراه المعارضة استجابةً لضغط الشارع، يُظهر مدى ارتباك النظام في مواجهة مشكلات نتجت عن سياساته الاقتصادية.
صندوق النقد الدولي والإصلاحات الاقتصادية: ضغط على المواطنين وتحدٍّ أمام النظام أما فيما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية المدعومة من صندوق النقد الدولي، فقد وضعت هذه الإصلاحات ضغطاً هائلاً على المواطن العادي في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتزايد الضرائب، وتراجع قيمة الجنيه المصري. لم تؤدِّ هذه الإصلاحات إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي الموعود، بل زادت من معاناة المصريين، خاصة بعد تراكم الديون وزيادة الفوائد المستحقة عليها.
ومع تزايد الأصوات التي تنتقد التدخلات الخارجية وتوجهات النظام الاقتصادية، بدأ النظام بإظهار بعض المرونة مع صندوق النقد الدولي. فبعد ضغوط مكثفة، طلبت الحكومة من الصندوق إعادة النظر في بعض الشروط، في إشارة قد توحي بقلق النظام من تفاقم الأزمة الشعبية وتزايد احتمالية تحول هذا الغضب إلى احتجاجات جماهيرية. المعارضة من جانبها تعتبر هذه الخطوة محاولة تكتيكية لتهدئة الشارع في الوقت الحالي، لكنها تعتقد أن الضغوط ستتزايد على النظام مع استمرار الأوضاع الاقتصادية المتدهورة.
تصاعد الغضب الشعبي: هل يفقد النظام سيطرته؟ شهدت مصر في السنوات الأخيرة العديد من التحركات الشعبية التي كان من الممكن أن تتصاعد إلى احتجاجات واسعة النطاق لولا التعامل الأمني القمعي معها. ومع ازدياد السخط الشعبي على خلفية السياسات الاقتصادية والأزمات المعيشية، يبدو أن السيسي بدأ في إدراك حجم التهديد الذي قد يشكله هذا السخط الشعبي المتصاعد.
في هذا السياق، يرى المراقبون أن قرارات التراجع التي اتخذتها الحكومة بخصوص تراخيص البناء وبعض إصلاحات صندوق النقد الدولي تأتي كجزء من محاولة النظام لاحتواء الغضب الشعبي المتنامي، حيث يُظهر السيسي مرونة تكتيكية لامتصاص ردود الأفعال الغاضبة. إلا أن المعارضة ترى في هذه الخطوات محاولات مؤقتة لتهدئة الوضع، مؤكدة أن النظام لا يمتلك رؤية جادة لحل الأزمة الاقتصادية، وأن محاولاته للتهدئة هي مجرد تلاعب بالوقت.
توقعات مستقبلية: بين تراجع النظام وتصاعد الاحتجاجات في الوقت الراهن، يبدو أن النظام يسعى لتجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع الشعب عبر إجراءات تهدئة وتخفيف للقيود، إلا أن المراقبين يتوقعون أن تبقى الأوضاع قابلة للانفجار في أي وقت. المعارضة ترى أن التراجع الظاهر في سياسات السيسي ليس سوى إجراء تكتيكي قد يكون مؤقتاً، مشيرة إلى أن النظام قد يعود لسياساته الاقتصادية المتشددة فور زوال الضغط الشعبي.
ويرى كثير من المحللين أن النظام، وبالرغم من محاولاته لاحتواء الأوضاع، يفتقر إلى رؤية طويلة المدى للخروج من الأزمة، حيث يعتمد على استراتيجيات قصيرة الأمد لتأجيل المواجهة الحتمية. في ظل هذا الوضع، تتزايد احتمالات وقوع احتجاجات واسعة إذا استمر تدهور الأوضاع المعيشية، خصوصًا مع استمرار السخط العام من السياسات الاقتصادية والقرارات التنظيمية التي تثقل كاهل المواطنين.
خاتما؛ تعيش مصر في ظل واقع اقتصادي مرير، يكاد يدفع بالمواطنين إلى الخروج للتعبير عن غضبهم تجاه السياسات الحكومية المتشددة. وفي حين يحاول النظام تهدئة الوضع عبر التراجع عن بعض القرارات، إلا أن المعارضة ترى أن هذه المحاولات مجرد تكتيك مؤقت لن يصمد في وجه التدهور الاقتصادي المستمر. مع مرور الوقت، قد يجد السيسي نفسه أمام أزمة شعبية لا يستطيع تهدئتها بتنازلات مؤقتة، مما يزيد من احتمالية أن تشهد البلاد احتجاجات واسعة النطاق إذا لم يحدث تغيير حقيقي في السياسات الاقتصادية والسياسية المتبعة