صدم العالم بصور الدمار الذي خلفته الغارة الجوية الإسرائيلية على الخيام الفلسطينية في رفح بالقرب من الحدود المصرية.

وتأتي هذه المجزرة في وقت كاد فيه النظام الصحي في غزة أن ينهار، مما دفع إلى إطلاق مناشدات رسمية وشعبية لـ"مصر الشقيقة" لإرسال سيارات الإسعاف ونقل المصابين إلى مستشفياتها. وقد قوبلت هذه المناشدات بالصمت الرسمي.

وبعد ساعات من هذا الحادث، اندلعت موجة من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي المصرية بعد أنباء عن اشتباك بين القوات المصرية والإسرائيلية على الحدود، أسفر عن مقتل جنديين مصريين.

وتفاقم الغضب الشعبي بسبب الرد الرسمي على الحادث. ومع تدفق المعلومات من وسائل الإعلام الإسرائيلية، كانت وسائل الإعلام المصرية، الخاضعة لسيطرة الدولة كالمعتاد، تنتظر الرواية الرسمية.

وفي نهاية المطاف، أصدر المتحدث باسم الجيش المصري بيانًا أشار فيه إلى أن الجيش يحقق في حادث إطلاق النار، دون تقديم أي تفاصيل حول القتلى والجرحى.

وخلال مراسم دفن الضحيتين، واصلت الدولة ومؤسساتها إظهار اللامبالاة. ودُفن الجندي عبد الله رمضان في جنازة شعبية في قريته، وليست عسكرية كما جرت العادة على قتلى الخدمة.

ولم يقتصر الأمر على تجاهل الضحية الثانية إبراهيم إسلام عبد الرزاق، بل نفت مصادر رسمية مقتله، رغم بث جنازته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، متضمنة هتافات مناهضة لإسرائيل.

 

استراتيجية كامب ديفيد

ولفت موقع ميدل إيست آي في مقال كتبه الصحفي "أحمد عابدين" أن هذه اللامبالاة الرسمية المصرية، على النقيض من الغضب الشعبي الواسع النطاق، تتوافق مع موقف النظام منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر.

 

وقال الموقع: "تدور استراتيجية النظام حول اتفاقيات كامب ديفيد، الموقعة مع إسرائيل عام 1978، والتي تمثل إطاره الاستراتيجي الوحيد في المجالات العسكرية والسياسية والدبلوماسية. وقد قدمت هذه الاستراتيجية منافع مستمرة  للنظام الذي استغلها بالكامل".

وفي مقابلة هاتفية مع قناة تلفزيونية سعودية، وصف ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية والمتحدث غير الرسمي باسم الرئاسة، العلاقات مع تل أبيب بأنها أعظم جائزة في تاريخ الدولة الإسرائيلية.

وقد يكون هذا وصفًا دقيقًا للمعاهدة بين البلدين، التي أخرجت أكبر دولة عربية من الصراع العربي الإسرائيلي، وأصبحت تدريجيًا صنمًا مقدسًا في الاستراتيجية المصرية.

وتابع ميدل إيست آي: "منذ رئاسة أنور السادات، استوعبت الأنظمة المصرية فكرة أن أهميتها للإمبراطورية الأمريكية تكمن في الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل. وقد تعمقت هذه الفكرة في ظل نظام السيسي، الذي استفاد من هذا الترتيب منذ اليوم الأول وما زال يستفيد منه".

ويمتد الدعم الأمريكي إلى ما هو أبعد من المساعدات السنوية لمصر البالغة 1.3 مليار دولار، ليشمل الدعم غير المباشر من خلال المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي وحلفائه في الخليج وأوروبا. وكان آخر مثال على ذلك هو حزمة الإنقاذ التي قدمها صندوق النقد الدولي لمنع الانهيار الاقتصادي للنظام.

كما استفادت إسرائيل بشكل كبير من الاستراتيجية المصرية، ليس فقط في إخراج دولة عربية رئيسية من الصراع، ولكن أيضًا في تصدير صورة إلى الجمهور الإسرائيلي مفادها أن النظام المصري خاضع لإرادته - كما يتضح من اللامبالاة الرسمية تجاه مصر. مقتل جنود مصريين وصمت مصر عن احتلال محور فيلادلفيا بأكمله رغم التحذيرات والتهديدات المصرية السابقة التي كشفت إسرائيل أنها تهديدات فارغة.

 

التواطؤ الغربي

وربما كانت هذه المعادلة عاملاً أساسياً في تسهيل الولاية الرئاسية الحالية لعبد الفتاح السيسي، على الرغم من الانتهاكات الانتخابية الجسيمة والواسعة النطاق في جميع أنحاء مصر، بما في ذلك منع أنصار مرشح المعارضة أحمد طنطاوي من إصدار تأييداته، بالإضافة إلى اعتقال أنصاره.

مرت هذه الانتهاكات إلى حد كبير دون انتقاد في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة، كما تم تجاهل العديد من الانتهاكات الأخرى، بما في ذلك اعتقال طنطاوي نفسه صباح الاشتباك الحدودي في رفح.

وللحفاظ على هذه العلاقة، تعمل القاهرة كوسيط في المفاوضات بين إسرائيل وفصائل المقاومة، وتسعى جاهدة لإنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن بأي وسيلة. ويكمن الخوف في أن يؤدي تفاقم الأوضاع إلى زيادة الضغوط على مصر أو التأثير على اتفاق السلام، خاصة فيما يتعلق بنقل الفلسطينيين إلى سيناء.

وقد يؤدي ذلك إلى زيادة التوترات العسكرية على طول الحدود مع إسرائيل، والتي يستخدمها النظام محليًا لأغراض دعائية للتظاهر بأنه مدافع عن القضية الفلسطينية.

 

ومن ناحية أخرى، قد يحاول نظام السيسي تكرار معادلة الرئيس السابق حسني مبارك مع الولايات المتحدة، ولكن بمعايير جديدة. لقد دأب مبارك على تسويق أن البديل الوحيد لحكمه هو جماعة الإخوان المسلمين ــ الفزاعة في السياسة الأميركية، وخاصة بعد هجمات 11 سبتمبر.

وختم الموقع: "وتشير معادلة السيسي إلى أن البديل الديمقراطي لنظامه سيكون معادياً لإسرائيل، ويمثل إرادة شعبية ترى نفسها جزءاً من المعركة ضد إسرائيل. وعلى الرغم من الحماية التي يقدمها النظام لإسرائيل من هذه الإرادة، فإن بعض الجنود وصغار الضباط يقومون أحيانًا بعمليات ضد القوات الإسرائيلية. ماذا سيحدث لو لم تكن حماية النظام هذه موجودة؟".

https://www.middleeasteye.net/opinion/egypt-sisi-continues-protect-israel-why