في ظل الأزمة المستمرة لانقطاع الكهرباء التي تواجهها مصر، أثارت تصريحات رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، حول حل هذه الأزمة جدلاً واسعاً بسبب التناقض والتراجع الملحوظ في مواعيد التعهد بحلها.

تُعاني مصر من أزمتين حادتين وهما نقص في إمدادات الطاقة بسبب تراجع إنتاج الغاز بشكل كبير، وتتطلب معالجة هذه الأزمة حلولاً طويلة الأجل تتضمن استثمارات كبيرة في مشاريع جديدة للطاقة وبنية تحتية أفضل، وشح الدولار بسبب الالتزامات الخارجية الضخمة.

تعهدات متناقضة
الشهر الماضي، صرح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بأن الحكومة ستنهي أزمة انقطاع الكهرباء بحلول الأسبوع الثالث من يوليو/ تموز الجاري. جاء هذا التصريح ليمنح الأمل للمواطنين الذين يعانون من انقطاع الكهرباء المتكرر، ما أثر سلباً على حياتهم اليومية وأعمالهم.

وكشف مدبولي عن تعاقد الحكومة على شحنات بقيمة 1.18 مليار دولار، لتوفير الوقود اللازم  لاستقرار عمل شبكات الكهرباء وتقليل فترات الانقطاع. ولكن حتى تصل الشحنات الجديدة فسوف تستمر سياسة تخفيف الأحمال بمعدل ساعتين يوميا حتى الأسبوع الثالث من الشهر الجاري.
في وقت لاحق عاد مدبولي ليعلن أن أزمة انقطاع الكهرباء سيتم حلها خلال أول 6 أشهر من عمل حكومته الجديدة. هذا التغيير الكبير في الموعد المعلن سابقاً أثار استياء وتساؤلات واسعة بين المواطنين والخبراء حول سبب هذا التراجع و التناقض في التصريحات.

وقال مدبولي خلال جلسة عرض برنامج الحكومة على مجلس النواب بالعاصمة الإدارية، الأسبوع الماضي: "لمسنا معاناة المواطنين من أزمة الكهرباء، وأعاهدكم على أن تعمل الحكومة بعزم وإصرار للقضاء عليها خلال النصف عام الأول من برنامجنا".
ردود الفعل
أثار التناقض في تصريحات مدبولي موجة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبر العديد من المواطنين عن استيائهم من عدم الوضوح والشفافية في التصريحات الحكومية. تساءل البعض عن جدية الحكومة في حل الأزمة وعن الأسباب التي قد تكون وراء هذا التراجع في المواعيد.
ما زاد الأمور تعقيدا وعدم وضوح هو أن خطة الحكومة غير معروفة مدتها أو الفترة التي سوف تشملها، إذ تضمنت التصريحات الأولى أن الخطة تشمل أشهر الصيف فقط، وأنه خلال الأشهر المتبقية حتى نهاية العام سيتم العمل على التقليل من تخفيف الأحمال من خلال خطة واضحة وتدبير مبالغ إضافية، ما يعني عودة انقطاعها مجددا.

رغم التضارب والتناقض في توقيتات حل الأزمة، إلا أنها ليست الأولى التي تطلقها الحكومة، وسبق أن أطلقت العديد من الوعود دون أن تتحقق.

تموز/ يوليو 2023: مع تفاقم موجة الحر، وعدت الحكومة بإنهاء تخفيف الأحمال. إلا أن هذا الوعد لم يتحقق على أرض الواقع.

أيلول/ سبتمبر 2023: بشّر مصدر مسؤول بانحسار أزمة انقطاع الكهرباء خلال أيام، وذلك تزامنًا مع انخفاض درجات الحرارة وتحسن إمدادات الوقود.

كانون الأول/ ديسمبر 2023: كشفت مصادر مطلعة عن تقليص مدة تخفيف الأحمال إلى ساعة واحدة بدلاً من ساعتين، وذلك قبل نهاية الشهر.

حزيران/ يونيو 2024: رئيس الوزراء المصري يعد بحل أزمة انقطاع التيار الكهربائي في الأسبوع الثالث من شهر تموز/ يوليو.

يرى بعض الخبراء أن التناقض في تصريحات رئيس الوزراء يعكس وجود تحديات كبيرة تواجه الحكومة في حل أزمة الكهرباء، وربما يشير إلى أن الحلول المطروحة سابقاً لم تكن كافية أو فعالة بما يكفي.

بينما يرى آخرون أن الحكومة بحاجة إلى وضع خطة واضحة وشفافة لمعالجة الأزمة وأن تكون صادقة مع المواطنين حول المدى الزمني المطلوب لحلها.

في محاولة لتنويع مصادر الطاقة أعلنت مصر عن خطط جديدة تهدف إلى التحول لإنتاج الهيدروجين الأخضر بكميات كبيرة والتحول إلى مركز عالمي بحلول عام 2030.

تنوع مصادر الطاقة للخروج من الأزمة
يعتقد مستشار البنك الدولي لشؤون النفط والطاقة، الدكتور ممدوح سلامة، أن "مصر أمامها خيارات لتنويع مصادر الطاقة في ظل التحديات التي تواجهها المتمثلة في تراجع إنتاج الغاز مثل التوسع في إنتاج الهيدروجين، وإنتاج الغاز هو المستخدم الأكثر في العالم لأن تقنية إنتاج طاقة الهيدروجين الأخضر معقدة تكنولوجيا ومكلفة ماديا"
لكنه أكد أن "مصر واجهت مؤخرا بعض التعثرات في طريق إنتاج الغاز ولكن الطريق مازال مفتوحا أمامها لاكتشاف حقول جديدة في مياهها الإقليمية والدولية ورفع إنتاجها والعودة للتطوير وضمان الاكتفاء الذاتي".

وأشار الخبير الدولي إلى "أهمية تعزيز أمن الطاقة  في مصر – الأكبر من حيث عدد السكان في المنطقة - مثلها مثل الكثير من دول العالم سوف تحتاج إلى الاستفادة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى جانب استخدام الطاقة الأحفورية (الفحم والغاز والنفط) إضافة إلى الطاقة النووية".
حلول سريعة ولكنها صعبة
يقول خبير اقتصاديات النفط والطاقة، نهاد إسماعيل: "إن تراجع إنتاج حقول مصر من الغاز وتقلص احتياطات الغاز أثرا على إمدادات الطاقة. ومع وجود أزمة دولار فإن الحل السريع والوحيد وهو الاستيراد من الخارج أصبح أمرا معقدا وبحاجة إلى بعض الوقت".

وأضاف : "حتى كميات الغاز التي تأتي من إسرائيل غير كافية رغم إلغاء مصر خططها لتصدير الغاز القادم من هناك وضخ الغاز إلى محطات توليد الكهرباء بالتوازي. على مصر زيادة وتيرة البحث والتنقيب لاكتشاف المزيد من الغاز عبر جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية ولكنها تحتاج إلى فترات زمنية طويلة".

بخصوص تضارب تصريحات المسؤولين بشأن موعد حل الأزمة بشكل نهائي، رأى إسماعيل: "أن الحكومة المصرية غير راضية عن استمرار أزمة الكهرباء وتداعيات ذلك على الصناعة والمواطنين وكذلك المستثمرين، والحل والسريعة هو توفير الدولار لشراء المازوت والغاز المسال لمحطات الوقود لحين اكتشاف المزيد من الحقول ودخولها الخدمة.

تراجع صادرات البترول المصرية
بالتزامن مع عودة مصر إلى ساحة الدول المستوردة للغاز المسال من الأسواق العالمية، بعد أن أصبح الاستيراد من إسرائيل غير كافٍ لسد النقص والذي يصل إلى مليار قدم يوميا، تتوقع الحكومة المصرية انخفاض صادرات البترول في السنة المالية الحالية إلى 7.950 مليار دولار فقط، مقابل 10.22 مليار دولار في السنة المالية الماضية.

ويأتي هذا التراجع في الصادرات بعد أن سجل الميزان التجاري النفطي لمصر عجزًا بقيمة 5.1 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية 2023-2024، مقارنةً بفائض 1.7 مليار دولار في الفترة نفسها من العام السابق.