حذر عدد من الخبراء الاقتصاديين من خطورة تحويل الدعم العيني إلى نقدي، خشية استخدام بعض أفراد تلك الأموال في الجرائم والانفاق على المخدرات، كما أشاروا إلى أن القيمة المالية للدعم النقدي ستقل أمام التضخم الذي يلتهم جيوب المصريين بشكل كبير وخطير.

وفي موازنة العام المالي القادم، الذي سيبدأ في الأول من يوليو، تعتزم الحكومة الاستمرار في التحول التدريجي إلى الدعم النقدي وشبه النقدي الذي يستهدف الفئات الأولى بالرعاية والمناطق الأكثر احتياجا”، وفقا لوزارة المالية.

وقال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية قبل أيام، إنه سيتم إجراء “حوار وطني جاد” لوضع تصور لكيفية التحول إلى الدعم النقدي.

أضاف: “الدولة مستعدة لتطبيق آلية الدعم النقدي في حال التوافق عليه ضمن حوار مجتمعي. والهدف هو استفادة المواطن طبقا لاحتياجاته وأولوياته”.

 ويأتي الحديث عن هذه الخطة بالتزامن مع إعلان مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، رفع سعر رغيف الخبز المدعوم لأول مرة منذ 3 عقود من خمسة قروش إلى 20 قرشا، اعتبارا الأول من يونيو، وهي خطوة تقول الحكومة إنها “ضرورية لتتناسب مع الزيادة الكبيرة في الأسعار”.

ويبلغ إجمالي الدعم في موازنة العام المالي الحالي، نحو 529.7 مليار جنيه (11.2 مليار دولار)، فيما يسجل في موازنة العام المالي المقبل، نحو 635.9 مليار جنيه (13.5 مليار دولار).

ويؤكد الخبراء على أن “هذه الخطوات تأتي جميعها في إطار ما تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي”، والذي يطالب مصر منذ البرنامج الأول للإصلاح الاقتصادي في العام 2016، بتحويل الدعم العيني إلى دعم نقدي.

واتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي، في مارس الماضي، على استئناف برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم التوافق بشأنه في ديسمبر 2022 وتعثر لعدة أشهر بسبب رفض السلطات تنفيذ بعض الإصلاحات المتفق عليها، وفي مقدمتها تحرير سعر الصرف.

وبموجب هذا البرنامج الذي يستمر حتى خريف 2026، رفع صندوق النقد الدولي تمويلاته إلى مصر من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات.

وفي أكثر من مناسبة، أكد صندوق النقد أن مصر مطالبة بتحويل الدعم العيني بما في ذلك دعم المحروقات والطاقة، إلى دعم نقدي من خلال التوسع في برامج شبكة الحماية الاجتماعية، مثل برنامج تكافل وكرامة، الذي تقدم الحكومة من خلاله مساعدات نقدية مشروطة لمساعدة الأسر الفقيرة والأكثر احتياجا.

لكن، هذه الخطوة يحذر منها خبراء اقتصاد خلال حديثهم مع موقع “الحرة”، حيث إنها إلى جانب ما قد تتسبب فيه من ضغوط تضخمية على الطبقات الفقيرة والتحديات التي ستواجهها نتيجة “الفساد”، “ستحدث أيضا خللا في المجتمع المصري”، وفق الخبير الاقتصادي، وائل النحاس.

ويقول النحاس لموقع “الحرة” إن “تطبيق الدعم النقدي قد يُحدث خللا في المجتمع المصري، حيث سيتجه بعض الأشخاص إلى استخدام هذه الأموال في مواضع لا تتعلق بالإعانة على الحياة اليومية من شراء السلع والخدمات”.

ويضيف: “قد يذهب بعض الأشخاص مقابل ما توفره الحكومة لهم من أموال نحو شراء المخدرات الرائجة ذات الأسعار المنخفضة، بدلا من شراء السلع والخدمات التي تحتاجها الأسرة، وهو الأمر الذي سينعكس على المجتمع وقد يزيد من معدلات الجريمة، في ظل مستوى الفقر المرتفع الذي يعيش فيه المصريون”.

وتتفق مع هذا الطرح، أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، عالية المهدي، والتي شاركت في دراسة ميدانية واسعة أجريت قبل نحو 18 عاما حول إمكانية تطبيق الدعم النقدي في مصر، حيث أظهرت رفض الأسر المصرية لهذا المقترح حينها.

وتقول المهدي في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة”: “قبل ثورة 2011، كانت الحكومة كانت تريد تطبيق منظومة دعم نقدي في مصر، وطالبوا بإجراء دراسة ميدانية شملت نحو 5 آلاف أسرة، شاركت في إعدادها، لكن النتائج كانت غير مرحبة بمثل هذه الخطوة”.

وتضيف: “الدراسة أظهرت أن 85 بالمئة من الأسر رفضت تطبيق الدعم النقدي بدلا من الدعم العيني، نظرا لتخوفات فيما يتعلق بإمكانية استغلال الأموال بشكل غير مقبول من قبل بعض أفراد الأسرة وفي مقدمتهم رب الأسرة. كما أبلغوا بأن الأموال عادة تتراجع قيمتها مع الوقت ومن الأفضل الحصول على السلع والخدمات المدعومة من الدولة”.

وتؤكد هذه الدراسة التي أجراها خبراء اقتصاد لصالح الحزب الوطني الحاكم حينها، قبل أن يتم حله بعد إسقاط الرئيس المصري، حسني مبارك، في ثورة شعبية عام 2011، على “الرفض الشعبي لمثل هذه الخطوة”، وفق المهدي، والتي تشير إلى أنه “إذا قامت الحكومة الحالية بذات الدراسة حاليا ستجد نفس النتائج”.

حسب بيانات موازنة العام المالي المقبل، التي نشرتها وزارة المالية، يمثل الدعم النقدي من إجمالي الدعم والمزايا الاجتماعية نسبة 6.3 بالمئة.
ويستفيد من برنامج تكافل وكرامة، الذي تنفذه الحكومة المصرية، منذ برنامجها السابق مع صندوق النقد قبل 8 أعوام، ما يزيد عن 5 ملايين أسرة، إذ تقدم الحكومة من خلاله مساعدات نقدية مشروطة لمساعدة الأسر الفقيرة والأكثر احتياجا، وفق ما تقول وزارة التضامن الاجتماعي.

ويقلل النحاس من “إمكانية أن يكون برنامج تكافل وكرامة مثال على نجاح منظومة الدعم النقدي في مصر”، إذ يقول إن “هذا البرنامج يعود إلى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وأعيد تسميته في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، كما هو الحال مع السيسي”.

ويضيف خلال حديثه: “الحكومة لم تقوم بتطوير برنامج دعم نقدي جديد، ما قامت به ما هو إلا تغيير لاسم منظومة قديمة قائمة منذ عدة عقود. وهذا البرنامج متوارث من الحكومة السابقة ولا يقدم أي جديد فيما يتعلق بالدعم النقدي، وعلى العكس من ذلك يقدم مبالغ متدنية تصل إلى 650 جنيها للأسرة شهريا (14 دولارا)”.

ويتابع النحاس: “أين الكرامة في هذا المبلغ الضئيل.. يجب ألا يقل هذا المبلغ في حال كانت الحكومة جادة عن 3 آلاف جنيه، وهو الحد الأدنى للمعيشة بالنسبة للطبقة الفقيرة”.

ومنذ 4 أعوام، لم تنشر السلطات المصرية بيانات الفقر، في الوقت الذي تشير فيه تقارير عدة إلى أن نحو ثلثي سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر أو فوقه بقليل.

وكان آخر تحديث نشره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لتقرير “بحث الدخل والإنفاق” في عام 2020، والذي أظهر تراجع نسبة الفقر إلى 29.7 بالمئة من أعلى مستوى في نحو 18 عاما عند 32.5 بالمئة والمسجل في عام 2018.

وحينها كان خط الفقر للفرد في مصر، وفق “بحث الدخل والإنفاق”، نحو 857 جنيها للفرد شهريا (55 دولارا بأسعار الصرف في نهاية 2020، و18 دولارا بأسعار الصرف الحالية).

بدورها، تقول المهدي إن “برنامج تكافل وكرامة لا يتيح للأسر أي دعم اجتماعي لمواجهة متطلبات الحياة على الرغم من الشروط التي تضعها الحكومة والمعايير لاختيار المستفيدين”.

وتضيف خلال حديثها: “تكافل وكرامة يتيح مبلغ صغير للأسرة، هذا المبلغ لا يكفي الأسر بطبيعة الحال أو شخص واحد حتى على مدار الشهر”.

إلى جانب ذلك، تؤكد تقارير محلية على “وجود بعض أشكال الفساد والمحسوبية في المحليات، تحول دون وصول الدعم إلى مستحقيه ضمن برنامج الدعم النقدي تكافل وكرامة”.

ونقلت صحيفة “الشروق” قبل عام تقريبا، عن عضو مجلس الشيوخ المصري، إيهاب الخراط، قوله إن “الفساد والمحسوبية في المحليات تحد من وصول دعم برنامج تكافل وكرامة إلى مستحقيه”.

 ويؤكد هذا أيضا، النحاس، والذي يقول خلال حديثه إن “الفساد مستشر في كل منظومة الدعم بما في ذلك الدعم العيني”.

لهذا يشير الخبير الاقتصادي إلى أن “الإقدام على خطوة الدعم النقدي دون القضاء على الفساد، سيزيد من انتشاره في ظل عدم وجود معايير محددة في الأساس لاختيار الأسر والمستحقين للدعم سواء النقدي أو العيني”.

ويضيف: “المعايير التي وضعتها الحكومة قبل سنوات بالنسبة لإلغاء الدعم للأسر غير المستحقة لم تكن واضحة تماما، حيث ألغت الدعم للكثير من الأسر التي تستحق ذلك. في المقابل إذا كان هناك معايير واضحة مثل استهلاك الكهرباء والسيارة والأصول العقارية، كان من الممكن أن يتم إلغاء الدعم لأغلب المصريين”.

ويتابع النحاس: ” بالتالي كان من الواجب وضع معايير حقيقية، وذلك بناء على تقييم للظروف والبيئة الاقتصادية المناسبة للمواطن المصري. ويجب أن نحدد اليوم من هو الشخص المقصود بـ ‘المحدود الداخل’، سواء كان هذا الشخص في القطاع الخاص ولديه دخل أقل من الموظفين الحكوميين، أو كان ضمن القوى العاملة التي تخضع لسلطة الدولة. وضوح المعايير في هذا الصدد أمر ضروري، حيث يجب ألا يقل دخل هؤلاء الأفراد الذين يستحقون الدعم عن الحد الأدنى المقبول”.