صار تفكك الأسرة علامةً بارزة من علامات المجتمع، وسِمة من سماته، وإن كان هذا نتيجة طبيعية للابتعاد عن الله- عز وجل، ولما آل إليه المجتمع من تفشي الظلم.

وكثيرٌ من الأسر متفككة من الداخل، وإن بدا لك من الخارج أنّ بيتًا يضمهم، لكن كلًّ واحدٍ منهم يعيش في عالمه الخاص، كل واحدٍ منهم له همومه الخاصة، ومشاغله ومشكلاته التي لا يُشارك فيها أحد، لا يشعر بالتزام نحو الآخرين، ولا أنه ملزمٌ بشيء تجاه أحد، هذا لا يكلم هذا إلا لطلب شيء أو إملاء أمر، والأمثلة على تحطم الأسر وانهيارها في المجتمع كثيرة.

أسباب تفكك الأسرة

كان الزواج في الماضي- القريب- حلم يعيش عليه الشباب والبنات، فالكل يحلم أن ينعم عليه الله- سبحانه وتعالى- بهذه النعمة الجليلة، التي من أجلها يبذل كل جهد لتجهيز سُبُل الزواج، كما تبذل الفتاة كل جهد للحفاظ على بيتها الجديد، وكانت تنطلق عبارات (بدأنا حياتا من الصفر.. بنينا بيتنا معًا.. زوجي أغلى من المال).

لقد كانت حالات الطلاق مسألة استثنائية مقرونة بكونها أبغض الحلال، لكن التحولات الاجتماعية هدمت الطبقة الوسطى، وثقافتها الحميدة.

إن الأحداث والأوضاع التي حدثت وتحدث في المجتمعات العربية والإسلامية، أصبحت تُشكل أسبابًا قويّة لانهيار الأسر، في ظل غياب التربية الأخلاقية، وانعدام الرحمة والمودة.

وأسباب زيادة تفكك الأسرة ونسبة الطلاق المتزايدة وانهيار القيم الزوجية، وامتلاء المحاكم بقضايا الخُلع كثيرة متشعبة ومتشابكة، لعل أهمها:

عدم إدراك القيمة الحقيقية من الزواج وأهميته، حيث أصبح كل واحد منهم يظن الزواج هو قضاء حاجته الجسدية فحسب، وغاب عنهم أنّ الزواج هو أحد الجوانب القوية لتنشئة أجيال قادرة صالحة.
انهيار منظومة السّكن والمودة التي وصفها الله تعالى بقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} (الروم: 21)، فأصبح كل طرف منهما يجد راحته مع الآخرين وبعيدًا عن البيت.
ضعف قيمة القوامة، التي كانت بمثابة رمانة الميزان في البيت، حيث كانت الكلمة الأولى للزوج، لكن بعد أن خرجت المرأة للعمل وأصبحت تنفق على البيت من حر مالها؛ ضاعت قوامة الرجل.
غزو الشاشة الصماء وانصراف كل واحد منهما إلى خصوصيته الافتراضية، وصداقات وهمية، وبعد أن كان كلا الطرفين يُفضي للآخر على وسادة بما يحزنه وما يعتريه من هموم، أصبحت ترى الزوج والزوجة كلا منهما مشغول بهاتفه وصفحاته.
الفتور العاطفي، وانتشار الإباحية، وانحطاط القيم، وذوبان الفوارق بين الرجال والنساء ما سهّل انتشارها، فأصبحت الحياة الزوجية في نظرهم مُملّة وروتينية.
انهيار المنظومة الأخلاقية للعائلة، حيث زاد تسلط أهل الزوج وأهل الزوجة، فأصبحوا عوامل سريعة الاشتعال بين الزوج وزوجته، وقد وصفها رب العزة بقوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (النساء: 35).
النرجسية أو الأنانية التي ربما تصيب أحد الزوجين أو كلاهما، فتصبح كل حياتهما البحث عن نفسه وذاته فحسب دون النظر للآخر- الذي ربما تحَّمَل معه الكثير.
الغضب والانفعال السريع الذي أصاب الجميع- وعوامله كثيرة ومتعددة- دون الوقوف على أوامر الشريعة والسنة النبوية بعدم الغضب، وكظم الغيظ، والعفو عند المقدرة، والإحسان للطرف الآخر.

آثار ظاهرة تفكك الأسرة على الأبناء والمجتمع
إن ظاهرة تفكك الأسرة لها آثار سلبية على الأبناء والمجتمع، فبالنسبة للأبناء يصبحون هُم الضحية مع عدم استطاعتهم نجدة أنفسهم بسبب والديهم، هذا بالإضافة إلى:

فقدان الشعور بالأمان والاستقرار.
دخول دوامة القلق والاضطراب، بسبب غياب الأب والأم.
ظهور العدائية لدى الكثير من الأبناء.
شعور الطفل بالنبذ داخل أسرته، ما يُؤثر عليه بالسلب، حيث تضطرب حياته، ويهمل في دراسته، فيمكن التأثير عليه واستغلاله بسهولة.
الشعور بانعدام الثقة بالنفس، فيصبح الطفل حسّاسًا بشكل مُفرط، ويكون انطوائيًّا وأنانيًّا في تصرفاته.
يفقد الطفل الشعور بالمسؤولية، ويتولد لديه شعور بالنقص، فيحقد على مَن حوله، خصوصًا مَن يراهم لديهم أسرة وأب وأم يهتمون بهم.
تشرد الأطفال حسب إحدى الدراسات سببه الأساسي التفكك الأسري.
قد يصبح الحرام حلالًا، نتيجة هذه الظاهرة، فبسبب غياب دور الرقابة من الوالدين قد يحاول بعض الأبناء تحقيق ما يُريدونه بطرق غير مشروعة ومحرمة.
وبالنسبة للمجتمع، فإنّ هذه الظاهرة تُحدث فيه خللًا في القيم الأخلاقية الموجودة في المجتمع وأفراده.



وتُؤثر على ما نعرفه من مفاهيم ومعاملات بين الأفراد، كمساعدة الآخرين، والتعاون بين الناس، والمسامحة على الأخطاء، والمودة والرحمة في التعامل.
ظهور الأمراض النفسية وعلى رأسها الإحباط، نظرًا لأن المجتمع لم يستطع مواجهة الظروف التي أدت إلى تفكك أسرته.
كيف ننقذ الأسرة والمجتمع من التفكك؟
لا بُد من بحث جميع الأطراف عن علاج ناجع لمشكلة تفكك الأسرة وما يترتب عليها من آثار نفسية سيئة على الأبناء، ومن المهم ألا يقتصر العلاج على النواحي الاقتصادية أو الاجتماعية، إذ من الضروري أن يراعي الجوانب التربوية الإسلامية، والمنظومة الأخلاقية، ومن العوامل التي تحافظ على استقامة الأسر، والحفاظ على الحياة الزوجية:

تعميق وترسيخ الروح الإسلامية في وجدان كل فرد من أفراد الأسرة، حيث إن هذه الروح تُولّد الخشية والخوف من الله، وتعمل على صهر القلوب بالتقوى، فيتحقق وصف الحسن البصري: “زوج ابنتك ممن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها”.
البحث عن الزوج والزوجة أصحاب الدين، الذي حثّ الرسول- صلى الله عليه وسلم- الأمة التمساها والتمسك بها: “فاظفر بذات الدين تربت يداك” (رواه مسلم).
تربية الأولاد على معاني الرجولة الحقيقية وتحمل المسؤولية، وتربية الولد والبنت تربية جديدة وجادة تواكب مستجدات العصر، وعدم الاتكال على المرأة لقضاء متطلبات الأسرة، وبخاصة في ظل تواجد كثير من الشباب المهزوزين، غير القادرين على مقابلة صعوبات الحياة، والتخويف من مصير مجهول للأولاد في حالة انهيار الأسرة.
تعهد الزّوج والزوجة بالنصائح التربوية، وعلاج الآفات التي تظهر في السلوكيات، والعمل على الصلح بينهما بالحسنى من ذوى القلوب الصافية، كما يجب على الزوجين الجلوس مع بعضهما والتحدث؛ للتغلب على المشاعر السلبية.
تعرف الزوجين على أنماط الشخصية التي ربما تختلف بين الطرفين، حتى يسهل لهما التعامل وَفق شخصية الآخر فيما يحب وفيما يكره.
من الأسباب المهمة والتربوية هو سؤال الزوج عن زوجته والعكس، حتى تتكون له- أو لها- رؤية كاملة عن الشخصية وظروفه وأخلاقه وأهله ووضعهم وظروفهم المادية. يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم” ( ابن ماجة في السنن).
تبادل الأحاديث والتواصل بين الزوجين؛ للوصول إلى تفاهم أو رأي يلائم كل طرف لإنهاء الخلافات.
على الزوجين تلبية الاحتياجات والمتطلبات الأساسية والتخلي عن الأشياء الأخرى غير المهمة، حتى تتحسن الأوضاع وتحل المشكلات المالية التي تُؤدي إلى دمار الأسرة.
ولا بُد من تأجيل فكرة الطلاق أو الانفصال وجعله من القرارات التي تأتي بعد نفاد جميع المحاولات.
إنّ الأسرة هي أهم نظام اجتماعي متكامل؛ لأنها الوسط الذي ينشأ فيه الطفل ويتلقى فيه المبادئ والقيم الاجتماعية ودروس الحياة، لكن الملاحظ اليوم هو أن معظم الأسر بصفة عامة تعرضت لأزمات عديدة، نتيجة تطورات وتغيرات اجتماعية، وتعد ظاهرة تفكك الأسرة إحدى أهم المشكلات التي تُعاني منها المجتمعات.

والتصدع الأسري الذي يشير إلى الفشل في الدور التربوي الرئيسي للأسرة، يمكن الوقاية منه أو علاجه باللجوء إلى التربية التي تضبط شخصية كل فرد بصورة مستمرة وتُوجّهه وَفق متطلبات الحياة، وبالتالي نحمي الوحدة الأسرية من الانحلال والدمار.