يواجه قطاع زراعة القطن في مصر أزمة كبيرة بعد انخفاض إنتاجية المحصول في العام الحالي مقارنة بالعام الماضيوفقًا للتقارير الصادرة عن الفلاحين، فإن بعض المناطق المنتجة للقطن شهدت انخفاضًا في الإنتاجية يصل إلى حوالي 30-40% مقارنة بالعام الماضي، وهي أزمة تعود جذورها إلى مشاكل تتعلق بجودة بذور القطن الموزعة على الفلاحين. إذ أدت البذور المعيبة إلى تدهور الإنتاجية وزيادة التكاليف على الفلاحين، مما دفع الكثير منهم للتفكير في عدم زراعة القطن مجددًا، وهو ما ينذر بكارثة على المستوى الاقتصادي والزراعي للبلاد.

بذور معيبة وتراجع في الإنتاجية
في السنوات الأخيرة، كان القطن المصري يعتبر رمزًا للجودة العالية والتفوق العالمي، حيث يشتهر بقوة أليافه ونعومتها. إلا أن هذا التميز أصبح مهددًا بعد أن تعرض الفلاحون لصدمة كبيرة في موسم الزراعة الحالي، مع تلقيهم بذور قطن معيبة وغير فعالة. وتسببت هذه البذور في انخفاض كبير في إنتاجية القطن، حيث أشار الفلاحون إلى أن محصولهم هذا العام جاء أقل بكثير مما كانوا يتوقعون، بل وأقل حتى من إنتاجية العام الماضي التي كانت تعاني بالفعل من بعض التحديات.

أحد الفلاحين في محافظة الدقهلية، وهو من بين أكبر المحافظات المنتجة للقطن، قال: "لقد زرعنا البذور التي وزعتها علينا الحكومة، ولكن النتيجة كانت كارثية. المحصول ضعيف ولا يمكن مقارنته بالسنوات السابقة. نحن نواجه خسائر كبيرة هذا العام، ولا نعرف كيف سنتمكن من تحمل التكاليف المتزايدة."

ارتفاع تكاليف الزراعة وتراجع الدعم الحكومي
إلى جانب مشكلة البذور، يعاني الفلاحون من ارتفاع كبير في تكاليف الزراعة. فالأسمدة والمواد الكيميائية اللازمة لحماية المحصول من الآفات أصبحت أغلى من أي وقت مضى، في حين أن أسعار القطن لا تزال ثابتة أو حتى منخفضة في بعض الأحيان. الفلاحون يجدون أنفسهم بين المطرقة والسندان: من جهة تكاليف الإنتاج ترتفع، ومن جهة أخرى الحكومة لا تقدم الدعم الكافي لتعويض هذه التكاليف.

وما يزيد من تعقيد الوضع هو تراجع الدعم الحكومي المباشر للفلاحين. في السنوات الماضية، كانت الحكومة توفر للفلاحين بعض أشكال الدعم المادي أو العيني، سواء من خلال توفير بذور عالية الجودة أو تقديم دعم مالي لتعويض خسائرهم. ولكن هذا العام، يبدو أن الحكومة تخلت عنهم، حيث يُتهم المسؤولون بعدم توفير بذور جيدة أو حتى تقديم حلول للأزمة المتفاقمة.

الفلاحون يهددون بالتخلي عن زراعة القطن
في ظل هذه الظروف الصعبة، بدأ العديد من الفلاحين في التفكير بجدية في التخلي عن زراعة القطن بشكل نهائي. فعلى الرغم من أهمية القطن في الاقتصاد المصري وتراثه الزراعي، إلا أن الفلاحين لم يعودوا يرون فائدة اقتصادية من الاستمرار في زراعته. فهم يرون أن الخسائر التي يتكبدونها عامًا بعد عام تفوق الأرباح المحتملة.

عبد الله، أحد الفلاحين في محافظة الشرقية، يقول: "أنا أزرع القطن منذ أكثر من 30 عامًا، ولكن هذا العام هو الأسوأ على الإطلاق. إذا استمر الوضع كما هو، فإنني أفكر بجدية في زراعة محاصيل أخرى أقل تكلفة وأكثر ربحية. القطن أصبح عبئًا علينا."

وهذا الاتجاه قد يكون له تأثيرات كارثية على القطاع الزراعي في مصر، حيث أن القطن المصري يعتبر من المحاصيل الاستراتيجية التي تعتمد عليها صناعات الغزل والنسيج المحلية والدولية. إذا ما استمرت هذه الأزمة، فإن مصر قد تخسر مكانتها في السوق العالمي للقطن، مما سيتسبب في خسائر اقتصادية كبيرة ويهدد الصناعة المحلية التي تعتمد على هذا المحصول الحيوي.

ما الذي أدى إلى هذه الأزمة؟
هناك عدة أسباب وراء الأزمة الحالية، تبدأ بمشكلة جودة البذور الموزعة على الفلاحين. فوفقًا لتقارير محلية، تم توزيع بذور قطن غير مطابقة للمواصفات، مما أثر سلبًا على الإنتاجية. هذه البذور لم تكن فعالة في مقاومة الأمراض أو الحشرات التي تصيب القطن، وهو ما جعل المحصول عرضة للتلف السريع.

كما أشار بعض الخبراء الزراعيين إلى وجود فساد إداري في عمليات توزيع البذور، حيث يتم توزيع بذور مغشوشة أو منخفضة الجودة على الفلاحين دون رقابة كافية. هذا بالإضافة إلى عدم وجود برامج حكومية كافية لتدريب الفلاحين على أفضل طرق زراعة القطن أو تحسين جودة المحصول.
على الحكومة المصرية التحرك بسرعة لإنقاذ قطاع القطن من الانهيار. أولى الخطوات التي يجب اتخاذها هي تحسين نظام توزيع البذور، وضمان حصول الفلاحين على بذور عالية الجودة ومطابقة للمواصفات العالمية. كما يجب تقديم دعم مالي مباشر للفلاحين لتعويضهم عن الخسائر التي تكبدوها هذا العام، سواء من خلال دعم أسعار الأسمدة أو توفير قروض ميسرة.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة تعزيز الرقابة على عمليات توزيع البذور ومنع أي عمليات فساد أو تلاعب تؤثر سلبًا على الفلاحين. كما يجب توجيه المزيد من الاستثمارات إلى البحث الزراعي لتحسين سلالات القطن ومواجهة التحديات التي تواجه الفلاحين في ظل التغيرات المناخية والتقلبات الاقتصادية.
ختاما؛ تعيش زراعة القطن في مصر أزمة غير مسبوقة بسبب تراجع إنتاجية المحصول وتوزيع بذور معيبة على الفلاحين. ومع تزايد التكاليف وانخفاض الدعم الحكومي، أصبح الفلاحون في موقف صعب، مما يدفع الكثيرين منهم للتفكير في التخلي عن زراعة هذا المحصول الحيوي. إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات عاجلة لمعالجة هذه الأزمة، فقد تجد مصر نفسها في موقف كارثي يفقدها مكانتها العالمية في إنتاج القطن ويهدد مستقبل الفلاحين والصناعة الزراعية بأكملها.