وصلت الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس إلى مرحلة حرجة، حيث تقوم تل أبيب بعمليتها العسكرية في رفح، كما يقول محلل السياسة الخارجية المتخصص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ألكسندر لانغلوا.

ويؤكد في مقال له بمجلة ناشونال إنترست الأمريكية، أن الخلاف يتزايد بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مما دفع واشنطن إلى استخدام أدوات أكثر قسوة بشكل تدريجي لمنع حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل من القيام بأعمال مارقة بشكل متزايد في غزة. وفي نهاية المطاف، هناك مخاطر حقيقية من أن الوضع الحالي قد يخرج عن نطاق السيطرة، وهو أمر يجب على القادة الغربيين أن يأخذوه بعين الاعتبار ويتوقعوه لتجنب مذبحة محتملة ذات عواقب طويلة المدى.

ويرى لانغلوا أنه لا يزال هناك احتمال أن يتمكن القادة من منع هذه النتيجة من خلال محادثات وقف إطلاق النار (غير المباشرة) الجارية بين حماس والمفاوضين الإسرائيليين. وفي 6 مايو، قبلت حماس اتفاق وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه إسرائيل في السابق بمباركة الوسطاء الرئيسيين، أي الولايات المتحدة ومصر وقطر. وأذهل قرار الحركة تل أبيب، التي ادّعى قادتها أن حماس وافقت على صفقة مختلفة.

ويؤكد مسؤولون مجهولون أن الصفقات متطابقة تقريبًا، حيث يقول المسؤولون الأمريكيون إن هناك مساحة للتوصل إلى اتفاق حيث إن الفجوات يمكن "سدها تمامًا"، بينما يقللون من أهمية الاختلافات داخل الإطار ويصفون إعلان حماس بأنه "اقتراح مضاد" يمكن الوصول إليه بسهولة. وعلى العكس من ذلك، لا يزال المسؤولون الإسرائيليون يزعمون أن الصفقة بها فجوات واسعة بشكل غير مقبول. وعلى هذا النحو، تواصل تل أبيب النظر إلى الهجوم على رفح ــ التي من المفترض كما تدّعي إسرائيل أنها آخر معقل رئيسي لحماس في غزة ــ باعتباره السبيل الوحيد لتعزيز موقفها في المفاوضات، أو على الأقل إنقاذ الرهائن مع تدمير حماس. حتى إن بعض المسؤولين الإسرائيليين اتهموا الولايات المتحدة بالتصرف بسوء نية من خلال عدم إبلاغهم بالاتفاق الذي وافقت عليه حماس.

 

جهود إسرائيل لإفساد المفاوضات

ويقول محلل السياسة الخارجية، إن هذا الاتهام مثير للسخرية بالنظر إلى الجهود التي تبذلها إسرائيل لإفساد المفاوضات منذ الموافقة على الاقتراح الذي أرسل إلى حماس في أواخر إبريل الماضي. ويقود نتنياهو هذه التهمة، حيث ادعى في 30 إبريل أن إسرائيل ستدخل رفح "بصفقة أو بدونها" لتحقيق "النصر الكامل". وتهدد مثل هذه التصريحات إمكانية التوصل إلى أي اتفاق مستقبلي، خاصة في ظل المفاوضات الجارية، حيث قامت حماس بمراجعة النص المقترح في أواخر إبريل. كما يبرز نفوذ اليمين المتطرف الإسرائيلي داخل حكومته، حيث يهدد وزراء مثل إيتامار بن جفير وبتسلئيل سموتريش بنسف ائتلاف نتنياهو إذا لم تتابع إسرائيل إستراتيجية الحرب الشاملة.

ومن غير المستغرب أن تتصاعد الأحداث في أعقاب قبول حماس بوقف إطلاق النار بهذا الشكل، مما يعكس التعنت الإسرائيلي المستمر الذي يقوِّض فرص التوصل إلى اتفاق، حتى لو كانت الحركة "تتصرف بسوء نية"، على حد تعبير المقال.

وأشار لانغلوا إلى أن المسؤولين الأمريكيين أجروا اتصالات مع صانعي القرار الإسرائيليين على مدى أشهر لوضع خطة تسمح لإسرائيل بالقضاء على ما تبقى من مقاتلي حماس في غزة مع اتباع القانون الإنساني الدولي، وهي سياسة طويلة الأمد لفريق بايدن.

وأفادت التقارير أن هذه المساعي أسفرت عن خلافات، إذ هدد الرئيس الأمريكي بالامتناع عن إرسال المزيد من شحنات الأسلحة في حال اجتياح إسرائيل لرفح، مما دفع المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين إلى الترويج لرواية مفادها أن عملية رفح لم تبدأ أو تم تقليصها وإعادة تركيزها. ومن المفارقات -بحسب لانغلوا- أن غزو رفح جارٍ بالفعل، مع قيام إسرائيل بإرسال المزيد من القوات إلى المنطقة.

وعلى هذا النحو، سيكون من الأهمية بمكان مراقبة التحركات الإسرائيلية. وتشير التقارير إلى أن تل أبيب ستبقي معبر رفح الحدودي مغلقًا طوال مدة تشغيله. يشير هذا إلى أن الجيش الإسرائيلي مستعد لتسوية المدينة بالأرض مع تجاهل الخط الأحمر الذي وضعه بايدن بشكل مباشر من خلال الحد من المساعدات عبر أهم معبر في غزة، وإجلاء أكثر من مليون فلسطيني بالقوة إلى عدة أجزاء من جنوب وسط غزة أثناء إجراء عملية عسكرية كاملة في رفح.

 

نقطة انعطاف

ويذهب الكاتب إلى أن المفاوضات في القاهرة اختتمت دون التوصل إلى اتفاق، على الرغم من أن المفاوضين على المستوى الأدنى ما زالوا يعملون على التوصل إلى اتفاق. تعتبر هذه الجهود حاسمة في هذه المرحلة حيث تتقارب عدة نقاط ضغط على أصحاب المصلحة الأساسيين المشاركين بشكل مباشر أو غير مباشر في القتال. ظل هذا السيناريو يتشكل منذ أشهر، الأمر الذي أنتج نقطة انعطاف رئيسية للحرب الحالية بين إسرائيل وحماس.

ويؤكد أنه من الصعب القول إن واشنطن تنفذ تغييرًا جديًا في سياستها بشأن ملف إسرائيل اليوم، نظرًا لتعاونها العميق مع القادة الإسرائيليين طوال الحرب، ناهيك عن تفاني بايدن الغريب تجاه البلاد. ومع ذلك، فإن مثل هذه التحركات تشكل درجة من الضغط، حتى لو كانت مجرد إشارة سياسية. والسؤال هو إلى أي مدى سيذهب بايدن، وخاصة فيما يتعلق باحترام خطه الأحمر بشأن الهجوم على رفح.

ويرى الكاتب أن نتنياهو يواجه حاليًا أكبر قدر من الضغوط. ويطالب جناحه الأيمن بالدماء وبعملية عسكرية كاملة في رفح، إلى جانب وقف المساعدات الإنسانية لغزة، بينما يهدد بإسقاط حكومته إذا لم يمتثل. يمكن أن يكون لهذه النتيجة آثار خطيرة على بقائه السياسي وحريته الشخصية حيث يواجه حزبه استطلاعات سيئة للغاية بينما يخوض محاكمات فساد جنائية متعددة. وهكذا فهو يواصل توجيه الحرب بانحراف نحو مصالحهم السياسية.

 

نجاح حماس في أهدافها

ويذهب الكاتب إلى أن الجهود الواضحة التي يبذلها نتنياهو لإحباط الاتفاق الذي تم إرساله إلى حماس في أواخر إبريل أثناء قيامها بمراجعة النص، تعتبر مهمة، حيث وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بمواصلة قتال حماس بغض النظر عن اتفاق وقف إطلاق النار. إن مثل هذا الخطاب، وخاصة فيما يتعلق بوعد نتنياهو بعدم احترام اتفاق وقف إطلاق النار، يهدد بشكل خطير أي جهود أخرى لوقف إطلاق النار، مما يعكس عدم اهتمامه بإنهاء القتال.

وأشار لانغلوا إلى أنه لم يكن من الممكن تحقيق مطالب إسرائيل القصوى بإلحاق الهزيمة الكاملة بحماس، في حين نجح هدف حماس المتمثل في تبادل الأسرى والجهود الرامية إلى إضعاف مكانة إسرائيل الدولية إلى حد كبير.

وأضاف أن إسرائيل تسير بغير هدى ولا قيادة، مدفوعة بقصور ذاتي ونزعة انتقامية، منوها إلى أن النظام الدولي والسلام الدولي على المحك، والأسابيع القادمة ستكون حاسمة لإنهاء الصراع وتحديد ملامح رئاسة بايدن للولايات المتحدة.

ويؤكد الكاتب في نهاية مقاله أن مطالب إسرائيل القصوى بهزيمة حماس الكاملة لم تكن قابلة للتحقيق على الإطلاق.

لمطالعة المقال من مصدره الأصلي اضغط هنا