بعد إعلان وزارة الخارجية المصرية، أواخر شهر مايو/ أيار الماضي، عن عزم القاهرة على استضافة مؤتمر سوادني في يونيو/ حزيران الحالي، أكدت مصادر دبلوماسية تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن التحرك المصري الجديد على صعيد الأزمة السودانية جاء بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية، بهدف الوصول إلى بناء سلام شامل ودائم في السودان، عبر حوار سوداني – سوداني، فيما رأى متابعون أن عقد مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية في مصر في الثلاثين من يونيو الحالي يواجه تحديات وعقبات قد تحول دون نجاحه. وأضافت المصادر الدبلوماسية التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن "الإدارة الأميركية أجرت اتصالات أخيراً مع مصر من أجل الدفع باتجاه عملية سلام دائم في السودان، نظراً لإدراك واشنطن خطورة تدهور الوضع في السودان وانعكاسه على أمن الإقليم بشكل عام"، في إشارة إلى الحرب الدائرة في السودان منذ 15 إبريل/ نيسان 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع. ولفتت المصادر إلى أنه "من جهة مصر، تدرك القاهرة المآلات الخطيرة للحرب في السودان على مصالحها القومية، وعلى رأسها الأمن المائي وتدفق المهاجرين، ولذلك فإن أمن واستقرار السودان يعد ضرورة استراتيجية للأمن القومي المصري".
مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية في مصر
وكانت وزارة الخارجية المصرية قد أصدرت بياناً في 28 مايو الماضي، أعلنت فيه أن مصر ستستضيف في يونيو الحالي مؤتمراً للقوى المدنية السودانية "في إطار حرصها على بذل كل الجهود الممكنة لمساعدة السودان على تجاوز الأزمة التي يمرّ بها، ومعالجة تداعياتها الخطيرة على الشعب السوداني وأمن واستقرار المنطقة، لا سيما دول الجوار"، بحسب بيان الوزارة. وبعد ساعات من الإعلان عن العزم على عقد مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية في مصر بشهر يونيو، ردّت الخارجية السودانية ببيان رهنت فيه نجاح المؤتمر بأن يكون هناك "تمثيل حقيقي للغالبية الصامتة من الشعب السوداني ممن سُفكت دماؤهم وانتُهكت أعراضهم ونهبت ممتلكاتهم"، وقالت إن من يمثلهم هي "المقاومة الشعبية". وأضافت الوزارة أن "أساس المشاركة يجب أن يكون على تأكيد الشرعية القائمة في البلاد وصيانة المؤسسات الوطنية، على رأسها القوات المسلحة". وطالبت الخارجية السودانية "بتوضيح هوية الشركاء الدوليين" الذين سيحضرون مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية في مصر "مع تحديد دورهم"، مع رفض حضور رعاة من وصفتهم بـ"مليشيات الدعم السريع". كما رفض بيان الخارجية السودانية تمثيل أي منظمة إقليمية أو دولية "سكتت عن إدانة الدعم السريع"، مع رفض مشاركة الاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد (الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا) أيضاً، "ما لم يسبق ذلك تنفيذ خطوات فعلية لرفع تجميد نشاط السودان في المنظمة القارية"، مع التشديد على حصر دور المنظمات الدولية المشاركة في المؤتمر "بدور المراقب".
وتأتي المبادرة المصرية بعدما فشلت مبادرات عديدة في إعادة الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إلى طاولة الحوار مجدداً، علماً أن الحرب السودانية دخلت عامها الثاني دون إحراز أي تقدم في المفاوضات منذ مايو 2023. وفي السياق، رأت أستاذة العلوم السياسية والخبيرة في الشؤون الأفريقية نجلاء مرعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الهدف من جمع كل القوى السياسية السودانية في القاهرة وعقد مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية في يونيو، هو التوصل إلى توافق حول سبل بناء السلام الشامل والدائم في السودان". وبرأيها، فإنه "من المنتظر أن يوفر المؤتمر فرصة لجمع القوى السياسية السودانية حول مائدة واحدة للتواصل والتفاهم ووضع نهاية للتشاحن الداخلي ووقف نزيف الدم السوداني وتسهيل نفاذ المساعدات من دون تهديد، لأن السودان يعاني من كارثة إنسانية"، مشدّدة على أن "مصر حريصة على أمن واستقرار السودان، لأنه جزء من الأمن القومي المصري، ولأن السودان يمثل الفناء الجنوبي لمصر".
كما لفتت الخبيرة الأفريقية إلى أن "أي عملية مستقبلية، تؤمن مصر بأنها ينبغي أن تشمل كل الأطراف، والظاهر أمامنا حالياً، المكونان العسكريان المتحاربان، ولكن مصر تؤكد أن لا حل للأزمة السودانية إلا بالسودانيين أنفسهم وليس من الخارج". كما ترى مصر، برأيها، أن "أي حلّ لأي أزمة سياسية مستقبلية بعد انتهاء هذه المجازر، يجب أن يشمل كل الأطراف الوطنية، تأسيساً على احترام مبادئ سيادة الدولة ووحدة وسلامة الأرض السودانية وعدم التدخل في شؤون السودان الداخلية والحفاظ على مؤسسات الدولة، وهذا ما أكدت عليه مصر في مؤتمر دول الجوار". ولفتت مرعي إلى أن "مصر حاولت أكثر من مرة حلحلة الأزمة باستضافة الأطراف في القاهرة ومع الشركاء الإقليميين، السعودية والإمارات، وهناك فرصة لاختراق الموقف الحالي بالنسبة لمصر، لأن انعقاد مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية في مصر سيكون تحت مظلة دعم دولي".
وأشارت مرعي إلى أن "هناك ترحيباً سودانياً بالموقف وببيان الخارجية المصرية حول هذا المؤتمر، لكن كانت هناك ملاحظات سودانية على البيان، تتعلق بالأطراف المشاركة في هذا اللقاء، على أن يضم الأطراف السياسية الصامتة في السودان وليس فقط من يحملون السلاح، وأيضاً كان هناك بحث بشأن الأطراف الخارجية المشاركة في هذا المؤتمر، لا سيما الحديث عن (رعاة مليشيا حميدتي – في إشارة إلى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو)، ورفض مشاركتهم في هذا المؤتمر". وأضافت أن "مصر أكدت أن المشاركين الدوليين سيتركزون على ممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وإيغاد وعدد من الأطراف الإقليمية والشركاء في المنطقة أيضاً". وأضافت أن "السودان في الرد على بيان الخارجية المصرية بشأن استضافة مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية في مصر الشهر الحالي، كان يؤكد على ضرورة أن يتم تفعيل دور السودان في الاتحاد الأفريقي، بعد تعليق العضوية منذ بدء الحرب الداخلية السودانية، ولكن القاهرة كانت حريصة أيضاً على ذلك من خلال دعوة الاتحاد الأفريقي لحضور مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية في مصر تمهيدا للحديث عن فتح المجال أمام مقعد السودان في الاتحاد الأفريقي".

عقبة الحيادية
المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير عبد الله الأشعل، أبدى وجهة نظر مختلفة في حديث لـ"العربي الجديد"، إذ اعتبر أن "مصر طرف في النزاع السوداني الداخلي، وهي مشاركة في هذا النزاع على أرض الواقع، وهذا ما ظهر باستهداف قوات حميدتي قوات الجيش المصري والطائرات في داخل المطارات وفي بعض الأماكن العسكرية داخل السودان". ومن الواضح، برأيه، أن "مصر تقف في النزاع مع قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، وبالتالي لا يمكن مطلقاً لطرف ينحاز إلى طرف في النزاع أن يكون وسيطاً ناجحاً للحل بين الأطراف المتنازعة". وأضاف الدبلوماسي المصري السابق أن "الحل في القضية السودانية يكمن في استبعاد حميدتي والبرهان (طرفي النزاع) من المشهد، وذلك من أجل مصلحة السودان، لأن الطرفين ارتكبا من الجرائم بحق السودان والشعب السوداني ما يكفي لإزاحتهما عن المشهد".
من جهته، اعتبر أستاذ العلوم السياسية والباحث في مركز الدراسات الأفريقية محمد خليفة صديق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ما ساهم في زيادة تعقيدات المشهد السوداني هو كثرة التدخلات الخارجية التي تسعى إلى تطويع ترتيبات مستقبل السودان لخدمة أجندتها المتنافسة والمتناقضة مع المصالح الوطنية، وسط تماهي العديد من أطراف المعادلة الراهنة، من العسكريين والمدنيين، مع بعض المحاور الأجنبية، وهو ما يكشف غياب الإرادة الوطنية لديهم، وتأثير ذلك في تحديد مستقبل السودان السياسي". وأضاف خليفة أن "فشل كل المبادرات السابقة هو الذي جعل القاهرة تعيد إنعاش رغبتها بأن تكون قريبة من الأزمة عبر الدعوة لعقد مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية في مصر الشهر الحالي، وربما تفكر في التخلي عن حذرها في التعامل السياسي مع السودان، ولذلك ظهرت المبادرة المصرية لحل أزمة الانتقال في السودان.