في الآونة الأخيرة، شهدت مصر انتشارًا ملحوظًا للكلاب الضالة في الشوارع، ما أثار قلق المواطنين وأصبح يشكل خطرًا مباشرًا على حياتهم.

هذه الظاهرة، التي باتت تشكل تحديًا كبيرًا للمجتمع المصري، لم تعد مجرد مشكلة بيئية أو صحية، بل تحولت إلى أزمة حقيقية، خاصة مع تكرار حوادث العقر والهجمات التي أدت إلى إصابات خطيرة ووفيات.

حوادث مروعة ومتكررة
تشير التقارير إلى أن حوادث عقر الكلاب الضالة تزايدت بشكل ملحوظ في مختلف المحافظات المصرية.

في الإسكندرية، تم نقل 30 شخصًا إلى المستشفيات بعد تعرضهم لهجمات كلاب ضالة، بينما فقد تلميذ صغير حياته في سوهاج نتيجة لعضة كلب.

وفي المنوفية، تعرض 11 مواطنًا لهجوم من كلب ضال، مما ألحق بهم إصابات بالغة، وتكرر الأمر في أسوان، حيث هاجم كلب مسعور خمسة أشخاص، من بينهم طفلة.

هذه الحوادث المتكررة دفعت المواطنين إلى تغيير تفاصيل حياتهم اليومية، وتجنب الشوارع التي تعرف بانتشار الكلاب الضالة، مما أثر على نمط الحياة العام وخلق حالة من الذعر بين المواطنين، خاصة الأطفال وكبار السن الذين يعتبرون الأكثر عرضة لهذه الهجمات.

تأخر تشريعي وتدخلات حكومية محدودة
تحت ضغط الشارع وتزايد عدد الحوادث، تجددت المطالبات بضرورة التصدي لظاهرة انتشار الكلاب الضالة في مصر.

وفي هذا السياق، تقدم عضو مجلس النواب محمود عصام بسؤال إلى رئيس مجلس الوزراء ووزيري التنمية المحلية والزراعة حول تأخر صدور اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة، الذي تم إقراره في مايو 2023.

وعلى الرغم من مرور أكثر من 6 أشهر على صدور القانون، فإن اللائحة التنفيذية لم تُصدر بعد، ما أثار انتقادات واسعة في البرلمان.

واعتبر وكيل لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، محمد الحسيني، أن تأخر إصدار اللائحة التنفيذية يعكس فشلًا في التعامل مع هذه الأزمة، مشيرًا إلى أن الكلاب الضالة أصبحت تمثل خطرًا حقيقيًا على حياة المواطنين.

الحلول المتاحة والمشكلات المرتبطة بها
في الوقت الحالي، تعتمد الحكومة المصرية على حملات مكافحة الكلاب الضالة عبر طرق متعددة، من بينها التسميم والتعقيم.

وفقًا لمسؤول في الهيئة العامة للخدمات البيطرية، فإن التسميم يُعتبر "رحيمًا"، لكن هذه الطريقة تواجه اعتراضات حقوقية واسعة، حيث يعتبر الكثيرون أن قتل الكلاب غير إنساني ويتعارض مع القيم الدينية والأخلاقية.

من ناحية أخرى، تشير التقارير إلى أن عمليات التعقيم التي تهدف إلى الحد من تكاثر الكلاب تحتاج إلى ميزانيات طائلة، ما يجعل تنفيذها على نطاق واسع أمرًا صعبًا في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

من جانبها، تشير عبير عوض الله، عضو في إحدى الجمعيات المعنية برعاية الحيوانات، إلى أن قتل الكلاب لا يمثل حلًا فعالًا، حيث يهدد التنوع البيولوجي ويعكس تجاهلًا للقيم الإنسانية.

وأكدت أن الحل الأمثل يكمن في إجراء عمليات تعقيم وتطعيم للكلاب، وهو نهج علمي يساعد في تقليل أعداد الكلاب الضالة بشكل مستدام.

معوقات الحلول التنفيذية
تشير صباح جارح لاوندي، مدير مديرية الطب البيطري بالإسكندرية، إلى أن الإمكانات المتاحة للتعامل مع ظاهرة الكلاب الضالة ضعيفة جدًا مقارنة بحجم المشكلة.

رغم إطلاق الحكومة لمبادرة "مصر بلا سعار 2030"، التي تهدف إلى تطعيم الكلاب الضالة ضد مرض السعار ووضع علامات للتعرف عليها، فإن التحديات الكبيرة التي تواجه تنفيذ هذه المبادرة، مثل قلة التمويل وعدم وجود فرق ميدانية كافية، تعوق تحقيق أهدافها.

كما أن الهيئة العامة للخدمات البيطرية خصصت خطًا ساخنًا لتلقي الشكاوى المتعلقة بالكلاب الضالة، إلا أن استجابة الفرق الميدانية تظل محدودة، ولا تستطيع تلبية كافة البلاغات التي تتلقاها من مختلف المحافظات.

الحاجة إلى تضافر الجهود
لحل هذه الأزمة، يرى الخبراء ضرورة تضافر الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني. الدكتور محمد عاصم، طبيب بيطري، دعا إلى ضرورة التنسيق بين منظمات المجتمع المدني والهيئات الحكومية لحل مشكلة الكلاب الضالة بطريقة علمية وإنسانية.

وأشار إلى أن الحلول المعتمدة حاليًا، مثل التسميم أو الإعدام، لا تعالج جذور المشكلة بل تؤجلها فقط، ما يستدعي وضع خطة متكاملة تشمل التعقيم والتطعيم على نطاق واسع.

ختاما ؛ تشكل ظاهرة انتشار الكلاب الضالة في مصر أزمة حقيقية تتطلب تدخلًا عاجلًا ومستدامًا. ومع تزايد الحوادث المرتبطة بهجمات الكلاب على المواطنين، تبرز الحاجة إلى تضافر الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني لإيجاد حلول علمية وإنسانية لهذه المشكلة.

وبينما تسعى بعض الجهات إلى استخدام أساليب تقليدية مثل التسميم، فإن الحلول المستدامة تكمن في التعقيم والتطعيم، لضمان تقليل أعداد الكلاب الضالة دون الإضرار بالتنوع البيئي.

تظل هذه المشكلة تحديًا كبيرًا يتطلب التزامًا سياسيًا ومجتمعيًا لحلها بطرق تحترم حقوق الحيوان وتحمي حياة المواطنين في آنٍ واحد.