دعا المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى التدخل العاجل لمعالجة عراقيل تسجيل اللاجئين ملتمسي اللجوء في مصر، وتوفير وضمان حقوقهم، كما طالب الجهات المصرية المختصة إلى بتمديد المهلة الزمنية لتوفيق أوضاع اللاجئين ومنحهم الحماية المؤقتة، خاصةً للفئات الأكثر ضعفًا، وفاء بالالتزامات الدولية والإنسانية، بما يعزز من القدرة على التعامل مع التحديات المتزايدة الناجمة عن تدفقهم وضمان توفير الدعم اللازم لهم أو توفير حلول بديلة، بدلا من تركهم عرضة للترحيل القسري وتركهم فريسة للخوف من المجهول ولأسوأ السيناريوهات، خاصة أن إعادتهم لمناطقهم التي تشهد اقتتالا أهليا وصراعات مسلحة، لا تعني سوى وضعهم عرضة لخطر محدق. 

وطالب المركز، في ورقة موقف صادرة عنه أمس الاثنين 8 يوليو 2024، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومكتبها في القاهرة، والسلطات المختصة، للتنسيق بشأن سرعة إدراج جميع المواطنين السودانيين ضمن فئة “اللاجئين بديهيا أو ظاهريا” (prima facie refugees”، بما يترتب على ذلك من آثار، أبرزها عدم ترحيلهم قسريا، وضمان حماية فعالة لهم، واعتبارهم لاجئين دون الحاجة إلى إجراءات بيروقراطية طويلة ومعقدة لتحديد حالاتهم بشكل فردي، تجنبًا لتعريضهم للمخاطر المتوقعة عند عودتهم إلى بلادهم، في ظل الظروف الإنسانية الصعبة التي يعانون منها بالفعل. 

في حالات الأزمات الإنسانية الكبرى أو النزاعات المسلحة التي تجبر الأفراد على الفرار بشكل جماعي، مثل الحروب أو النزاعات الداخلية الشديدة، تلجأ الجهات الأممية الإنسانية إلى منح صفة “اللاجئين بديهيا أو ظاهريا” (prima facie refugees) لجميع مواطني بلد أو فئة بافتراض أنهم يستوفون معايير تعريف اللاجئ بالفعل. 

هذا النهج الظاهري يعني اعتراف الدولة أو المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بوضع اللاجئين بناءً على الظروف الموضوعية الواضحة في بلدهم الأصلي أو بلد إقامتهم السابقة، وهو الأمر الذي طبقته دول مجاورة في أوقات سابقة مع مواطنين من سوريا وجنوب السودان، على سبيل المثال. 

مؤخرا، أعلن مجلس الوزراء عن مهلة أخيرة للأجانب المقيمين على الأراضي المصرية لتوفيق أوضاعهم، تنتهي في 30 سبتمبر المقبل. على أن يتم بعدها إيقاف جميع الخدمات المقدمة من الجهات المعنية حتى يتم تقديم بطاقة الإعفاء من الإدارة العامة للجوازات، وذلك بعد تمديد المهلة التي انتهت في 30 يونيو الماضي بالفعل. 

بعد انتهاء المهلة النهائية، ستتخذ السلطات المختصة إجراءات قانونية ضد الأجانب الذين لم يستخرجوا الإعفاء، معتبرة إياهم مخالفين لضوابط الإقامة بالبلاد. 

إجمالا، تستضيف مصر ما يقارب 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين من 62 جنسية مختلفة، وأصبحت الجنسية السودانية هي الأكثر عدداً بنسبة 52%، تليها الجنسية السورية، تليها أعداداً أقل من جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا، واليمن، والصومال، والعراق، وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ووفق تقديرات حكومية ودولية، فإن أعداد اللاجئين والأجانب المقيمين على أراضيها تتعدى 9 ملايين أجنبي، من نحو 133 دولة.  

ويواجه عشرات الآلاف من السودانيين –الفئة الأكبر من اللاجئين وطالبي اللجوء– الفارين من أهوال الحرب الأهلية تحديات جسيمة عند محاولتهم دخول مصر، بما في ذلك الاضطرار للوقوف في طوابير انتظار طويلة على الحدود، في ظروف غير صحية ونقص في المأوى والأدوية والاحتياجات الأساسية، وسط تأخيرات حادة في معالجة قضية التأشيرات بسبب إغلاق عدد من السفارات ومكاتب الهجرة مقراتها، فضلا عن فقدان آخرين جوازاتهم وبطاقات هوياتهم، أو انتهاء صلاحيتها، وعلى الرغم من زيادة الحكومة المصرية عدد الموظفين للتعامل مع طالبي الدخول وتمديد ساعات الخدمة، إلا أنه لا تزال هناك إشكالية كبيرة في التعامل مع قضية التأشيرات، في ظل تزايد الأعداد يوما بعد الآخر، ما يضطر الكثيرين لمحاولة الدخول بالطرق غير النظامية، حيث تشمل الموجات الأولى للنازحين في الأغلب الفئات الأكثر حظوظا وقدرة، إلا أن الموجات التالية تمتد ليشمل أغلبها الفئات الأضعف الذين لا يملك بعضهم ثمن تذكرة الحافلة، مع اتساع رقعة الصراعات والتهديدات على حياتهم. 

مع ذلك، يجد الكثير من السودانيين أنفسهم تحت خطر الإعادة إلى الجحيم الذي واجهوا الكثير من الأهوال للفرار منه بالفعل، فوفقا لوكالة الأنباء السودانية “سونا“، استقبل معبر أرقين الحدودي بوادي حلفا بالولاية الشمالية، بتاريخ 13 يونيو 2024، 721 من المرحلين السودانيين من مصر؛ بدعوى مخالفتهم الدخول بالطرق غير النظامية من السودان إلى مصر، وهم عشرات الأسر، من بينهم كبار سن وأطفال، إلى جانب شريحة من الشباب.
وأكد المركز أنه مع التأكيد على أهمية اتباع الإجراءات المطلوبة للتسجيل، فإن الترحيل القسري للاجئين وملتمسي اللجوء يعرضهم لمصير مخيف، حيث يدفع بهم للعودة إلى مناطق تشهد صراعات مسلحة وتشكل تهديدات جدية لحياتهم، ما يزيد من احتمالية تعرضهم للاضطهاد، والتعذيب، أو حتى الموت، كما من شأنه تعريض الفئات الأضعف كالنساء والأطفال لمخاطر إضافية، مثل الاتجار بالبشر والاستغلال، وهو ما يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان. 

ويزيد بطء عملية تحديد مفوضية اللاجئين أوضاع المتقدمين إحباط الكثير من ملتمسي اللجوء، حيث قد يستغرق الأمر شهورا، وحتى بمجرد الحصول على بطاقة طالب اللجوء “البطاقة الصفراء” التي تعد تصريح إقامة قابل للتجديد للحماية من الاحتجاز والترحيل، فإن تحديد موعد المرحلة التالية يستغرق وقتا طويلا قد يصل إلى عامين للحصول على البطاقة الزرقاء، وتحديد وضع اللاجئ، وعملية اللجوء بشكل عام، في الوقت الذي لا يتم إعطاء المتقدمين المرفوضين مبررات محددة لعدم قبولهم. 

يتزامن ذلك مع شكاوى عدد من ملتمسي اللجوء من صعوبة التواصل مع موظفي المفوضية، على أثر ذلك حاول المركز المصري الاتصال برقم الطواريء المنشور على موقعها الإليكتروني، ولم نحصل على أي استجابة. 

في الوقت ذاته، تشير المفوضية – وغيرها من المنظمات غير الحكومية المعنية بدعم اللاجئين – إلى معاناتها من إشكاليات نقص التمويل اللازم لتوفير المساعدات الضرورية والعاجلة للاجئين وملتمسي اللجوء، وعلى رأسها السكن والغذاء والصحة والتعليم، فضلا عن الدعم النفسي والاجتماعي. 

ومن الملاحظ أن مفوضية اللاجئين في مصر تمتلك مكتبين فقط، أحدهما في القاهرة الكبرى، والآخر مخصص للإسكندرية ومحافظات الوجه البحري، فضلا عن آخر  في منطقة الزمالك بمحافظة الجيزة مخصص حصرا لللاجئين السوريين، كما أن نقص عدد الموظفين المسؤولين عن تسجيل ملتمسي اللجوء لا يمكن عمليا من استيعاب أعداد المتقدمين بالطرق البيروقراطية التقليدية، ما يتطلب ضرورة إيجاد آليات مرنة للتعامل مع ملفاتهم بشكل عاجل، خاصة أن الأمر يتوقف عليه مصير عشرات الآلاف من ملتمسي اللجوء المهددين بالترحيل مع انتهاء المدة الأخيرة التي حددتها الحكومة لتوفيق أوضاعهم نهاية سبتمبر، بحسب المركز. 

وشدد المركز على أن جميع هذه الإشكاليات تستوجب تدخلا عاجلا من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في جنيف، ومكتبها في القاهرة، لمعالجة عراقيل تسجيل ملتمسي اللجوء، سواء بزيادة أعداد موظفيها المتعاملين مع ملفات المتقدمين، وإسباغ الحماية المؤقتة على السودانيين في مصر، على غرار ما حدث في وقت سابق مع ملتمسي اللجوء من سوريا والعراق، مع ما يستلزمه ذلك من آثار أبرزها توفير الدعم اللازم لتوفير حياة كريمة لهه. 

ومع استمرار عراقيل التسجيل وقلة عدد موظفي المفوضية المنوطين بالتعامل مع ملفات ملتمسي اللجوء، يضطر الكثيرون – من الفئات الأكثر ضعفا – إلى البقاء كزوار بتأشيرات “سياحة” تجدد دوريا، ما يحرمهم من حقوقهم المكفولة لهم بموجب القوانين والمعاهدات الدولية، وهو ما أكده عدد من ملتمسي اللجوء في شهادات للمركز المصري، الأمر الذي يدفع السلطات لإدراجهم في فئة المقيمين وليس اللاجئين أو النازحين أو المهاجرين المقيمين لأسباب إنسانية، الأمر الذي يتطلب تنسيقا من السلطات المختصة ومفوضية اللاجئين، لضمان منح الحماية المفروضة لموفقي أوضاعهم بأشكال مختلفة – يفهم منها أنهم مقيمين وليسوا لاجئين – نظرا لاستحالة تسجيلهم بالطرق المعلن عنها. 

ونظرا لصعوبة تسجيل أعداد غير موفقي الأوضاع في مصر حتى نهاية الفترة التي حددتها الحكومة نظرا لضيق الوقت وزيادة أعدادهم، فضلا عن دورة التسجيل وتقنين الوضع، ناشد المركز المصري السلطات المختصة تمديد المهلة بما يسمح استيعاب أعداد جميع ملتمسي اللجوء. 

وذكَّر المركز المصري أن التزامات الحكومة تجاه اللاجئين واضحة ومعترف بها على جميع المستويات، سواء على مستوى المعاهدات الدولية أو الدستور والقانون المصريين، أو أحكام القضاء المصري، حيث سبق للمركز الحصول على أول حكم من نوعه في شأن حماية اللاجئين، حيث أصدرت محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة بتاريخ يوليو 2010، حكما بوقف تنفيذ قرار ترحيل لاجيء سوداني إلى بلده، مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها إطلاق سراحه من سجن الترحيلات، واستمرار لجوئه إلى مصر، لمخالفة القرار  الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية اللاجئين.
ودعا المركز المصري السلطات المصرية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى تحمل مسؤولياتهما من خلال وضع آلية فعالة وسريعة لتيسير إجراءات تقنين أوضاع طالبي اللجوء. تشمل هذه الإجراءات تمديد المهلة الزمنية لتوفيق أوضاع اللاجئين، وتبسيط الإجراءات اللازمة للحصول على بطاقة الإقامة الذكية، وتحديث قاعدة بيانات اللاجئين بشكل دوري لضمان دقة المعلومات وسرعة الوصول إليها. كما يوصي المركز بمنح ملتمسي اللجوء السودانيين صفة “اللاجئ الظاهري/البديهي” أو الحماية المؤقتة وما يترتب على ذلك من آثار. 

وأكد المركز ضرورة التزام الجهات الأممية والدولية المانحة بمسؤولياتها من خلال زيادة التمويل المخصص للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين لتسريع تصفية الحالات المتراكمة، وتوفير الحماية اللازمة للوافدين الجدد، وتقديم الدعم اللازم لمصر لتتمكن من الوفاء بالتزاماتها في استضافة اللاجئين وتحسين ظروف إقامتهم، لاسيما في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد. 

وشدد على ضرورة التزام مصر بالتزاماتها الدولية والإنسانية، خاصة تلك المنصوص عليها في اتفاقية جنيف لعام 1951. تتضمن هذه الالتزامات ضمان عدم الإعادة القسرية للاجئين، وضمان حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء القانونية، بما في ذلك الحق في الاستئناف ضد قرارات الترحيل، والإعلان عن آليات لحماية حقوق اللاجئين ومنع انتهاكها. 

كما دعا إلى إنشاء وتفعيل خط ساخن لتلقي شكاوى اللاجئين وطالبي اللجوء بشأن الانتهاكات أو التمييز أو خطابات التحريض والكراهية ضدهم، وضمان الاستجابة السريعة والفعالة لهذه الشكاوى، واتخاذ ما يلزم من إجراءات أخرى لوقف هذه الممارسات المنتشرة في الفترة الأخيرة. كما يطالب بضمان وصول اللاجئين إلى الخدمات الأساسية لتوفير حياة كريمة لهم ولأسرهم.