شهد عام 2024 ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الحديد والإسمنت في مصر، حيث تكررت الزيادات بين 6 و8 مرات خلال هذا العام وحده.
تلك الزيادات، التي جاءت في ظل أزمة اقتصادية خانقة تعصف بالبلاد وكان آخرها اليوم الثلاثاء حيث زادت بمقدار 452 جنيها للطن الواحد ، تعكس سياسات النظام الحاكم الفاشلة في إدارة الأزمات الاقتصادية، وتزيد من معاناة المواطن المصري الذي يعاني من ارتفاع تكاليف المعيشة وتفاقم الأعباء اليومية.

أسباب الارتفاع المتكرر للأسعار: فشل اقتصادي ونقص في التخطيط
تأتي هذه الزيادات نتيجة لسياسات اقتصادية متخبطة تحت قيادة النظام الحالي، فبدلاً من السعي نحو إصلاح الاقتصاد أو دعم الإنتاج المحلي، يواصل النظام تحميل المواطن البسيط تكاليف الأزمة التي تسبب بها هو نفسه. أسباب ارتفاع الأسعار تشمل:
الاعتماد على الخارج وغياب التخطيط الاستراتيجي: تراجع قيمة الجنيه المصري وتفاقم أزمة العملة الصعبة أديا إلى ارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة. مع أن النظام يروج لبرامج "إصلاح اقتصادي"، إلا أن الاعتماد على الواردات وتراجع الإنتاج المحلي زاد الوضع سوءًا. بدلًا من تعزيز الصناعة المحلية، تفضل الحكومة مشاريع استعراضية لا تخدم المواطن العادي.
الفساد في قطاع الطاقة: يرتبط ارتفاع أسعار الحديد والإسمنت بشكل مباشر بزيادة أسعار الطاقة. ومع الفساد المتفشي في هذا القطاع، حيث يُدار من قبل شخصيات محسوبة على النظام، يستفيد المقربون من هذه الزيادات على حساب المواطن العادي. يزيد النظام من أسعار الكهرباء والغاز دون مراعاة لتأثير ذلك على الصناعة والمستهلك النهائي.
التضخم المُفتعل نتيجة السياسات الاقتصادية الفاشلة: تعاني مصر من ارتفاعات حادة في معدلات التضخم نتيجة طباعة الحكومة لأموال جديدة بشكل مستمر لتمويل مشاريع غير مجدية وزيادة الدين العام. تلك السياسات أدت إلى فقدان العملة المحلية لقيمتها، ما دفع الأسعار للارتفاع في مختلف القطاعات، بما في ذلك قطاع البناء.

الآثار السلبية على قطاع العقارات
إن ارتفاع أسعار الحديد والإسمنت في ظل غياب سياسات تدعم الاستقرار الاقتصادي أدى إلى أزمة حقيقية في سوق العقارات، وهو قطاع حيوي في مصر. النظام الذي يدعي "تطوير" البنية التحتية يعتمد في الواقع على سياسات تزيد من الكلفة الإجمالية للمشاريع العقارية، مما ينعكس بشكل سلبي على المواطن. ومن بين الآثار:
ارتفاع أسعار الوحدات السكنية بشكل غير مبرر: الزيادات المستمرة في أسعار مواد البناء أدت إلى ارتفاعات خيالية في أسعار الشقق والوحدات السكنية، حيث تجاوزت قدرة المواطن العادي على الشراء. بات امتلاك مسكن خاص حلماً بعيد المنال، مع استغلال النظام للقطاع العقاري في خلق طبقة جديدة من الأثرياء المقربين منه، بينما تزداد الطبقات الفقيرة معاناة.
تباطؤ المشاريع العقارية وتزايد البطالة: يواجه قطاع البناء ركودًا ملحوظًا مع إبطاء أو تأجيل العديد من المشاريع بسبب الارتفاع الجنوني في التكاليف. هذا التباطؤ انعكس بشكل مباشر على فرص العمل، حيث فقد آلاف العمال وظائفهم بسبب توقف العمل في المشاريع أو تقليص حجم الإنشاءات.
زيادة في أسعار الإيجارات وارتفاع تكاليف المعيشة: بسبب ارتفاع تكلفة البناء، شهدت أسعار الإيجارات زيادات كبيرة، مما أضاف عبئًا آخر على المواطن المصري الذي يعاني بالفعل من ارتفاعات في أسعار الغذاء والوقود. لا يجد المواطن العادي مفرًا من تلك الأزمات المتراكمة إلا في اللجوء إلى طرق بدائية للسكن أو تأجيل خطط الزواج وتأسيس الأسر.

تأثير كارثي على المواطن المصري
في ظل هذه السياسات الاقتصادية الفاشلة، يدفع المواطن المصري الثمن الأكبر. ارتفاع أسعار الحديد والإسمنت، إلى جانب ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام، جعل من حياة المصريين أكثر صعوبة. يشعر الكثيرون بأن النظام يتجاهل معاناتهم، ويركز على مشاريعه الاستعراضية دون النظر إلى احتياجات المواطن اليومية.
تدهور القدرة الشرائية: لم يعد بمقدور المواطن العادي تحمل تكلفة بناء منزل أو حتى شراء شقة صغيرة، بعد أن أصبحت أسعار العقارات تفوق إمكانياته بكثير. النظام الذي يدعي خدمة المواطن، يتجاهل أن الغالبية العظمى من الشعب يعيشون تحت ضغط اقتصادي لا يطاق.
تأجيل الأحلام البسيطة: مع زيادة تكاليف البناء، أصبح بناء منزل أو حتى إجراء تحسينات على المنازل القائمة أمرًا صعبًا للغاية. يضطر المواطنون إلى تأجيل خططهم لبناء أو تحسين منازلهم بسبب ارتفاع الأسعار، مما يزيد من شعورهم باليأس والضغط.
غياب أي رقابة أو شفافية: النظام المصري لم يظهر أي التزام بالشفافية أو الرقابة في هذه الزيادات. تتحكم مجموعة من رجال الأعمال المقربين من السلطة في السوق، ما يسمح لهم بتحديد الأسعار كما يشاؤون دون أي محاسبة. يغيب دور الرقابة الحكومية بشكل كامل، تاركًا المواطن في مواجهة حيتان السوق.
النظام المستفيد الأكبر: سيطرة الجيش وتضييق على القطاع الخاص

تزايدت في السنوات الأخيرة سيطرة الجيش على العديد من القطاعات الاقتصادية، بما فيها قطاع العقارات. هذه السيطرة، المدعومة بقرارات رئاسية وقوانين مفصلة على مقاس المؤسسة العسكرية، جعلت الجيش لاعبًا رئيسيًا في هذا المجال. ومع ارتفاع أسعار الحديد والإسمنت، يستفيد الجيش من تلك الزيادات بفضل المشروعات التي يحتكرها، سواء كانت مشروعات سكنية أو بنية تحتية، في حين يتقلص دور القطاع الخاص الذي يواجه منافسة غير عادلة مع الكيانات العسكرية المدعومة.
ختامًا: سياسات فاشلة وأزمة مستمرة
الارتفاعات المتكررة في أسعار الحديد والإسمنت خلال عام 2024 هي نتاج سياسات اقتصادية فاشلة يقودها النظام الحالي، الذي يفضل دعم المشاريع الاستعراضية والسيطرة العسكرية على حساب المواطنين. مع استمرار تلك الزيادات، تزداد الأزمة الاقتصادية في مصر تعقيدًا، ويظل المواطن البسيط هو الضحية الأولى. لا يمكن حل هذه الأزمة إلا بتغيير شامل في السياسات الاقتصادية، وتعزيز الشفافية والمحاسبة، ووقف احتكار الجيش للقطاعات الاقتصادية.