قدر الجيش الإسرائيلي أنه يحتاج إلى عدة أسابيع لإنهاء عمليته العسكرية بمدينة رفح، لكن المعارك على أرض الواقع تفرض أسئلة حول مستقبل القتال في قطاع غزة في حالة أعلنت تل أبيب انتهاء عمليتها في رفح المستمرة منذ أكثر من 40 يومًا.

العديد من الخبراء الإسرائيليين يشككون بواقعية ما أعلنه الجيش حول قرب انتهاء العملية العسكرية، انطلاقًا من وعد أطلقه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن العملية في رفح ستحقق ما أسماه "النصر المطلق".

ورغم تحذيرات دولية من تداعيات تلك العملية، أعلنت إسرائيل في 6 مايو الماضي بدء الهجوم على رفح التي كانت تكتظ بالنازحين، وفقًا لـ"الأناضول".

والاثنين الماضي، ادعى الجيش الإسرائيلي أنه سيطر عملياتيًا على 70 بالمئة منها، تزامنًا مع إقراره بخسائر في صفوف جنوده، وخوضه اشتباكات عنيفة مع مقاتلين فلسطينيين.

غير أن المحلل العسكري الإسرائيلي بصحيفة "هآرتس" العبرية، عاموس هارئيل، رأى في مقال الثلاثاء، أن عملية رفح "تتركز حتى الآن على ممر فيلادلفيا على طول الحدود المصرية والذي تم الاستيلاء عليه بالكامل وعلى عدد من أحياء رفح"، على حد قوله.

 

حدود العملية في رفح

واعتبر هارئيل أنه بعد نحو شهر ونصف من العمليات في رفح "لا يزال الحظر الأمريكي على دخول قوات الجيش الإسرائيلي إلى وسط مدينة رفح قائمًا"، وهو ما برر به رؤيته بأن العمليات "لا تزال محصورة" بنطاق ممر فيلادلفيا.

لكنه في المقابل، قال: "من الصعب أن نشرح للجمهور لماذا يُقتل الجنود في رفح، وما الهدف الذي يتجاوز النصر الشامل نفسه الذي ما زال رئيس الوزراء يصر على الحديث عنه دون أي صلة بالواقع".

وأشار إلى أن التعاون الأمني بشكل عام بين إسرائيل وعدد من شركائها ​​"آخذ في التراجع"، مبينًا أن ذلك التعاون "ليس فقط مع الأمريكيين".

وأوضح أن "استيلاء إسرائيل على معبر رفح الحدودي يثير غضب مصر، ومن الصعب في الوقت الحالي إيجاد ترتيب يضمن نقله إلى طرف آخر دون تعريض قوات الجيش الإسرائيلي للهجوم في الممر الضيق لعدة أشهر".

وفي 7 يونيو الجاري أعلن الجيش الإسرائيلي أنه أكمل سيطرته على محور فيلادلفيا (صلاح الدين)، ليعزل بذلك قطاع غزة بشكل كامل عن الأراضي المصرية.

ومحور فيلادلفيا أو محور صلاح الدين، هو شريط حدودي بين مصر وقطاع غزة يمتد داخل القطاع بعرض مئات الأمتار وطول 14.5 كيلومترًا من معبر "كرم أبو سالم" وحتى البحر المتوسط.

وهذا المحور جزء من المنطقة الحدودية التي تقع ضمن الأراضي الفلسطينية وتخضع للسيطرة الإسرائيلية بموجب اتفاقية "كامب ديفيد" للسلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979.

لكن وضع هذا المحور تعدل بموجب "اتفاق فيلادلفيا"، الذي وقعته إسرائيل مع مصر في سبتمبر 2005، بعد انسحابها من قطاع غزة.

 

الترويج لإنجازات في رفح

مع انتشار خبر مقتل 8 جنود، السبت، داخل ناقلة جند مدرعة من طراز "نمر" في رفح، حاول الجيش الإسرائيلي إظهار ما قال إنها إنجازاته.

وفي هذا الشأن، أبرزت هآرتس "تعميم" الجيش الإسرائيلي على وسائل الإعلام أنه "تمكن من السيطرة الميدانية الكاملة على ما يتراوح بين 60 بالمئة و70 بالمئة من رفح. بما في ذلك معبر رفح ومحور فيلادلفيا وأحياء أخرى في عمق المنطقة".

وقالت هيئة البث العبرية، الاثنين: "يقدر الجيش الإسرائيلي نهاية العملية في رفح في غضون أسابيع قليلة وينتظر تعليمات من المستوى السياسي".

كما نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الثلاثاء، عن عضو بارز في فريق التفاوض الإسرائيلي الذي يحاول التوصل إلى اتفاق بتبادل الأسرى، لم تسمه، إن الحرب "لن تنتهي بعد الهجوم على رفح".

وأضاف: "إسرائيل ستواصل حملتها العسكرية القوية والفعالة، هناك المزيد من العمليات التي أعدها الجيش وستبقى إسرائيل في غزة".

واستدرك بأن "وقف الحرب سيحدد مصير الرهائن، وبالتالي فإن وقف القتال وانسحاب القوات من القطاع لا يمكن أن يأتي إلا من خلال المفاوضات وبعد وضع آليات لضمان الالتزام بالاتفاق".

 

ادعاءات إسرائيلية

وفي السياق، استند المسؤول الإسرائيلي خلال حديثه لـ"يديعوت أحرونوت" على بعض الادعاءت التي تستند عليها تل أبيب لاستمرار عملياتها في غزة.

وزعم قائلًا: "رأت إسرائيل في اتفاق وقف إطلاق النار الأخير وخلال العقد الماضي، مع الرهائن الآخرين، أن حماس لا تفي بالتزاماتها"، مدعيًا أن تل أبيب تحتاج "أن تجد ضمانًا لامتثال حماس" لمثل هذه الاتفاقات.

وأردف: "يجب أن يكون لدينا يقين واضح بأن حماس لن تغير شروط الصفقة مع تقدمها"، مدعيًا أن إسرائيل "لن تتفاوض إلا على الاقتراح كما قدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة".

وتابع: "لا يمكن لأحد تغييره، ولن تتم مناقشة أي مخطط آخر غير الذي وافق عليه مجلس الأمن الدولي" معتبرًا أن "رد حماس على المخطط المقترح من قبل بايدن كان بمثابة رفض له".

وتأتي هذه الادعاءات رغم تأكيد رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، الأحد، جدية حركته وبقية "فصائل المقاومة" لإبرام اتفاق مع إسرائيل يتضمن 4 بنود هي وقف إطلاق النار الدائم، والانسحاب الشامل من قطاع غزة، والإعمار، وتبادل للأسرى.

وجاء ذلك بعد أيام من اتهامات أمريكية رسمية لحماس بالابتعاد عن المقترح الذي قدمه بايدن نهاية مايو الماضي.

 

الحرب مستمرة

ومن جهتها رجحت القناة "12" العبرية أنه "بصرف النظر عن الأهداف المتبقية للجيش الإسرائيلي في رفح، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي الخطط للاستمرار في قطاع غزة".

ورأت أنه وفق تقديرات الجيش بأنه من المتوقع انتهاء العملية في رفح في غضون أسابيع قليلة، إلا أنه الأمر سيتمثل في "الانتقال من المرحلة الثانية من الحرب إلى المرحلة الثالثة".

وقالت إن الوضع سيتضمن "الانتقال من القتال العنيف إلى الغارات المستهدفة"، مبينة أنه بالفعل يتم "تنفيذ هذه الغارات وسط قطاع غزة، كما هو الحال في مخيم النصيرات للاجئين، حيث لا يزال مسلحو حماس يختبئون"، وفق تعبيرها.

ولفتت القناة إلى أن الجيش الإسرائيلي سيحاول "أن يجعل من صفقة التبادل (وفق مقترح بايدن) نهاية لعمليته في رفح، وأن يجعل من الانسحاب من رفح ورقة لصالح تل أبيب".

وفي هذا السياق، نقل "واللا" الإخباري الإسرائيلي عن ضابط الاحتياط حنان شاي قوله إن "الجيش يعمل في ضوء مفهوم يركز على تقييم الحالة الذهنية للعدو".

وقال شاي إنه "رغم الإنجازات على المستوى التكتيكي، على المستوى العملياتي، فإن حماس لم تردع ولم تهزم، وبالتالي لم تستسلم".

وتوقع شاي أن "الجيش الإسرائيلي لن ينتصر في المعركة ولن يسمح بتحقيق هدف إسرائيل السياسي: إزالة التهديد من أجل عودة الحياة المدنية في النقب الغربي وجنوب ووسط النقب إلى مسارها" أي جنوب إسرائيل وغلاف قطاع غزة.

ومنذ 7 أكتوبر الماضي تشن إسرائيل حربًا مدمرة على غزة بدعم أمريكي مطلق، خلفت أكثر من 122 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، ما أدخل تل أبيب في عزلة دولية وتسبب بملاحقتها قضائيًا أمام محكمة العدل الدولية.

وأعلنت وزارة الصحة بقطاع غزة، الأربعاء، رابع أيام عيد الأضحى المبارك، ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين جراء الحرب التي تشنها إسرائيل منذ 7 أكتوبر إلى "37 ألفًا و396 شهيدًا و85 ألفًا و523 إصابة".

وتواصل إسرائيل حربها رغم قرارين من مجلس الأمن الدولي بوقفها فورًا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح رفح، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال "إبادة جماعية"، وتحسين الوضع الإنساني المزري في غزة.

وللعام الـ18، تحاصر إسرائيل قطاع غزة، وأجبرت حربها نحو مليونين من سكانه، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع كارثية، مع شح شديد في الغذاء والماء والدواء.