يعجز النظام عن التدخل العسكري لحماية أمنه القومي، يعجز رغم كونه "عسكرياً"، ويعجز رغم إنفاقه المليارات على التسليح، ويعجز رغم تصريحه الدائم بأن المؤسّسة الوحيدة في مصر هي الجيش، وما سواها "أي حاجة". ورغم ذلك يعجز تماما، ويحتار المصريون في تفسير ذلك، ويذهبون مذاهب شتّى، من دون دليل واحد متماسك، لكنه العجز عن تفسير العجز. 
يعلن النظام أنه ضد تهجير الفلسطينيين، وأنه ضد تصفية القضية الفلسطينية، وأنه ضد إبادة أهل غزّة، ويفشل الإعلان في ترويج المنتج، رغم استعداد الزبون المصري دائما للشراء. ذلك لأن النظام لا يتحرّك قبل الإعلان، بما يعزّز الدعاية، ولا يتحرّك مع الإعلان بما يرجّح كفة التصديق، ولا يسير خلف الإعلان بما يبشّر بالمحاولة، إنما يتجه النظام المصري، في كل إجراءاته، ضد إعلاناته، فهو ضد التهجير، ومع سياساته، ضد التهجير ومع إجراءاته، ضد التهجير، وفي انتظاره.
تعلن إسرائيل عن اجتياح رفح، بما يُحرج النظام المصري، ويضعه في حجمه الطبيعي، ضعيفاً، وعاجزاً، شأنه في الملفات كافة، يعود النظام إلى الإعلانات، ثم يتجاوزها إلى التهديد، ليس التهديد بالفعل، إنما بالتوقّف عن اعتبار العجز "رسمياً"، إلغاء معاهدة السلام، والانضمام إلى جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، ولا تجرّبوا جيش مصر، ولا تستفزّوا جيش مصر، ومصر تستعد، ومصر تعتزم، ومصر تنوي، ومصر ســ تحمي ومصر سـ تقف ومصر سـ تفعل، لكن شيئاً لا يحدث. تظل الحدود هي الحدود، مغلقة على عجزها، أمام العدو، وأمام المواطن.
تستمرّ المجازر على بوابات مصر، تبدأ إسرائيل في تنفيذ الاجتياح، بالفعل، تحرق مخيّمات اللاجئين، ترتفع ألسنة النار أمام أعيننا، وأمام جنودنا، وأمام سكوتنا، وأمام عجزنا، وأمام جثث الأطفال المتفحّمة، يلعن العالم كله إسرائيل، فيما تلعن كتائب النظام المصري الإلكترونية جماعة الإخوان المسلمين (لأنهم خونة). 
يعجز النظام عن أن يبدو حزينا في مأتم العزاء. يعجز عن أن يبدو مهتمّا، يعجز عن أن يبدو غاضبا، يعجز عن أن يبدو، مجرّد أن يبدو. تنظّم الدولة المصرية مباراة نهائي دوري الأبطال بين الناديين الأهلي المصري والترجي التونسي. يشاهد الشباب المصري نظراءهم في تونس، جماهير الترجي في مباراة الذهاب، وهم يملأون فضاءات ملعب رادس باللافتات والهتافات التي تدعم أهلنا في غزّة، تعبير رمزي، لا يتجاوز مجرّد الإعلان عن التعاطف والغضب، من دون فعل، أضعف الإيمان، لكن النظام المصري يعجز عن مجرّد تخيّل احتمال أن يحدُث ذلك في القاهرة، ويُصدر أوامره الأمنية بحرمان جماهير الأهلي من مجرّد التعاطف بالصورة، وردّ التحية التونسية، بل يرسل إليهم من يعتبرونه من الفنانين المطبّعين مع الصهاينة، يرقص ويغني في استاد القاهرة: "مافيا". 
لا يمكن تفسير ما يحدُث يوميا في مصر من مواقف النظام مما يحدُث على حدوده، أو أداءاته في الملفات كافة.. الماء، الكهرباء، الأسعار، رغيف العيش، كل شيء، لا يمكن تفسيره بالفساد فحسب، أو بالتواطؤ فحسب، أو حتى بالعمالة، كما ذهب بعضهم شططا. إنما هو العجز، العجز الخام، عجز غير المؤهل عن أن يفعل شيئا، وغير المؤهّل عن أن يقول شيئا، وغير المؤهّل عن أن يسمح، مجرّد السماح، أو يتحمّل، أن يقول غيره، ما يحسّن صورته، أو يقلّل من بؤس الموقف الرسمي في مصر. 
نشرت "سي أن أن العربية"، الأسبوع الماضي، تقريراً يتّهم مصر بتغيير شروط وقف إطلاق النار في غزّة. تجاوز أغلب المعلقين المصريين تفاصيل التقرير إلى تفصيلة واحدة، أن ضابطاً في المخابرات المصرية أزعج إسرائيل، إلى درجة المطالبة بإزاحته. وذهب معارضون شرسون للدولة المصرية يبحثون عن معلومات إيجابية عن الضابط أحمد عبد الخالق، ويحصّلونها من أهل غزّة، ويشاركونها، على مواقع التواصل، احتفاء، ولسان الحال يقول: ثمّة شخص واحد في الدولة المصرية مؤهّل لفعل أيّ شيءٍ. هنا القاهرة، والآن، ومع الأسف.

محمد طلبة رضوان