لا يمكن النظر الى حادثة استشهاد جنود مصريين على يد الاحتلال الإسرائيلي كحدث عابر وعارض ناجم عن خطأ أو سوء تقدير، إذ جاء بعد ساعات من اتصال الرئيس الامريكي بايدن بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حيث اتفقا على إدخال المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم إلى حين تشغيل معبر رفح.


الحادث في الآن ذاته جاء بالتزامن مع لقاء وزراء الخارجية العرب في بروكسل نظراءهم الأوروبين لمناقشة دور أوروبا في الاغاثة الانسانية وإدارة المعابر في الحرب وما بعدها، ولقاء الرئيس المصري  وفد الكونغرس الامريكي من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، أكد فيه السيسي على ضرورة وضع حد للمأساة الانسانية المستمرة في قطاع غزة، ومنع توسع الصراع وامتداده.


الحادثة بهذا المعنى لا يمكن نزعها عن سياقها السياسي، فالاحتلال الاسرائيلي يمارس ابتزازا وحشيا لمصر، يريد أن يفرض من خلاله على الجانب المصري التنسيق الميداني المباشرمع قوات الاحتلال المتواجدة في معبر رفح، بحجة التحقيق بالحادثة، وتجنب حوادث مماثلة مستقبلا، كلجوء فلسطينين الى الجانب المصري، فاتحاً بذلك الباب لإمكانية التنسيق لإدخال المساعدات عبر المعبر الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال كأمر واقع، فالاحتلال بهذا المعنى يوجه رسالة لمصر مفادها أن الاحتلال وحكومته الفاشية الطرف الوحيد الذي يجب التنسيق والتعامل معه، لا بروكسل أو واشنطن.


الاحتلال الاسرائيلي باستهدافه الجنود المصريين يهدد بنقل الأزمة الى الساحة المصرية من ناحية أخرى، عبر إثارة الرأي العام المصري، الأمر الذي تسعى القاهرة لتجنبه، فآخر ما ترغب فيه القاهرة تحرك الشارع في ظل أزمة اقتصادية خانقة وسياسية وأمنية على الحدود مع قطاع غزة، وهي ورقة ابتزاز إسرائيلية خطيرة، تعكس أزمة الاحتلال الناجمة عن تعقيدات حساباته الداخلية والاقليمية والدولية، وإدراكه لحدود الرد المصري وهامش المناورة الضيق للقاهرة في الآن ذاته.


ختاماً.. الراجح أن الاحتلال الاسرائيلي افتعل الأزمة على معبر رفح باستهداف الجنود المصريين، لإجبار مصر على التفاوض لفتح المعبر بالتنسيق مع جيش الاحتلال، بدلاً من  التواصل  والتنسيق عبر الامريكان والاوروبيين لادارة المعبر، فحسابات الاحتلال السياسية ازدادت تعقيدا بدعوى النائب العام للجنائية الدولية وقرار العدل الدولية، واعتراف عدد من الدول الاوروبية بالدولة الفلسطينية، وأجندة بايدن الانتخابية، فهل تخضع القاهرة للابتزاز الاسرائيلي وتقبل بتحرير الاحتلال من حساباته المعقدة؟ أم تصعد؟ أم  تحتوي الأزمة عبر التحفظ على تفاصيلها والمعلومات الصادمة التي تخفيها، وهو الراجح في الحالة المصرية الراهنة؟!



حازم عياد 
(كاتب أردني)