أثار الحديث حول دخول مصر في مرحلة "الفقاعة العقارية" جدلاً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي وبين خبراء الاقتصاد. كان الخبير الاقتصادي هاني توفيق قد توقع أن يشهد القطاع العقاري المصري مرحلة ركود تتبعها فقاعة عقارية، مشيرًا إلى أن الأسعار الحالية تتضمن مكونًا كبيرًا للفائدة يبلغ 32٪ سنويًا لمدة 10 سنوات. توقعات بانخفاض أسعار العقارات في تدوينة عبر حسابه على "فيسبوك"، أوضح توفيق أن "عند تحقيق مستهدف الدولة في عام 2026، وهو خفض الفائدة إلى 16٪، سينتج عن ذلك انخفاض كبير في تكلفة التمويل وبالتالي انخفاض جذري في أسعار العقارات بحلول 2026 مقارنة بعام 2024". وانتقد توفيق بشدة الاعتقاد السائد بين بعض الخبراء العقاريين والسماسرة بأن مصر بحاجة إلى 2.5 مليون وحدة سكنية سنويًا، متسائلاً عن قدرة الشباب على شراء وحدات تصل قيمتها إلى 10 ملايين جنيه. مفهوم الفقاعة العقارية فرج عبدالله، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع، شرح مفهوم الفقاعة العقارية قائلاً: "الفقاعات العقارية تظهر في الاقتصاد بصورتين. الأولى تتعلق بتقديرات مرتفعة للأصول العقارية نتيجة سياسات نقدية تسمح بمزيد من التمويل دون ضوابط تحوط جيدة. الصورة الثانية تنشأ بسبب الارتفاعات المتتالية للتضخم، حيث تصبح العقارات ملاذًا آمنًا للتحوط مع اضطراب أسعار الصرف، كما يحدث في مصر". عبدالله أكد أن الوضع في مصر يتماشى مع الصورة الثانية، حيث يصبح العقار مخزنًا للقيمة في ظل التضخم المتزايد وارتفاع أسعار الصرف. ورغم هذا التحليل، فهو لا يعتقد أن السوق العقاري في مصر سيصل قريبًا إلى مرحلة الفقاعة العقارية. أسباب الخلل في السوق العقاري المصري على الجانب الآخر، يرى أستاذ الاقتصاد علي الإدريسي أن توقعات هاني توفيق بشأن دخول مصر في الفقاعة العقارية تعود إلى الخلل الذي يشهده السوق العقاري المصري، لكن هذا الخلل ليس بالضرورة أن يؤدي إلى فقاعة. الإدريسي أشار إلى أن "الكثيرين يتفقون مع توفيق على وجود أزمة في تسعير العقارات وارتفاع الأسعار بنسبة كبيرة عن قيمتها الحقيقية". وأوضح الإدريسي أن "الأزمة تفاقمت خلال فترة عدم استقرار سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار، حيث اعتمد المطورون على سعر الدولار في السوق السوداء لتسعير الوحدات، مما أدى إلى تشوهات كبيرة في السوق". كما أضاف أن "ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم وأسعار المواد الخام نتيجة لأزمة سعر الصرف أدى إلى تحميل المستهلك كل هذه التكاليف من خلال رفع أسعار الوحدات". هل يتكرر سيناريو الفقاعة العقارية؟ الإدريسي أشار إلى أن مصر شهدت فقاعة عقارية خلال الأزمة المالية العالمية في 2008، لكنه استبعد تكرار الأمر في الوقت الحالي نظرًا لاختلاف طبيعة السوق وتدخل الدولة في مشاريع الإسكان والشراكة مع القطاع الخاص. أما عن توقيت حدوث الفقاعة، يرى فرج عبدالله أن ذلك سيحدث عندما "ينخفض عائد المبيعات عن تكاليف الاقتراض، وهو ما لم يحدث بعد في مصر". وأوضح أن الفقاعة العقارية تؤثر بشكل كبير على الاقتصادات التي تربط بين القطاع العقاري والقطاع المالي والمصرفي، وهو ما لا ينطبق بشكل كامل على مصر، حيث يعتمد المطورون العقاريون على السيولة التي يحصلون عليها من المشترين مقدماً وليس من البنوك. حماية السوق من الفقاعة العقارية يرى عبدالله أن ما يحمي القطاع العقاري في مصر حاليًا من الدخول في مرحلة الفقاعة هو أن السوق العقاري "غير ناضج بشكل كافٍ ولا يخضع لآليات العرض والطلب بشكل كامل". ومع ذلك، قد تحدث الفقاعة في الوحدات الفاخرة بينما تبقى الفئات المتوسطة والدنيا أقل عرضة لهذا الخطر نتيجة التضخم وزيادة الطلب. وأكد الإدريسي أن "الفترة الحالية تشهد زيادة في المعروض، لكن ما قد يحدث هو انخفاض في وتيرة الزيادة الكبيرة في الأسعار، وليس انهيارًا كاملاً في السوق". وأضاف أن عملية تصدير العقار للمستثمرين الأجانب والعرب، التي شهدت نجاحًا في بعض المشاريع مثل رأس الحكمة، قد تؤجل حدوث الفقاعة العقارية وتدعم استقرار السوق. هل تستمر الفقاعة العقارية في مصر؟ بناءً على التحليلات والتوقعات المتضاربة، يبدو أن مصر قد تواجه مخاطر الفقاعة العقارية، ولكن ليس في المستقبل القريب. إذا استمرت الحكومة في تطوير السياسات النقدية والمالية المناسبة وتوجيه القطاع العقاري نحو مشاريع تعزز الطلب المحلي والدولي، قد يتمكن السوق من تفادي الانهيار والاحتفاظ بنموه التدريجي.

