شهدت مصر خلال الأشهر القليلة الماضية أزمة حادة في قطاع الأسمدة، نتيجة نقص المعروض وارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة. هذه الأزمة تزامنت مع زيادة صادرات قطاع الصناعات الكيماوية والأسمدة، والتي بلغت قيمتها حوالي 5 مليارات دولار في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2024، وفقًا لرئيس المجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة، خالد أبو المكارم. وفي الوقت الذي تواصل فيه مصر تصدير كميات كبيرة من الأسمدة، يعاني الفلاحون المحليون من نقص شديد في المعروض وارتفاع متواصل في الأسعار، مما يهدد الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في البلاد.
تصدير الأسمدة وأزمة نقص الغاز
ترتبط أزمة نقص الأسمدة بشكل مباشر بتراجع إمدادات الغاز الطبيعي لمصانع الأسمدة في شهر يونيو الماضي، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج وارتفاع الأسعار. وتعتمد مصانع الأسمدة، خاصة التي تنتج الأسمدة الآزوتية، بشكل كبير على الغاز الطبيعي كمادة خام. وعندما تراجع ضخ الغاز، توقفت بعض المصانع عن العمل، مما أدى إلى ارتفاع سعر الأسمدة في السوق المحلي. وصل سعر طن الأسمدة الآزوتية إلى 27 ألف جنيه، مقارنة بـ 13 ألف جنيه في مايو.
تصدير الأسمدة والكيماويات إلى الخارج زاد من حدة الأزمة. ورغم أن الحكومة تلزم منتجي الأسمدة بتوريد 55% من إنتاجهم إلى السوق المحلي بأسعار مدعمة، إلا أن الطلب المحلي يفوق الكميات المعروضة، مما دفع العديد من الفلاحين إلى اللجوء إلى السوق الحر حيث تكون الأسعار أعلى بكثير. وفي ظل هذه الظروف، ارتفعت أسعار الأسمدة بنسبة 54% في السوق الحرة خلال فترة قصيرة، مما ألقى بأعباء إضافية على كاهل الفلاحين الذين يعتمدون بشكل كبير على الأسمدة المدعمة في زراعة محاصيلهم.
تأثير الأزمة على الزراعة والمزارعين
يشتكي العديد من المزارعين من عدم قدرتهم على الحصول على حصصهم المعتادة من الأسمدة المدعمة من الجمعيات الزراعية والبنك الزراعي. وقد ارتفع سعر شيكارة السماد اليوريا – أحد الأسمدة الأكثر استخدامًا في الزراعة الصيفية مثل الذرة والأرز – إلى حوالي 1300 جنيه. هذا الارتفاع في التكلفة يؤثر بشكل مباشر على إنتاجية المحاصيل ويزيد من تكلفة الزراعة، مما ينذر بخسائر فادحة للمزارعين وارتفاع محتمل في أسعار السلع الزراعية في الأسواق.
كما تعاني بعض المحافظات، مثل قنا، من نقص حاد في الأسمدة الكيماوية المخصصة للمزارعين. ونتيجة لذلك، ظهرت سوق سوداء للأسمدة، حيث ارتفعت الأسعار بشكل غير مسبوق، مما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا بالنسبة للمزارعين الذين يعتمدون على الحصص المدعمة. وفي هذا السياق، حذر النائب خالد أبو نحول، عضو مجلس النواب، من انهيار الإنتاج الزراعي في بعض المناطق نتيجة عدم توفر الأسمدة.
الحلول المقترحة لتخفيف الأزمة
في محاولة لتخفيف الأزمة، دعا العديد من الخبراء والمختصين الحكومة إلى إعادة النظر في سياساتها المتعلقة بتصدير الأسمدة. الدكتور يحيى متولي خليل، أستاذ الاقتصاد الزراعي بالمركز القومي للبحوث، أكد ضرورة إعطاء الأولوية لتلبية احتياجات السوق المحلي من الأسمدة قبل التفكير في التصدير. وأشار إلى أن مصر لا تعاني من أزمة في إنتاج الأسمدة بشكل عام، لكن الأزمة الحالية ناجمة عن نقص الغاز والتصدير المكثف.
ومن جانبه، أكد خالد أبو المكارم رئيس المجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة على ضرورة تحقيق التوازن بين سياسات الدعم الحكومي والقدرة الشرائية للمزارعين المحليين. وأوضح أن المنتجين يسعون إلى الوصول إلى أسعار تعكس التكاليف الفعلية للإنتاج وتتيح لهم أرباحًا معقولة، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال تحسين الكفاءة في الإنتاج وتبني تقنيات جديدة.
كما دعا الخبراء إلى تعزيز التعاون مع الدول الأخرى لتبادل الخبرات والتقنيات في مجال إنتاج الأسمدة، وذلك لضمان استقرار السوق المحلي وتوفير الأسمدة بأسعار معقولة للمزارعين.