منذ أداء حكومة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي اليمين الدستورية أمام رئيس النظام عبد الفتاح السيسي في الثالث من يوليو الماضي، بدأت تبرز ملامح تغييرات كبيرة في توزيع الأدوار بين الرجلين. حيث ظهر مدبولي بشكل لافت في المشهدين الداخلي والخارجي، مقابل تراجع ظهور السيسي. ومع ذلك، ما أثار تساؤلات كبيرة حول مغزى هذه التحولات هو ما شهدته الساحة السياسية المصرية في الأيام الأخيرة من توجه حكومي جديد قد يسحب من السيسي أحد أهم أدواته الاقتصادية التي كان يعتمد عليها منذ توليه السلطة عام 2014.

في خطوة مفاجئة، أعلنت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، رانيا المشاط، عن تقديم مشروع قانون جديد لمجلس النواب لإعادة هيكلة "الصندوق السيادي المصري". وفقاً للمشروع، سيتم نقل تبعية الصندوق من الرئاسة إلى مجلس الوزراء، وسيكون للصندوق وزير مختص يُعيّنه مجلس الوزراء. هذه الخطوة أثارت تساؤلات عديدة حول أسباب هذا التغيير، خصوصاً وأن السيسي كان دائمًا يؤكد في خطاباته أنه هو الذي يتحكم في الصندوق ويمرر قراراته المالية.

ما هو الصندوق السيادي المصري؟
تم إنشاء الصندوق السيادي المصري بموجب قانون رقم 177 لعام 2018، وكان هدفه استثمار الأصول غير المستغلة للدولة وتوجيه هذه الاستثمارات لدعم الاقتصاد المصري. وفي عام 2021، منح السيسي الصندوق امتيازات واسعة، منها إعفاءات ضريبية وتسهيلات قانونية، مما جعله جزءًا مهمًا من سياسات النظام الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، تولى السيسي بنفسه نقل ملكية العديد من الأصول الحكومية إلى الصندوق، بما في ذلك المباني الحكومية في وسط القاهرة، مثل مجمع التحرير وأرض الحزب الوطني.

إلى جانب ذلك، أعطت القوانين الخاصة بالصندوق سلطات واسعة لرئيس الجمهورية. على سبيل المثال، وفقًا للمادة 6 من قانون إنشاء الصندوق، كان للسيسي الحق في نقل ملكية أي أصول غير مستغلة للدولة إلى الصندوق دون الرجوع إلى أي جهة أخرى. كما أن المادة 15 تمنحه الحق في تشكيل مجلس إدارة الصندوق، بينما تعطيه المادة 18 صلاحية تشكيل الجمعية العمومية للصندوق.

هل يسحب القانون الجديد سلطات السيسي؟
يعتبر البعض أن نقل تبعية الصندوق السيادي إلى مجلس الوزراء قد يعني تقليص صلاحيات السيسي في التحكم بالصندوق، خصوصًا فيما يتعلق بنقل الأصول وتعيين أعضاء الإدارة. لكن هذا التفسير قد لا يكون دقيقًا بالكامل. فوفقاً للعديد من المراقبين، قد يكون هذا التغيير محاولة لتضخيم دور الحكومة ظاهرياً، مع الاحتفاظ بالتحكم الفعلي بيد السيسي.

في هذا السياق، يرى بعض الخبراء أن هذا التعديل قد يكون نتيجة لضغوط دولية، خصوصًا من مؤسسات مالية مثل صندوق النقد الدولي. إذ أن هذه المؤسسات تشدد عادة على أهمية الشفافية في إدارة الصناديق السيادية. وبحسب ما يتم تداوله، فإن هناك توجهًا من صندوق النقد لرفض فكرة إدارة أصول الدولة بواسطة صناديق خاصة لا تخضع للرقابة الحكومية والبرلمانية.

ماذا عن دور رانيا المشاط؟
رانيا المشاط، التي تضاعفت صلاحياتها بعد التعديل الوزاري الأخير، تلعب دورًا محوريًا في هذا المشهد الجديد. كونها وزيرة للتخطيط والتنمية الاقتصادية وذات خلفية مالية قوية، يشير مراقبون إلى أنها قد تكون الوجه الجديد الذي سيقود الصندوق السيادي في المرحلة المقبلة. ومع وجود علاقات جيدة لها مع المؤسسات الدولية وصندوق النقد الدولي، فإن هناك احتمالات بأن يكون الهدف من هذا التغيير تحسين صورة مصر أمام المجتمع الدولي.

إلا أن بعض الخبراء يعتقدون أن هذه الخطوة قد تكون مجرد محاولة لتجميل صورة النظام أمام الشعب والمجتمع الدولي. فالمؤسسة العسكرية لا تزال تسيطر على الكثير من الأصول والمشروعات الاقتصادية الكبرى في البلاد، وما قد يحدث هو فقط إعادة ترتيب الأدوار دون تغييرات جذرية في طريقة إدارة الأصول.

هل يسهم القانون الجديد في تحسين الشفافية؟
حتى الآن، يعد الصندوق السيادي المصري من بين "الصناديق السوداء" التي لا يتم الإفصاح عن أنشطتها أو نتائجها بشكل علني. ورغم الوعود بأن نقل تبعية الصندوق لمجلس الوزراء قد يسهم في تحسين الشفافية ونشر التقارير المالية، إلا أن الكثير من المراقبين يرون أن هذا الأمر لا يزال بعيد المنال.

في نهاية المطاف، فإن مشروع القانون الجديد قد يكون مجرد خطوة نحو مزيد من المرونة في إدارة الأصول الاقتصادية، لكن هل ستتبعها خطوات حقيقية نحو تحسين الشفافية وإخضاع الصندوق للرقابة المالية؟ هذا ما سيكشفه المستقبل.

خاتما ؛ يبدو أن السيسي يحاول من خلال هذا التغيير توجيه رسائل متعددة، سواء للمجتمع الدولي أو للنخب السياسية والاقتصادية في الداخل. وقد يكون الهدف هو الحفاظ على السيطرة الفعلية على الصندوق، مع تقليل الجدل حول الصلاحيات الرئاسية المباشرة. ومع ذلك، فإن السؤال الأهم يبقى: هل ستسهم هذه الخطوات في تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد، أم أنها مجرد تغييرات شكلية لا تغير من الواقع شيئًا؟