في ظل أزمة الدولار المتفاقمة في مصر، أصدر البنك المركزي المصري قراراً بمنع البنوك العاملة في السوق المحلية من تدبير العملة الأجنبية لاستيراد 13 سلعة وصفها بأنها "ترفيهية"، بما في ذلك السيارات، المعدات الثقيلة، الهواتف، الملابس، والمجوهرات. هذا القرار الذي تم اتخاذه دون الرجوع للبنك المركزي اعتبره الخبراء إعلاناً شبه رسمي عن ضعف الحصيلة الدولارية في البلاد، وهي خطوة من المتوقع أن تكون لها تبعات اقتصادية واجتماعية كبيرة. من أين بدأت المشكلة؟ تعود جذور هذا القرار إلى مارس 2022، حين واجهت مصر أزمة في خروج رؤوس الأموال الساخنة من أدوات الدين المحلية، وهو ما أدى إلى هروب نحو 20 مليار دولار من الأسواق المصرية. ردًا على ذلك، فرض البنك المركزي حينها قيودًا على استيراد السلع الترفيهية، بهدف منع استنزاف الحصيلة الدولارية. ومع ذلك، شهد أغسطس 2023 تخفيف هذه القيود، لكنه استمر في منع استيراد السيارات. وبحلول سبتمبر 2023، لم يجدد البنك المركزي تعليماته بتخفيف القيود، مشددًا على حظر تمويل استيراد القائمة المكونة من 13 سلعة. هذا التوجه جاء بعد شهر واحد من السماح بها، وهو ما أكدته تصريحات مصادر مصرفية لوسائل الإعلام المحلية، التي أشارت إلى أن هذا القرار يهدف إلى الحد من استنزاف الاحتياطي النقدي الأجنبي في ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة. يرتبط هذا القرار بتراجع ملحوظ في صافي الأصول الأجنبية لدى القطاع المصرفي المصري، بما في ذلك البنك المركزي. فقد تراجعت الأصول الأجنبية بنحو 27% في أغسطس 2023 مقارنة بشهر يوليو من نفس العام، لتصل إلى 473.2 مليار جنيه مصري، وهو ما يعادل حوالي 9.7 مليار دولار. إضافة إلى ذلك، تتراجع الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة في أذون الخزانة المحلية، مما يفاقم الضغط على العملة الأجنبية. كما يأتي هذا القرار في وقت تواجه فيه مصر مراجعة رابعة من قبل صندوق النقد الدولي للحصول على شريحة من قرض بقيمة 1.3 مليار دولار. تأخرت هذه المراجعة بسبب حاجة مصر لاستكمال بعض الإجراءات الإصلاحية، مثل سد الفجوة التمويلية وتسريع برنامج بيع الأصول الحكومية. أثر القرار على السوق والمواطنين إن حظر استيراد السلع الترفيهية يشير بوضوح إلى شح العملة الأجنبية في مصر، مما يزيد من مخاوف المراقبين والمحللين الاقتصاديين من احتمالية حدوث تضخم إضافي وزيادة أسعار السلع الأساسية. هذه الخطوة تأتي في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من فجوة تمويلية تقدر بحوالي 19.1 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، وفقًا لتقرير المراجعة الثالثة لصندوق النقد الدولي الصادر في يوليو 2024. من المتوقع أن يؤدي حظر استيراد هذه السلع إلى زيادة الطلب على الدولار في السوق السوداء، مما قد يدفع سعر الدولار للارتفاع مجددًا مقابل الجنيه المصري. ويخشى البعض أن يؤدي هذا إلى موجات تضخمية جديدة وارتفاع أسعار السلع الأساسية، بما في ذلك الأغذية والأدوية. في ظل هذه الإجراءات، يتوقع المحللون أن تشهد مصر موجة جديدة من التضخم، خاصة إذا لم تتمكن البلاد من تأمين احتياطيات دولارية كافية لتلبية احتياجاتها من السلع الأساسية. يشير الاقتصاديون إلى أن هناك احتمالية لزيادة الطلب على العملات الأجنبية في السوق السوداء، مما يفاقم الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق الموازية. أحد السيناريوهات التي يطرحها الخبراء هو أن هذا القرار قد يكون تمهيدًا لتعويم آخر للجنيه المصري، حيث يواجه البنك المركزي ضغوطًا هائلة من المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي للالتزام بنظام سعر صرف مرن. مخاوف متعلقة بالسلع الأساسية على الرغم من أن القرار يركز على السلع الترفيهية، فإن الخبراء يحذرون من أن الوضع قد يمتد إلى سلع أساسية مثل الأدوية والغذاء. فعلى سبيل المثال، يعاني السوق المصري من نقص في الأدوية الأساسية منذ فترة، ويخشى البعض أن تتفاقم هذه الأزمة إذا لم تتمكن البلاد من تأمين الدولار اللازم لاستيراد المواد الفعالة للأدوية. وفي سياق متصل، فإن مصر تعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتلبية احتياجاتها الغذائية، وخاصة القمح. فقد زادت واردات مصر من القمح بنسبة 30% في الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لتصل إلى 10.8 مليون طن، ما يضع ضغطاً إضافياً على احتياطيات العملة الصعبة. ختاما ؛ يبدو أن قرار البنك المركزي المصري بمنع استيراد السلع الترفيهية يأتي في ظل أزمة دولارية حادة تشهدها البلاد، ويعكس محاولات البنك المركزي لتقليل الضغط على الاحتياطيات النقدية الأجنبية. ومع ذلك، فإن التبعات الاقتصادية لهذا القرار قد تكون وخيمة، مع احتمالية ارتفاع معدلات التضخم واستمرار الضغط على العملة المحلية. في هذا السياق، يبقى التحدي الأكبر أمام الحكومة المصرية هو القدرة على تأمين مصادر دولارية كافية لتجنب أزمة اقتصادية أعمق قد تؤثر على استيراد السلع الأساسية التي يحتاجها المواطنون بشكل يومي.

