تشهد الساحة الدبلوماسية المصرية خسارة جديدة في أرض الصومال، حيث تصاعدت التوترات بين مصر وإقليم "أرض الصومال" الذي لا تعترف به الأمم المتحدة.
يأتي ذلك في أعقاب سلسلة من التصريحات والقرارات المتبادلة، كان أحدثها دعوة مصر لرعاياها لمغادرة الإقليم بسبب "عدم الاستقرار الأمني". هذه الخطوة جاءت بعد تصريحات مثيرة للرئيس موسى عبدي، الذي انتقد موقف مصر الرافض لاستقلال الإقليم، وسبقها إغلاق المكتبة المصرية الرسمية في العاصمة هرجيسا.
 

تدهور العلاقات مع "أرض الصومال"
في بيان صحافي نشرته سفارة مصر في مقديشو، تم تحذير المصريين من السفر إلى إقليم أرض الصومال، مشددة على ضرورة مغادرة المواطنين المتواجدين هناك في أقرب وقت ممكن.
تبرز هذه التصريحات القلق المصري من الوضع الأمني، وتعكس فقدان الأمل في إمكانية تقديم المساعدة القنصلية للمواطنين هناك في ظل الظروف الحالية.

في ظل هذه التوترات، يعكس تصريح رئيس الإقليم موسى عبدي واقعًا معقدًا.
فقد وصف موقف الحكومة المصرية بدعم وحدة وسيادة الصومال بأنه "غير عادل"، مؤكدًا أن المسألة هي قضية داخلية بين أرض الصومال والصومال، ولا تحتاج إلى تدخل خارجي. كما أشار إلى أن حكومته تسعى إلى إبرام مذكرة تفاهم مع إثيوبيا، التي تتيح لأديس أبابا منفذاً بحرياً على البحر الأحمر.
 

تداعيات التوتر على المنطقة
عندما يتحدث الخبراء عن هذه الأزمة، فإنهم يعتبرونها جزءًا من استراتيجية إثيوبية أوسع تهدف إلى تعزيز نفوذها في المنطقة، إذ يبرز خبراء في الشؤون الإفريقية أن إثيوبيا تعزز من موقفها الرافض للوجود العسكري المصري في مقديشو ضمن قوات حفظ السلام.
وفيما يتعلق بمبادرة الوساطة التي دعت إليها تركيا، فقد باءت بالفشل في تحقيق أي تقدم نحو حل الخلافات بين الصومال وإثيوبيا.

بالإضافة إلى ذلك، تزداد حدة الانتقادات بين مصر وأثيوبيا حول سد النهضة. حيث تنظر القاهرة إلى أي تحركات تتعلق بالاستقلال في الصومال كتهديد مباشر لمصالحها في المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بإمدادات المياه من النيل.
 

التهديدات والتحديات
السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، يعتقد أن "إثيوبيا تتخذ خطوات لزعزعة الاستقرار في القرن الأفريقي"، ويشير إلى أهمية عدم تقبل مصر لهذا التصعيد.
فإغلاق المكتبة المصرية جاء كخطوة تهدف إلى تعزيز الضغط على مصر، بينما تسعى الحكومة الإثيوبية إلى تعزيز نفوذها في الصومال.

وبالرغم من التوترات، يؤكد حليمة أن موقف مصر سيظل داعماً لسيادة الصومال، وأن القاهرة لن تقبل بالانجرار إلى توترات إضافية. وعندما يتعلق الأمر بالمستقبل، فإن مصر قد تلجأ إلى خيارات أخرى وفقاً للمواثيق الدولية لحماية أمنها القومي.
 

الأبعاد المستقبلية
في ظل هذه الظروف، يظهر أن الوضع قد يتجه نحو مزيد من التصعيد. الباحث في الشأن الأفريقي، عبد القادر كاوير، يرى أن الإغلاق النهائي للمكتبة المصرية هو مؤشر على شعور القيادة المصرية بوجود تصعيد خطر.
كما يشير إلى أن توجيه اتهامات إلى أديس أبابا بتمرير أسلحة لأقاليم انفصالية يعكس استمرار القلق والتوترات في المنطقة.

هذا التصعيد المتواصل، بالإضافة إلى فشل الوساطة التركية، يشير إلى أن الوضع في الصومال قد يكون أكثر تعقيدًا مما يبدو، مما يعكس انقسامًا عميقًا في العلاقات الإقليمية ويجعل من الصعب التوصل إلى حلول فعالة.

     من الواضح أن التوترات بين مصر وأرض الصومال ليست مجرد توترات عابرة، بل تعكس صراعًا أوسع على النفوذ في منطقة القرن الأفريقي، حيث تتشابك المصالح الوطنية مع الديناميات الإقليمية.
وفي الوقت الذي تستمر فيه مصر في دعم السيادة الصومالية، تبقى الخيارات أمامها محدودة، مع تصاعد التحديات الأمنية والدبلوماسية في وجهها.

في النهاية، سيتعين على القاهرة التعامل بحذر مع هذا الوضع المعقد للحفاظ على مصالحها وتعزيز دورها كقوة إقليمية فاعلة.