يعد التعليم أحد الركائز الأساسية لبناء أي مجتمع متقدم، ولكن في مصر، تعاني المنظومة التعليمية من تدهور شديد، خاصة في المراحل الإعدادية والثانوية. فقد أصبحت المدارس، بدلاً من أن تكون بيئة آمنة للتعلم وتطوير المهارات، رمزًا لفشل إداري وإهمال متواصل من قبل الحكومة المصرية. ورغم تصريحات وزير التعليم المتكررة حول التحسينات المزعومة، يبقى الواقع مريرًا، ويعكس حقيقة معاناة الطلاب والمعلمين في بيئة تعليمية غير مناسبة.

نظام تعليمي متداعٍ
في ظل حكم رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، شهدت مصر تدهورًا كبيرًا في القطاعات الحيوية، وعلى رأسها التعليم. وبينما تحاول الحكومة تقديم صورة وردية عن الإصلاحات في هذا القطاع، تكشف الحقائق على الأرض عن انهيار واضح في نظام التعليم، خاصة في المرحلتين الإعدادية والثانوية. يعاني الطلاب في هذه المراحل من مشكلات متعددة، أبرزها عدم توافر بيئة تعليمية ملائمة وعدم كفاية عدد المدارس والمعلمين، الأمر الذي أثر بشكل مباشر على مستوى التحصيل العلمي وجودة التعليم.

تجاهل الكثافة الطلابية وتأثيراتها
على الرغم من أن أعداد الطلاب داخل الفصول في المدارس الحكومية تتجاوز في العديد من الحالات الـ 60 و70 طالبًا، ينفي وزير التعليم وجود أي أزمة بهذا الشأن.

هذا التجاهل الصارخ للحقيقة يمثل استهانة بمعاناة ملايين الطلاب، الذين يجدون أنفسهم مضطرين للتعلم في ظروف غير إنسانية. فالكثافة العالية في الفصول تؤثر بشكل مباشر على جودة التعليم، حيث يصبح من المستحيل على المعلم متابعة كل طالب على حدة، ناهيك عن تقديم دروس تفاعلية أو تمارين تطبيقية.

الطلاب أنفسهم أصبحوا ضحايا هذا النظام المتهالك، حيث يضطرون للجلوس في فصول ضيقة ومكتظة، غير قادرين على التركيز أو الاستفادة من الدروس. العديد من هؤلاء الطلاب يعبرون عن إحباطهم من الوضع، حيث لا يجدون الدعم اللازم لاجتياز الامتحانات أو حتى فهم المواد الدراسية بشكل صحيح.

المعلمون تحت ضغط متزايد
ولا يقتصر الفشل على الطلاب فحسب، بل يمتد ليشمل المعلمين الذين يعانون من ضغوط هائلة نتيجة تكدس الفصول. فالمعلم المصري يجد نفسه مسؤولًا عن عشرات الطلاب دون وجود الأدوات أو الإمكانيات الكافية لتقديم دروس فعالة. يضطر المعلمون للتعامل مع عدد كبير من الطلاب، ما يجعل من المستحيل توفير الاهتمام الكافي لكل طالب على حدة، وهذا بدوره يؤثر على التحصيل الأكاديمي للطلاب.

على الرغم من تصريحات الحكومة حول زيادة عدد المعلمين وتقديم تدريبات متقدمة لهم، فإن الحقيقة تشير إلى نقص حاد في الكوادر التعليمية المؤهلة. تعيينات المعلمين الجدد لا تتناسب مع الزيادة السكانية وأعداد الطلاب المتزايدة، مما يفاقم من الأزمة ويزيد من تكدس الفصول.

البنية التحتية المتدهورة
إلى جانب النقص في الكوادر التعليمية، تعاني المدارس من تدهور حاد في البنية التحتية. العديد من المدارس في المناطق الفقيرة أو الريفية تفتقر إلى الأساسيات اللازمة لتوفير تعليم ملائم. بعض الفصول تفتقر إلى التهوية الجيدة أو حتى إلى أماكن جلوس كافية للطلاب. وفي بعض الحالات، يضطر الطلاب إلى الجلوس على الأرض نتيجة عدم توافر مقاعد.

بدلاً من الاستثمار في إصلاح هذه الأوضاع، تُوجه الموارد الحكومية إلى مشروعات لا تعود بالفائدة على الطلاب أو المعلمين، مثل إنشاء مشاريع بنية تحتية ضخمة أو بناء قصور رئاسية جديدة، في وقت تعاني فيه المدارس من تدهور مستمر.

الكذب في تصريحات المسؤولين
ورغم أن أزمة التعليم في مصر واضحة للجميع، فإن تصريحات المسؤولين تأتي دائمًا متناقضة مع الواقع. فوزير التعليم يصر على نفي وجود أي مشكلات في الفصول أو نقص في المعلمين، مدعيًا أن النظام التعليمي المصري يسير على خطى "الإصلاح". لكن هذه التصريحات لا تعكس سوى انفصال الحكومة التام عن معاناة الطلاب والمعلمين اليومية.

كما أن الحكومة تتعامل مع منتقدي النظام التعليمي بالقمع بدلًا من الإصلاح. أصوات كثيرة حاولت انتقاد الوضع، سواء من المعلمين أو أولياء الأمور، إلا أنها غالبًا ما تواجه التجاهل أو التضييق من قبل الأجهزة الأمنية، وهو ما يعكس غياب الإرادة الحقيقية للإصلاح.

الإصلاحات المزعومة: بين الوهم والواقع
تشير الحكومة مرارًا إلى أن هناك "إصلاحات" تجري في قطاع التعليم، سواء عن طريق تحديث المناهج أو تطوير نظام الامتحانات، إلا أن هذه الإصلاحات المزعومة تظل بعيدة عن تحقيق أي تحسن ملموس في الحياة التعليمية اليومية للطلاب. المناهج الجديدة غالبًا ما تكون غير مناسبة للطلاب ولا تتماشى مع احتياجاتهم الحقيقية، بينما تظل الامتحانات تعتمد على الحفظ والتلقين، دون تعزيز الفهم أو التفكير النقدي.

بالإضافة إلى ذلك، تفتقر معظم المدارس إلى التكنولوجيا الحديثة أو الأدوات التعليمية التي يمكن أن تساعد في تحسين جودة التعليم. العديد من المدارس لا تزال تعتمد على وسائل تدريس تقليدية، لا تتناسب مع متطلبات العصر الرقمي.

الخاتمة: مستقبل مظلم للتعليم في مصر
إن فشل النظام التعليمي في مصر هو انعكاس مباشر لسياسات الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي تضع الاهتمام بالمشروعات الضخمة والمظاهر الخارجية على حساب القضايا الجوهرية. فبينما تتفاخر الحكومة بمشروعات البنية التحتية الجديدة، يعاني ملايين الطلاب من تكدس الفصول وسوء جودة التعليم.

المشكلة لا تقتصر على العدد الكبير من الطلاب في الفصول، بل تتجاوز ذلك لتشمل كل جوانب المنظومة التعليمية. مناهج قديمة، معلمون مرهقون، مدارس متدهورة، وقيادة تعليمية لا تهتم بحل المشكلات الحقيقية. وفي ظل غياب رؤية حكومية واضحة لإصلاح التعليم، يبدو أن مستقبل الأجيال القادمة في مصر يواجه تحديات كبيرة في الحصول على تعليم يناسب احتياجاتهم ويساعدهم على مواجهة التحديات المستقبلية.