شهدت محافظات أسوان والجيزة والمنيا وأسيوط والقليوبية احتجاجات لموظفي تحصيل فواتير المياه وقراءة العدادات، العاملين بعقود مؤقتة ونظام العمولة.

بدأت الاحتجاجات في أبريل الماضي، ومطلبها الرئيسي هو «التثبيت» الوظيفي بدلًا من العمل المؤقت، إضافة إلى مطلب الحقوق التأمينية، وحصولهم على أجور ملائمة. بالتزامن مع ذلك جاء توجيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، خلال كلمته في عيد العمال، أول مايو الماضي، بسرعة الانتهاء من مناقشة مشروع قانون العمل الجديد، وعرضه على مجلس النواب تمهيدًا لإصداره.

أبرز احتجاجات موظفي شركة المياه كان اعتصام محصلي أسوان، والذي بدأ في 19 مايو الماضي، واستمر لعشرة أيام. أحد المحصلين المشاركين في الاعتصام، قال مشترطًا عدم ذكر اسمه، إن ضابطًا من الأمن الوطني حضر إلى الاعتصام وطلب من المحصلين إنهاء اعتصامهم، مع وعود بالتوصل إلى حل لتنفيذ لمطالبهم. اعتصام المحصلين من عدة قطاعات بأسوان، في مقر الشركة بمنطقة مرشح مياه أسوان «فريال»، سبقه امتناعهم عن التحصيل وقراءة العدادات لنحو أسبوعين، بعد تنظيم العديد من الوقفات الاحتجاجية، كان آخرها في 17 أبريل الماضي، سبقها تقديم شكاوى إلى رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الإسكان، دون رد.

تفتح احتجاجات محصلي المياه الباب لنقاش أوسع حول وضع العمالة المؤقتة في مصر، خصوصًا وأن طرق الالتفاف حول حقوقهم تتنوع كثيرًا في ظل الوضع الحالي، وأن قانونًا جديدًا للعمل يتم مناقشته الآن.

لا يتقاضى محصل أسوان أجرًا ثابتًا عن عمله بالتحصيل وقراءة العدادات، ويحصل على نسبة 5% عمولة، وإذا لم يحقق نسبة تحصيل 65% من عهدة الفواتير المُسلّمة إليه لا يحق له الحصول على أي راتب حسب نص العقد المؤقت. يضيف العامل أن الشركة لا تقوم بإعطائه أجرًا نظير قراءة العدادات. وعلى الرغم من أن العقد يجمع بين تحصيل الفواتير والقراءة، فإن عمولته ترتبط فقط بنسبة التحصيل.

تتراوح الأجور بين 2600-3000 جنيه وفقًا للمحصل، الذي يعمل في الشركة منذ حوالي ثمان سنوات، بعقد مؤقت يجدد سنويًا. مطلبه الرئيسي وزملائه هو التثبيت والتمتع بالأمان الوظيفي، حيث يتخوف المحصلون من فصلهم من جانب الشركة في أي وقت لأنهم عمالة مؤقتة، فضلًا عن مطلبهم بالتمتع بحقوقهم التأمينية.

مطالب المحصلين قوبلت من الشركة بالتجاهل والترهيب والفصل. في أسوان، أعلنت الصفحة الرسمية لشركة مياه الشرب والصرف الصحي عن حاجتها إلى وكلاء تحصيل عن الشركة، قبل يوم واحد من تعليق المحصلين لاعتصامهم، وهو ما اعتبره المحصلين تهديدًا لهم بإنهاء التعاقد معهم، ومحاولة للضغط عليهم لفض الاعتصام. وفي المنيا التي شهدت وقفات احتجاجية بنفس المطالب، أنهت شركة مياه الشرب تعاقد خمسة موظفين في فروع مختلفة من الشركة، واتهمتهم بإنشاء جروبات على مواقع التواصل الاجتماعي لتحريض زملائهم على عدم توريد التحصيل في المواعيد المحددة، وفي الجيزة، استدعى الأمن الوطني عددًا من العمال لسؤالهم عن المسؤول عن جروب «محصلين العمولة بالجيزة» قبل أن يفرج عنهم لاحقًا. ويرفض المحصلون في مياه الشرب بالجيزة التوقيع على عقد جديد بالوكالة (أي أن المحصل يعتبر وكيلًا للشركة)، طرحته مياه الشرب عليهم، على عكس السابق حين كانن عقودهم تُجدد تلقائيًا.

من المفترض أن يراعي مشروع قانون العمل الجديد التوازن في علاقات العمل وجذب الاستثمار خلال مناقشته من جانب المجلس الأعلى للحوار الاجتماعي، وأن يُعالج القصور الوارد بقانون العمل الحالي رقم 12 لسنة 2003، بحسب بيان صادر عن وزارة العمل. أحد أبرز أوجه القصور في القانون القديم هي المشاكل المتعلقة بالعقود المؤقتة.

مشروع القانون الجديد الذي طرحته حكومة إبراهيم محلب في عام 2014، مر بمراحل عديدة عبر سنوات من المناقشات والتعديلات والجدل، وصولًا إلى نسخته الأخيرة، والتي أقرها مجلس الشيوخ في فبراير 2022، والمكونة من خمسة كتب تتضمن 267 مادة. في الباب الثاني من الكتاب الثاني لمشروع القانون، والذي يشمل المواد من 30 حتى المادة 68، يتناول الفصل الأول (التشغيل) إنشاء مجلس أعلى للتخطيط وتشغيل العمالة في الداخل والخارج. يتولى مجلس التخطيط وضع القواعد والإجراءات اللازمة للتشغيل من واقع احتياجات سوق العمل، ورسم السياسة العامة للتشغيل (مادة 30)، مع إنشاء صندوق للعمالة غير المنتظمة تكون له الشخصية الاعتبارية العامة ويتبع الوزير المختص ويحدد اختصاصاته ونظام العمل به (مادة 31).

منسق تحالف أمانات عمال الأحزاب والنقابات، محب عبود، قال إن المادتين 30 و31 من مشروع القانون أهدرتا حقوق العمالة غير المنتظمة ما بين مجلس التخطيط والوزارة. ففي حين تنص المادة 30 على أن المجلس الأعلى للتخطيط هو المسؤول عن وضع السياسات العامة للتشغيل، إلّا أن المادة 31 تتراجع عن ذلك لتضع الأمر كله بيد الوزارة المختصة.
عقود العمل المؤقتة تناولها الكتاب الثالث لمشروع قانون العمل الجديد في الفصل  الأول تحت عنوان (العقد الفردي). ينص مشروع القانون أن الأصل هو أن يبرم عقد العمل لمدة غير محددة، إلا أنه أجاز أن يكون عقد العمل بمدة محددة يجوز الاتفاق على تجديدها لمدد أخرى مماثلة. واعتبر عقد العمل غير محدد المدة منذ إبرامه، في عدة حالات من ضمنها أن يتفق الطرفان على أن عقد العمل المبرم لمدة محددة يتم تجديده لمدة تزيد في مجموعها على ست سنوات، أو إذا كان مبرمًا لمدة محددة واستمر الطرفان في تنفيذه بعد انتهاء هذه المدة دون اتفاق مكتوب (المادتين 70، 71). 

في يناير 2023، أصدرت المبادرة المصرية  للحقوق الشخصية ملاحظات حول القانون تحت عنوان «ما العمل في قانون العمل؟». وطالبت المبادرة بإعادة صياغة المادتين 70 و71 من التعديلات المتعلقة بعقد العمل الفردي، حيث تشير المادتان في مشروع القانون إلى تحول عقد العمل الفردي إلى عقد دائم، إذا كان العقد لمدة محددة واستمر الطرفان في تنفيذه بعد إنتهاء المدة، حتى وإن كان ذلك بدون اتفاق مكتوب. ولكن المادتين تشيران أيضًا إلى اشتراط مرور ست سنوات على الأقل من التجديد السنوي لعقد العمل الفردي،

حتى يصبح عقدًا دائمًا. وهو ما اعتبرته «المبادرة» تناقضًا والتباسًا يسمح بفصل العمال تعسفيًا، ويعيد إنتاج عيوب قانون العمل الحالي. واقترحت «المبادرة» أن يتم تفصيل حالات العقد محدد المدة كالأعمال الموسمية التي ينتهي عقدها بانتهاء مهمة العمل المتفق عليها.

وفي اقتراحها لتعديل المادة 71، طالبت «المبادرة» بالرجوع إلى تعريف العمل المؤقت في المشروع المقدم من وزارة القوى العاملة في 2016، بنصه أن «يُبرم عقد العمل الفردي لمدة غير محددة، ويجوز إبرامه لمدة محددة في حالة القيام بأعمال موسمية أو أنشطة أخرى لا يمكن بحكم طبيعتها أو بحكم العرف، اللجوء فيها ابتداءً إلى عقود غير محددة المدة».

الالتباس في تحديد الأطر المنظمة لعقد العمل الفردي يفتح بابًا واسعًا لعمل شركات وكالات التشغيل الخاصة. وهي الشركات التي تقوم بالوساطة بين طرفي علاقة العمل بتقديم الخدمات المتعلقة بالبحث عن العمل أو بتوفير العمالة لأصحاب العمل. وعلى الرغم من أن قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 قيد عمل هذه الشركات، إلّا أنها تحايلت على القانون بتسجيل نفسها تحت مسمى «شركات خدمات عامة»، تقدم خدمات للشركات لكنها عمليًا شركات مقاولين لتوريد العمالة. مشروع القانون الجديد قنّن عمل هذه الشركات بنصه صراحة على جواز مزاولة عملية التشغيل في الداخل والخارج عن طريق وكالات التشغيل الخاصة مع تيسير إجراءات حصولها على التراخيص اللازمة.

يرى عبود أن مشروع قانون العمل الجديد يفتح بابًا خلفيًا لتحلل مؤسسات الدولة والشركات من أي التزامات تجاه العمال عن طريق تقنين وضع شركات توظيف العمالة غير المنتظمة، حيث ينص الفصل الثاني من نفس الكتاب على جواز مزاولة عملية التشغيل في الداخل عن طريق وكالات التشغيل الخاصة. يشير عبود إلى أنه بالمقارنة بأوضاع محصلي وقارئي العدادات في شركة مياه الشرب، فإن الشركة تلعب دور شركات توظيف العمالة، فضلًا عن أن وظيفة التحصيل في الأصل هي من صلب عمل شركة المياه، ولا يجوز بالتالي توظيف المحصلين بعقود مؤقتة في شركة المياه، معتبرًا أن الدولة تستغل أزمة البطالة لتشغيل العمال بثمن بخس في ظل عدم تواجد جهة تدافع عنهم. طبقًا له، فإن هذا يفتح الباب على مصراعيه لاستغلال العمال عن طريق وكالات التشغيل الخاصة، لجذب المستثمر بتواجد عمالة رخيصة سواء كان ذلك في شركة المياه وغيرها، في حين أن الدولة لا تعطي للعمال حقوقهم.

تقنين أوضاع وكالات التشغيل الخاصة في مشروع القانون الجديد شمل أيضًا وضع ضوابط لعملها شريطة حصولها على ترخيص، وعقوبات تصل إلى إلغاء الترخيص حال ارتكابها أي من المخالفات للقوانين المنظمة لعملها، ومن بينها تقاضي مبالغ مالية من العمال بخلاف نسبة لا تتجاوز 2% من أجر العامل الذي يلتحق بالعمل من خلال وكالة التشغيل، وذلك عن السنة الأولى فقط من عمله.

تحالف أمانات عمال الأحزاب والنقابات يرى أنه بغض النظر عن الخلل الذي لم يعالجه مشروع قانون العمل الجديد فيما يتعلق بوكالات التشغيل الخاصة، إلّا أنه يجب أن تكون علاقة العمل التي تمت من خلال وسيط مقتصرة فقط على طرفين هما العامل وصاحب العمل، وما يترتب على ذلك من التزامات لكلا الطرفين دون تدخل من الوسيط (وكالات التشغيل).

المحامي العمالي ياسر سعد، قال إن مشروع قانون العمل الجديد يحمل نفس مشكلة القانون الحالي، فيما يتعلق بالعمالة المؤقتة في ظل عدم وجود ما يضمن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، وإن تضمنتها بعض مواد القانون، فلا توجد محاسبة لشركات توظيف العمالة المؤقتة في حالة انتهاكها لحقوق العمال لأن مكتب العمل بالتأمينات يتعامل مع العمال عن طريق شركة التوظيف، مما يضطر العامل إلى الدخول في صراعات منها أن يلجأ إلى المحكمة.
من جانبه، يرى أحد محصلي مياه الشرب بالجيزة أن طرح الشركة لعقود عمل جديدة ، على الرغم من أن عقودهم كانت تجدد تلقائيًا منذ نحو عشر سنوات، يعد تمهيدًا لتشغيلهم عن طريق شركات توظيف العمالة والتفاف من الشركة على مطالبهم بالتثبيت.

اللافت أن نص المادتين 70 و71 في مشروع قانون العمل الجديد، رغم ما يحملانه من ملاحظات ، إلا أن المادتين قد تفسران سبب عقد الوكالة الجديد في مياه الشرب بالجيزة، وإعلان الوظائف الذي طرحته مياه أسوان بطلب وكلاء جدد. هؤلاء المحصلين تتراوح مدد تعاقدهم مع مياه الشرب ما بين ثماني إلى عشر سنوات، وبهذا يستحقون التثبيت لتجاوز مدة العقد ست سنوات، إذا خرجت المادتين هكذا دون تعديلات.

لكن مشروع القانون يلتف أيضًا على هذا الاستحقاق، وعلى عقود العمل الدائمة بصورة أشمل، حيث تنص المادة 133 من الفصل السادس الخاص بانتهاء علاقة العمل الفردية، على أنه حتى إذا كان عقد العمل غير محدد المدة (دائم)، يجوز لأي من طرفيه إنهاؤه شريطة أن يخطر الطرف الآخر كتابة قبل إنهاء العقد بثلاثة أشهر.

***
في ورقة بعنوان «الطريق نحو قانون عمل أقل ظلمًا» أعدها تحالف أمانات عمال الأحزاب والنقابات، ضمن مقترحات بتعديلات في مشروع القانون، طالب التحالف بحذف المادة 133 التي تعصف بالأمان الوظيفي، ووصفها بالكارثية.

تفرض الحكومة تعتيمًا على المناقشات الجارية على قانون العمل، وتقتصر التصريحات حول التوجهات العامة لفلسفة مشروع القانون. هشام فؤاد، رئيس النقابة العامة للعاملين بالمرافق، وهي النقابة التي تتبعها شركة مياه الشرب والصرف الصحي، يرى في تصريحات لموقع اليوم السابع، أن توجيهات عبد الفتاح السيسي بسرعة إصدار قانون العمل سيحقق حماية حقيقية للعمال، بالحفاظ على مكتسباتهم ومعالجة سلبيات قانون العمل الحالي، نحو قانون يحقق الأمان الوظيفي.

في حين يرى محب عبود، منسق تحالف أمانات عمال الأحزاب والنقابات، أن حضور الاتحاد العام لنقابات عمال مصر كممثل عن العمال لمناقشة مشروع قانون العمل الجديد، يعني أن الحكومة تناقش نفسها «مرة لابسة بدلة المسؤولين ومرة لابسة أفارول العامل».

ما بين الاحتجاج والاعتصام، والتراجع أحيانًا على أمل تحقيق مطلبهم بالتثبيت، هل يحقق مشروع قانون العمل الجديد، الأمان الوظيفي وتثبيت محصلي الفواتير وقارئي العدادات بمياه الشرب؟ هل تحل الوعود الأمنية محل مناقشة العمال في قانون يرتبط بالأساس بالعمال أنفسهم؟