أثار مشروع قانون إنشاء "المجلس الوطني للتعليم والبحث والابتكار" جدلاً واسعًا في الأوساط التعليمية والسياسية بمصر. بعد أن كان مجلس النواب قد رفضه في جلسات سابقة، عاد اليوم ليوافق عليه بشكل غير متوقع، وهو ما يثير تساؤلات عميقة حول دوافع هذه الموافقة، وما إذا كانت نتيجة ضغوط سياسية أو تعليمات مباشرة من جهات عليا.
مشروع القانون: نظرة سريعة
يهدف مشروع القانون، حسب ما تم ترويجه من قبل الحكومة، إلى إنشاء كيان مركزي يشرف على وضع السياسات التعليمية والبحثية، ويضمن تحقيق الابتكار والتطوير في مجال التعليم والبحث العلمي. وتدّعي الحكومة أن المجلس سيوحد جهود جميع المؤسسات التعليمية في مصر، ويعزز التنسيق بين الجامعات والمدارس ومعاهد البحث العلمي.
غير أن الحقيقة تبدو بعيدة كل البعد عن هذه المزاعم. فالكثير من الخبراء يرون أن القانون هو مجرد "فنكوش" – أي كيان وهمي لا يخدم الأهداف المعلنة، بل يعمق أزمة التعليم المتفاقمة في مصر. ومن خلال منح المجلس سلطات مركزية شاملة، يمكن أن يؤدي إلى تعطيل ديناميكية النظام التعليمي بدلًا من إصلاحه.
رفض سابق.. فما الذي تغير؟
كان مجلس النواب قد رفض مشروع القانون في جلسات سابقة، حيث أثار اعتراضات من العديد من النواب والخبراء الذين أكدوا أن هذا المجلس سيشكل عبئًا إضافيًا على النظام التعليمي. فقد حذر المعارضون من أن المركزية المفرطة للمجلس الجديد ستسلب الجامعات والمدارس القدرة على اتخاذ قرارات خاصة بإدارتها، وتجعلها رهينة لسياسات وأجندات سياسية، بدلاً من التركيز على تطوير البحث والتعليم.
لكن ما يثير الاستغراب هو التراجع المفاجئ من جانب البرلمان، الذي وافق على القانون بعد أن كان قد رفضه سابقًا. هل تم ذلك بضغط من جهات عليا أو بتوجيهات مباشرة؟ العديد من المراقبين يشيرون إلى أن هذه الموافقة جاءت بعد ضغوط من الحكومة أو دوائر قريبة من السلطة التنفيذية، التي تسعى لفرض أجندتها في جميع القطاعات، بما في ذلك التعليم.
هل المشروع يخدم التعليم أم يدمره؟
منذ الإعلان عن مشروع القانون، تزايدت الانتقادات من قبل المتخصصين في التعليم والبحث العلمي. فبدلاً من تحسين نظام التعليم المترهل في مصر، يرى البعض أن المجلس الجديد سيصبح مجرد أداة للتحكم في المؤسسات التعليمية والبحثية، وبالتالي، ستخضع هذه المؤسسات لإملاءات السلطة، بعيدًا عن مصالح الطلاب والأساتذة.
في ظل تدهور التعليم في مصر، يعتبر النظام التعليمي بحاجة إلى إصلاحات جذرية تشمل تحسين المناهج الدراسية، توفير المزيد من الموارد للمدارس والجامعات، وتطوير أدوات التدريس. ومع ذلك، يأتي هذا المشروع ليزيد الأعباء بدلًا من تقديم حلول. إذ أن منح المجلس سلطات مطلقة على القرارات التعليمية يمكن أن يعيق حرية البحث الأكاديمي ويجعل الجامعات والمدارس غير قادرة على اتخاذ قرارات تتماشى مع احتياجاتها.
ضغوط سياسية ومخاوف من التبعية
الموافقة المفاجئة من البرلمان على مشروع القانون تثير العديد من الشكوك حول دور السلطة التنفيذية في إقرار هذا النوع من القوانين. يبدو أن النظام يسعى لتعزيز سيطرته على مختلف جوانب الحياة في البلاد، بما في ذلك التعليم. قد يكون المجلس الوطني للتعليم والبحث والابتكار، في حقيقته، محاولة من الحكومة للسيطرة على الجامعات والبحث العلمي وتوجيههما لخدمة الأهداف السياسية للنظام.
المخاوف تتزايد من أن هذا المجلس سيصبح أداة لفرض مزيد من التبعية على القطاع الأكاديمي والبحثي، ويمنع أي محاولات جادة لإصلاح التعليم بعيدًا عن تأثيرات السلطة. هذا، في وقت تشتد فيه حاجة مصر إلى نظام تعليمي حر وفعال يتيح المجال للإبداع والابتكار الحقيقيين.
تأثير المجلس على البحث العلمي والابتكار
أحد أخطر جوانب هذا القانون هو تأثيره المحتمل على البحث العلمي. بدلاً من دعم الابتكار وتوفير بيئة محفزة للباحثين، يُخشى أن يتحول المجلس إلى جهة رقابية تفرض قيودًا على نوعية الأبحاث التي يتم إجراؤها. وفي ظل هذه الأجواء، قد يجد الباحثون أنفسهم محاصرين بأجندات سياسية، ما يحد من قدرتهم على التفكير الإبداعي والعمل على مشروعات جديدة تهدف إلى تطوير البلاد.
موقف الأكاديميين والطلاب
من المتوقع أن تثير موافقة البرلمان على القانون ردود فعل غاضبة من الأكاديميين والطلاب. فقد عبرت نقابات المعلمين والاتحادات الطلابية في مرات سابقة عن رفضها لهذا القانون، معتبرة إياه خطوة للوراء في مسار تحسين التعليم في مصر. ومن المرجح أن تشهد المرحلة القادمة تصاعدًا في حدة الانتقادات والمطالبات بإعادة النظر في القانون.
ما الحل؟
في ظل هذه الأوضاع، يبدو أن هناك حاجة ماسة إلى إعادة التفكير في سياسة التعليم في مصر. بدلاً من إنشاء مجالس مركزية جديدة تسيطر على العملية التعليمية، يجب العمل على تعزيز استقلال الجامعات والمدارس، وتشجيع البحث العلمي الحر بعيدًا عن التأثيرات السياسية.
يحتاج النظام التعليمي إلى إصلاحات جذرية، تشمل تحسين المناهج، تدريب المعلمين، وزيادة التمويل للبحث العلمي، وليس إلى مجالس رقابية تفرض المزيد من القيود على المؤسسات التعليمية.
في النهاية، يبقى السؤال الكبير: هل وافق البرلمان على مشروع القانون بقرار مستقل أم تحت ضغوط سياسية؟ والأهم، ما هو مستقبل التعليم في مصر تحت هذا القانون الجديد؟