تم الكشف عن تفاصيل جديدة في قضية فساد مالي كبرى مرتبطة بعمليات تطوير وإنشاء مباني النيابات التابعة لمكتب النائب العام المصري.

وقد حصلت الجريدة على مستندات رسمية وأوراق القضية رقم 17 لسنة 2024، التي يُحقق فيها نيابة استئناف القاهرة، والمتهم فيها عدد من كبار المسؤولين والمقاولين، بمن فيهم النائب العام السابق حمادة الصاوي ونجله أحمد، بالإضافة إلى مجموعة من المستشارين والمقاولين.

خلفية القضية

بدأت التحقيقات في هذه القضية بناءً على تقارير حول مخالفات مالية في عمليات تطوير الأبنية التابعة لمكتب النائب العام، التي تمت في عهد النائب العام السابق حمادة الصاوي.

وتشمل التحقيقات شخصيات بارزة، مثل أيمن بدوي، مدير إدارة النيابات بالمكتب الفني للنائب العام السابق، ومحمد محمود منصور، المحامي العام الأول بإدارة النيابات، بالإضافة إلى عدد من المقاولين وأسرهم.

في 18 مايو 2024، أصدر النائب العام الحالي المستشار محمد شوقي عياد قرارًا بمنع التصرف في الأموال والممتلكات الخاصة بـ 34 شخصًا متورطين في القضية، من بينهم مستشارون ومقاولون وأفراد أسرهم.

وجاء هذا القرار ضمن الإجراءات الاحترازية المتخذة لضمان عدم تهريب الأموال أو التصرف فيها خلال سير التحقيقات. شمل القرار منع التصرف في الأموال النقدية أو المنقولة أو السائلة، وكذلك العقارات والأسهم والودائع المصرفية.

تفاصيل المتهمين والتحقيقات

بحسب المستندات التي حصل عليها "العربي الجديد"، فإن من بين المتهمين المستشار محمد محمود منصور وزوجته وأبناؤه القصر، بالإضافة إلى والده ووالدته، والمقاول خالد سعيد حسن وأسرته. وتضم القائمة أيضًا عددًا من المستشارين والمقاولين الآخرين، الذين يُحقق معهم في التهم المتعلقة بالتورط في فساد مالي في عمليات تطوير مباني النيابات.

وكان أيمن بدوي، مدير إدارة النيابات السابق، قد قدم استقالته من العمل بالقضاء بعد انكشاف تورطه في القضية. وقد خضع للتحقيق أمام النيابة العامة التي قررت إخلاء سبيله بكفالة قدرها 50 ألف جنيه. أما المستشار محمد محمود منصور، الذي رُفعت عنه الحصانة القضائية للتحقيق معه، فقد تمكن من الهرب خارج البلاد قبل صدور قرار التحفظ على أمواله وأموال أسرته.

وتبين أن والد منصور، الذي كان ضابطًا سابقًا، أسس شركة مقاولات بالتعاون معه، وكان المستشار يعمل من "الباطن" في هذه الشركة، وقام بترسية مناقصات بالأمر المباشر عليها بالمخالفة للقانون. وقد استفادت الشركة بشكل غير قانوني من هذه المناقصات، وهو ما أدى إلى تحقيق أرباح طائلة.

كشفت التحقيقات عن وجود فساد واسع النطاق في مناقصات تطوير الأبنية التابعة للنيابات، حيث بدأت القضية بمناقصة لتطوير مبنى الأرشيف التابع لمكتب النائب العام. تبين أن هذه المناقصات تم منحها بالأمر المباشر، بما يخالف القوانين المعمول بها، لصالح شركات معينة، بعضها تم إنشاؤها من قبل مستشارين "من الباطن" عبر أفراد أسرهم. كما كشفت التحقيقات عن دفع عمولات من قبل المقاولين لترسية المناقصات عليهم.

وأظهرت التحقيقات تضخم ثروات عدد من المتهمين، من بينهم أيمن بدوي ومحمد محمود منصور، اللذان كانا على رأس الإشراف على هذه المناقصات المخالفة. وقد أظهرت الأدلة تورطهما في منح العقود بطرق غير قانونية، وتلقي عمولات مالية كبيرة من المقاولين. وفي خطوة دراماتيكية، انتحر أحد المستشارين المتورطين بعد القبض عليه في مطار القاهرة.
حجم الفساد والاعترافات

وفقًا للتحقيقات، يُقدر حجم الفساد المالي في هذه القضية بما يزيد عن 200 مليون جنيه مصري. وقد اعترف عدد من المقاولين المتهمين بتقديم العمولات مقابل الحصول على المناقصات بالأمر المباشر. كما قام بعض المتهمين بتسوية أوضاعهم من خلال دفع المبالغ المستحقة وإعادة بعض الممتلكات، بما في ذلك التنازل عن منزلين في مجمع "ديار".

لا تزال القضية مفتوحة حتى الآن، حيث تُجري النيابة العامة مزيدًا من التحقيقات وتفحص جميع العقود والملفات المتعلقة بالمناقصات التي أُجريت في تلك الفترة. يتم أيضًا التحقيق في الأسماء المتورطة لضمان محاسبة جميع المتورطين في هذه الشبكة الكبيرة من الفساد المالي.

تظل هذه القضية واحدة من أكبر فضائح الفساد المالي في مصر، حيث تسلط الضوء على التورط الواسع لكبار المسؤولين في الفساد المالي وإساءة استغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية، وهو ما يُعد تحديًا كبيرًا أمام جهود مكافحة الفساد وترسيخ سيادة القانون في البلاد.