في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تعيشها مصر، تتجه حكومة عبد الفتاح السيسي إلى تسريع وتيرة الخصخصة وبيع الأصول والمصانع الحكومية للمستثمرين. هذه السياسة التي ينتهجها النظام تأتي في إطار محاولات يائسة لسد العجز المالي الكبير الذي تواجهه الدولة، وسط تزايد الديون ونقص السيولة النقدية. ولكن هذا الاتجاه يثير تساؤلات حول تأثيره السلبي على الاقتصاد الوطني والمواطن العادي.

بيع المصانع الحكومية: خطوة لإرضاء المستثمرين
أعلن نائب رئيس وزراء الانقلاب ووزير الصناعة والنقل، كامل الوزير، مؤخرًا أمام مجلس النواب عن استعداد الحكومة لطرح أي مصنع حكومي متوقف عن العمل للبيع أمام القطاع الخاص. وأشار إلى أن الدولة حددت مجموعة من الأراضي والمصانع التابعة لها والتي توقفت عن الإنتاج لتكون متاحة للمستثمرين، سواء كانت أراضٍ أو منشآت يمكن تشغيلها. هذه المصانع تشمل حتى مصانع كانت تعتبر حجر الزاوية في الصناعات الثقيلة بمصر مثل مصنع الحديد والصلب.

الوزير أضاف في خطابه أن الحكومة تعمل على استغلال الأراضي الفضاء لخدمة القطاع الصناعي وزيادة العائد منها، مشيراً إلى أن هناك مصانع متعطلة تصل إلى 12 ألف مصنع تحتاج لدعم لتشغيلها. لكن بدلاً من تقديم الحلول لإعادة تشغيل هذه المصانع لصالح الاقتصاد الوطني والمواطنين، تفتح الحكومة الباب أمام المستثمرين، مما يطرح تساؤلات حول الأولويات الحقيقية للنظام الحالي.

أزمة السيولة والدين الخارجي: الحل السهل أم الحل العاجل؟
تعاني مصر منذ سنوات من أزمة اقتصادية حادة، تفاقمت مع تراجع العملة المحلية وزيادة الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تجاوزت نسبة الدين العام 90% من الناتج المحلي الإجمالي. في هذا السياق، تعتبر الحكومة بيع الأصول حلاً سريعًا لجذب الاستثمارات الأجنبية وتحقيق تدفق نقدي يُستخدم لسد عجز الميزانية وتقليل الاعتماد على القروض الخارجية.

لكن هذه السياسة ليست خالية من المخاطر. ففي ظل تدهور القيم السوقية للأصول، هناك مخاوف من بيعها بأسعار بخسة لا تعكس قيمتها الحقيقية، مما يعرض الاقتصاد لخسائر طويلة الأجل. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد الحكومة بشكل متزايد على "الخصخصة القسرية"، حيث تُجبر المؤسسات والمصانع على إغلاق أبوابها ومن ثم طرحها للبيع للمستثمرين الذين يُقدمون بأقل الأسعار. هذه الديناميكية تثير مخاوف حول دور الدولة في حماية المصالح العامة والحفاظ على الأصول الاستراتيجية التي بُنيت على مدى عقود بجهود وعمل الأجيال السابقة.

مستقبل العمالة وحقوق العاملين
واحدة من أبرز الآثار السلبية لسياسات بيع المصانع الحكومية هي التداعيات المباشرة على العمالة المصرية. يعاني العديد من العمال في المصانع المتعثرة من توقف العمل لفترات طويلة دون أفق واضح لإعادة التشغيل أو تقديم الدعم الكافي من الدولة. ومع تحول المصانع للقطاع الخاص، من المحتمل أن يُسرح العديد من العاملين أو يتم إجبارهم على القبول بشروط عمل أقل جودة وحقوق أقل.

في هذا السياق، تبرز أزمة العمالة في مصانع الحديد والصلب التي تم الإعلان عن بيعها. تلك المصانع كانت تعد من أهم مصادر الدخل لآلاف الأسر، ولكن ببيعها للقطاع الخاص، يتوقع أن يتضرر العمال بشكل مباشر، مع تخفيض الأجور وتسريح البعض منهم، مما يزيد من معدلات البطالة في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من تراجع فرص العمل.

تخلي الدولة عن مسؤولياتها الاقتصادية
تحولت الدولة في عهد السيسي من مدافع عن المصالح العامة إلى سمسار لبيع الأصول والمصانع، مما يعكس تخلي النظام عن دوره الاقتصادي والاجتماعي. فبدلاً من دعم القطاعات الصناعية الحيوية وإعادة تشغيلها، تعمل الحكومة على التخلص منها بأي ثمن لصالح المستثمرين. هذه السياسة لا تعكس سوى فشل الدولة في إدارة شؤونها الاقتصادية وتخليها عن مسؤولياتها تجاه المواطنين.

على الرغم من الحديث الرسمي عن أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إلا أن الواقع يظهر أن الحكومة تتخذ خطوات تصب فقط في مصلحة المستثمرين دون وضع أي ضمانات تحمي الاقتصاد الوطني أو المواطنين. هذا النهج لا يترك مجالًا للشك في أن النظام يفضل المصلحة الشخصية لبعض الجهات والمستثمرين على حساب مصلحة الشعب.

مخاوف على السيادة الاقتصادية
لا تقتصر المخاوف على بيع المصانع الحكومية فحسب، بل تمتد إلى تأثير هذه السياسات على السيادة الاقتصادية لمصر. مع تزايد بيع الأصول الحيوية واستحواذ القطاع الخاص، خاصة المستثمرين الأجانب، على نسبة كبيرة من البنية التحتية والصناعات، قد تجد مصر نفسها مرهونة لقرارات واستراتيجيات اقتصادية لا تخدم سوى مصالح المستثمرين الأجانب. هذا الوضع يهدد بفقدان مصر سيطرتها على اقتصادها الوطني وقدرتها على اتخاذ القرارات الاقتصادية السيادية.

الخصخصة ليست الحل
في ظل كل هذه التحديات، يبدو أن سياسة الخصخصة المفرطة التي يتبعها نظام السيسي ليست الحل المناسب للأزمة الاقتصادية. بدلاً من ذلك، يتعين على الحكومة التركيز على دعم المصانع المتعثرة وتحسين البنية التحتية للصناعة، بالإضافة إلى توفير البيئة المناسبة لجذب الاستثمار المحلي دون التضحية بالأصول الوطنية.

ختاماً، فإن هذه السياسات تضع مستقبل مصر الاقتصادي في خطر، وتثير تساؤلات حول أولويات النظام الحالي في إدارة الاقتصاد وحقوق المواطنين. إذا استمر هذا النهج، فإن مصر قد تفقد جزءاً كبيراً من ثرواتها لصالح المستثمرين، في حين يتزايد العبء على المواطن العادي الذي يدفع ثمن هذه السياسات