في خطوة غير متوقعة من الإعلام العبري، نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية لقطات قيل إنها توثق اللحظات الأخيرة في حياة قائد حركة المقاومة الإسلامية حماس، يحيى السنوار، بعد استشهاده. ومع أن النية خلف هذه الخطوة كانت واضحة، وهي إضعاف الروح المعنوية للفلسطينيين والضغط على المجتمع الفلسطيني من خلال الترويج لفكرة انتهاء تأثير القيادة في المقاومة، إلا أن النتيجة جاءت معاكسة تمامًا. ردود الأفعال في الشارع الفلسطيني والعربي لم تتوقف عند الحزن، بل تحولت إلى حالة من الحماس والإلهام لروح المقاومة والجهاد.

محاولة للتأثير على الروح المعنوية
الإعلام العبري، بمساعدة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، سعى إلى استخدام هذا التسجيل كوسيلة للضغط النفسي على المقاومة الفلسطينية والجمهور الداعم لها. إذ جاء نشر هذه اللقطات كجزء من استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى إبراز قدراتها في استهداف قيادات المقاومة، في محاولة لتثبيط عزيمة المقاتلين الفلسطينيين وتوجيه رسالة للجماهير بأن المقاومة قد ضعفت بمقتل قادتها الرئيسيين.
غير أن الإعلام الإسرائيلي لم يتوقع ردود الأفعال التي أعقبت هذا النشر، والتي تحولت بسرعة إلى ما يشبه الكابوس بالنسبة لصناع القرار في تل أبيب. فقد انقلب السحر على الساحر، وتبين أن نشر هذه الصور أسهم بشكل كبير في إعادة إشعال روح المقاومة لدى الشباب الفلسطيني، وزاد من الالتفاف الشعبي حول حماس، بدلاً من إضعافه.

الإلهام من الشهادة
الشهادة، في السياق الفلسطيني، لطالما كانت مصدر إلهام وقوة. فالقيادات الفلسطينية، وعلى رأسها الشهيد يحيى السنوار، ينظر إليها بوصفها رموزًا للنضال والمقاومة. وقد زادت هذه الصور، التي ظهرت فيها شجاعة السنوار وثباته حتى اللحظة الأخيرة، من قناعة الشباب الفلسطيني بعدالة القضية وضرورة مواصلة الكفاح.
فاللقطات التي أظهرت السنوار وهو يواجه الموت بشجاعة وثبات جعلت منه بطلاً حقيقيًا في عيون الكثيرين، ليس فقط في فلسطين، بل في العالم العربي كله. لقد رسخت هذه الصور فكرة أن المقاومة ليست مرتبطة بأفراد أو أسماء، بل هي مشروع جماعي متجذر في وجدان الشعب الفلسطيني، قادر على الاستمرار والتطور مهما كانت التحديات.

حماس ومبدأ القيادة الجماعية
منذ تأسيسها، بنت حركة حماس مشروعها المقاوم على أسس راسخة من العمل الجماعي والمشترك، ما يجعلها عصية على الانكسار بموت أي قائد أو فرد. ففقدان قائد هنا أو هناك، مهما كانت مكانته، لا يعني نهاية الحركة أو ضعفها. بل على العكس، حماس لديها من القادة الميدانيين والسياسيين ما يجعلها قادرة على إعادة التنظيم بسرعة والاستمرار في توجيه ضرباتها للمحتل.

موقف الحركة بعد استشهاد يحيى السنوار جاء ليؤكد هذه الحقيقة؛ فقد أصرت القيادة على أن استشهاد القادة هو محطة في مسيرة طويلة من النضال، وأنه لا يمكن لإسرائيل أن تكسر إرادة الشعب الفلسطيني أو قيادته مهما حاولت. وبالفعل، جاءت ردود الفعل داخل صفوف المقاومة لتثبت صحة هذا الموقف. فبدلاً من حالة الانكسار أو الضعف التي كان يتوقعها الاحتلال، شهدت أوساط المقاومة زيادة في النشاط والمبادرات العسكرية، ما أرسل رسالة واضحة للعدو بأن حماس ليست حركة تعتمد على الأفراد بقدر ما تعتمد على التزامها بقضية التحرير.

تأثير إقليمي وامتداد عربي
لم تقتصر ردود الفعل الإيجابية على الداخل الفلسطيني، بل امتدت إلى العالم العربي والإسلامي. في كثير من العواصم العربية، انتشرت صور يحيى السنوار كرمز للمقاومة والتحدي، وعادت مشاعر التضامن مع القضية الفلسطينية لتطفو على السطح بقوة، في ظل التصعيد المستمر في غزة والجرائم الإسرائيلية المستمرة ضد المدنيين.

في الشارع العربي، عكست وسائل التواصل الاجتماعي والمظاهرات حالة التضامن والتأييد للمقاومة الفلسطينية. فقد رأى العديد من الشباب في استشهاد السنوار وما تلاه من تصاعد للمقاومة دليلاً على أن الاحتلال، رغم كل قوته العسكرية، لن يستطيع كسر إرادة شعب يناضل من أجل حريته وكرامته.

ندم إسرائيلي
منذ أن بدأت ردود الفعل الإيجابية تظهر بوضوح، بدأت أصوات داخل إسرائيل تعبر عن الندم لنشر هذه اللقطات. فقد فشل الإعلام العبري في قراءة الشارع الفلسطيني والعربي بشكل صحيح، وبدلاً من التأثير السلبي الذي كان متوقعًا، جاء التأثير إيجابيًا، وبشكل لم يكن متوقعًا.
بعض المحللين الإسرائيليين أشاروا إلى أن نشر هذه الصور كان خطأً استراتيجيًا، إذ إنه لم يؤدِ إلا إلى تقوية عزيمة المقاومة وزيادة التضامن معها في العالم العربي. وبات واضحًا أن إسرائيل، رغم تفوقها العسكري، تعاني من قصور في الفهم العميق للطبيعة النفسية والاجتماعية للشعب الفلسطيني.
في النهاية، تتجلى الحكمة الإلهية في قول الله تعالى: "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين". فقد أراد الإعلام العبري أن يضعف الروح المعنوية للمقاومة الفلسطينية بنشر لحظات استشهاد أحد قادتها، إلا أن النتيجة جاءت معاكسة تمامًا. فالمقاومة لم تضعف، بل ازدادت قوة، والشباب الفلسطيني والعربي باتوا أكثر إصرارًا على مواصلة طريق الجهاد والتحرير، ليبقى مشروع المقاومة حيًا لا ينكسر برحيل الأفراد.