قبل بدء العام الدراسي الجديد بأسابيع، فاجأت الحكومة 26 مليون طالب بتغيير نظام الدراسة بالمرحلة الثانوية العامة (البكالوريا)، مهمشة عدداً من المواد التي تنتمي إلى العلوم الإنسانية في المناهج.
تستهدف الحكومة خفض عدد المواد الدراسية، وإخراج بعضها من قائمة المواد الإجبارية المؤهلة للقبول بالجامعات، والتخلص من صدام مجتمعي حول مشاكل موسمية للثانوية العامة، في اتجاه يراه خبراء للحد من النفقات الموجهة لقطاع التعليم العام، الذي يعاني من تراجع يزيد عن 50% من تعداد الفصول الدراسية والمعلمين الذين تحتاجهم المدارس خلال العام الجاري.
في إعلانه عن خطة إعادة هيكلة المرحلة الثانوية للعام الدراسي 2024-2025 التي تبدأ 21 سبتمبر/ أيلول المقبل، أكد وزير التعليم المصري محمد عبد اللطيف أنه أجرى حوارا مجتمعيا بشأن خطته مع الخبراء والمعلمين ومديري الإدارات التعليمية ومجالس الأمناء والآباء والمعلمين وأساتذة الإعلام المتخصصين بملف التعليم، مشددا على أنها حظيت بنسبة قبول كبيرة، لأنها تستهدف التخفيف عن الطلاب والحفاظ على جودة التعليم.
تشمل الخطة إعادة توزيع المناهج الدراسية بالمرحلة الثانوية على طلاب الصفين الأول الثانوي، لتصبح ست مواد بدلا من عشر مواد، وست مواد بدلا من ثماني مواد لطلاب الصف الثاني، على أن تشمل خمس مواد فقط بالصف الثالث، بدلا من سبع مواد، على أن تصبح اللغة الأجنبية الثانية ومواد علم النفس والجيولوجيا والتربية الدينية خارج المجموع الكلي، كمواد نجاح ورسوب، ودمج مادتي الكيمياء والفيزياء في مادة واحدة، بما يضمن تقليل المواد الإجبارية في المرحلة الثانوية من 32 مادة إلى المستويات السائدة دوليا. تشمل الخطة إعادة توزيع درجات مواد الثانوية العامة المؤهلة للجامعات.
أزال الوزير مادة الإحصاء عن طلاب القسم الأدبي، معتبرا أنها غير ذات أهمية لطلاب القسم، في خطوة يراها خبراء متناقضة مع أهمية المادة في تدريب الطلاب على خطوات البحث والتوثيق العلمي. وتستهدف الخطة تخفيض كثافة الطلاب بالفصول، ولتصل إلى 50 طالبا بالفصل الواحد. وأفصح الوزير عن عجز بعدد الفصول يبلغ نحو 250 ألف فصل دراسي، تمثل نحو 50% من عدد الفصول المتاحة بالمدارس الحكومية، التي تبلغ 550 ألف فصل دراسي.
أزمة جديدة في سوق العمل
يشير خبراء إلى إلقاء الحكومة بأزمة جديدة في سوق العمل، لاهتمامها بخطة تستهدف خفض المواد الدراسية وعدم تشغيل الخريجين، فيما يعاني خريجو المدارس والجامعات من تراجع الطلب على توظيفهم لعدم تناسب مؤهلاتهم العلمية والقدرات المكتسبة من التعليم لحاجة سوق العمل.
وكشف وزير التعليم عن توجه الوزارة لاستكمال تعيين 30 ألف معلم، الذين تخطوا اختبارات مسابقة تعيين المدرسين على مدى العامين الماضيين، والتعاقد مع 50 ألف معلم للعمل بنظام "الحصة" بالإدارات التعليمية بالمحافظات، مع الاستعانة بالخريجين الجدد لأداء الخدمة العامة، لمدة عام، بالعمل بالتدريس مجانا لمن تنطبق عليه شروط الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة.
كما أكد الوزير وجود عجز في عدد المعلمين يبلغ 469 ألفا و860 معلما، بما يزيد عن نصف تعداد المعلمين العاملين بالوزارة الذي وصل إلى 843 ألفا و490 معلما. وقرر الوزير زيادة مدة العام الدراسي من 23 أسبوعا إلى 31 أسبوعا، مع زيادة وقت الحصة بمقدار خمس دقائق لتصبح 50 دقيقة، بما يزيد من قدة التدريس بنسبة 33%.
الاقتصاد العاجز
كشفت دراسة أجراها المركز المصري للدراسات الاقتصادية أخيرا بالتعاون مع منظمة العمل الدولية ووزارتي الصناعة والاتصالات، أن الاقتصاد أصبح عاجزا عن توليد فرص عمل لحاملي الشهادات العليا والمتوسطة، وقدرته على توفير فرص عمل أمام العمالة الفنية، لعدم قدرة الشركات الخاصة والعامة على التوظيف، وتوقف الحكومة عن تعيين الخريجين الجدد. وأكدت الدراسة أن تدهور التعليم أدى إلى تراجع مهارات الخريجين بما يهدر قيمة الشهادات العليا ويدفع أصحاب الأعمال إلى طلب خريجي تعليم عال، لضمان توافر الحد الأدنى من المهارات، مع ثبوت هبوط مستوى التعليم الفني المتوسط، وأن 90% من المتقدمين للوظائف غير مؤهلين لسوق العمل.
 
تلاعب في مؤشرات البطالة
أثبتت الدراسة تلاعب وزارة القوى العاملة في مؤشرات معدل البطالة، حيث ترصد عدد الباحثين عن العمل مع تجاهلها للمعايير الدولية التي تسجل كل من بلغ 15 عاما حتى 64 عاما في سجل القوى العاملة بالدولة.
وفي السياق، حذر خبراء مركز دراسات حلول بديلة التابع للجامعة الأميركية بالقاهرة، من توجه الحكومة نحو "تسليع التعليم الجامعي" وتعميق عدم المساواة وتهديد المجانية، عبر سياسات تنتهجها وزارة التربية والتعليم، بعد إعلان نتيجة امتحانات الثانوية العامة، في ظل توجه حكومي عام لخفض الإنفاق على التعليم العالي وزيادة عدد الأقسام والشعب ذات الرسوم المرتفعة داخل الكليات والجامعات الحكومية، وتقليص الأماكن المجانية المتاحة في نظام التعليم العالي، التي تزيد من عدم المساواة بين أفراد المجتمع وتمنح الفئات ميسورة الدخل فقط القدرة على تحمل تكاليف التعليم.