حالة من الغضب العارم اجتاحت الكيان الصهيوني بعد صدور قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي الذي يأمر إسرائيل بالوقف الفوري لهجومها العسكري في مدينة رفح بجنوبي قطاع غزة، بالإضافة لمجوعة قرارات أخرى تهدف لحماية المدنيين الفلسطينيين من ويلات الحرب التي اندلعت منذ 7 من أكتوبر الماضي.

وقالت المحكمة، أمس الجمعة، في القرار الذي حظي بإجماع غالبية القضاة الـ15 فيها، إن على إسرائيل "أن توقف فورًا هجومها العسكري وأي أعمال أخرى في محافظة رفح، قد تفرض على السكان الفلسطينيين في غزة ظروفًا معيشية يمكن أن تؤدي إلى تدميرهم جسديًا كمجموعة أو على نحو جزئي".

كما أمرت المحكمة إسرائيل بفتح معبر رفح بين مصر وغزة للسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وقالت إنه يتعين على إسرائيل السماح بوصول المحققين إلى القطاع المحاصر وتقديم تقرير عن التقدم المحرز في غضون شهر واحد.

 

وضع غير مسبوق في تاريخ إسرائيل

إسرائيل تدرك تمامًا، أنها أمام وضع غير مسبوق في تاريخ الاحتلال طوال 76 عامًا منذ احتلال فلسطين في العام 1948.. وضع قالت عنه صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إنه أدى إلى مثول رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته، أمام اثنتين من أهم المحاكم في العالم، لتصدر محكمة العدل الدولية يوم الجمعة، أمرًا للدولة العبرية بضرورة الوقف الفوري لهجومها على مدينة رفح.

أضف إلى ذلك غضب الرأي العام العالمي من سلوك إسرائيل في تعاملها مع قطاع غزة، وداخل المشهد نفسه طوفان الغضب داخل جامعات العالم، وانتفاضة جيل من الشباب ضد دولة الاحتلال، مطالبًا بمعاقبتها بقطع كل خطوط الاتصال والتعاملات، سياسيًا واقتصاديًا وأكاديميًا، وفقًا لقناة "الغد".

 

سقوط إسرائيل ونزع الشرعية الدولية

ويرى "بريت ستيفانز" المحلل السياسي، في صحيفة "نيويورك تايمز" أن الإعلان عن  قرار المحكمة الجنائية الدولية، يشكل جزءًا من الإستراتيجية نفسها التي يعتقد خصوم إسرائيل أنها ستؤدي، في نهاية المطاف، إلى سقوطها، وهي "نزع الشرعية الدولية والعزلة"، مما يؤدي بحسب الكاتب، إلى انهيار داخلي تدريجي أو غزو خارجي.

وربطت الصحيفة بين مصير كل من إيران وإسرائيل، مؤكدة بأن الأزمة التي يعيشها الشرق الأوسط اليوم تتلخص في سؤال واحد يدور حول تاريخين: أيُّ لحظة تاريخية من المرجح أن تنقلب رأسًا على عقب، عام 1948 أم عام 1979؟ والتاريخ الأول يشير إلى إنشاء دولة إسرائيل، والثاني إلى الثورة الإيرانية.

 

ضغوط قانونية متزايدة على إسرائيل

يضاف الحكم الذي أصدرته المحكمة ومقرها لاهاي إلى الضغوط القانونية الدولية المتزايدة على إسرائيل لتقليص حربها في غزة أو إنهائها.

وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن تمتثل إسرائيل للأمر، إلا أنها ستزيد الضغط عليها بشكل متزايد.

ففي حين أن إسرائيل ليست دولة طرف في المحكمة الجنائية الدولية، لكنها في الوقت ذاته عضو في الأمم المتحدة وبالتالي فهي ملزمة قانونًا بالامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية.

ويقول المختص في القانون الدولي أنطوان صفير إن "قرار المحكمة لافت لأنه صادر عن أعلى سلطة قضائية في الأمم المتحدة والمجموعة الدولية".

ويضيف صفير، أن إسرائيل ملزمة بتنفيذ القرار باعتبار أنها خاضعة لسلطة الأمم المتحدة"، وفقًا لموقع "الحرة".

ويبين صفير أن "المحكمة رأت أن ما يحدث في غزة يمكن أن يتطور بشكل خطير، إذا مضت إسرائيل قدما في العملية في رفح".

وعلى الرغم من أنه "ليس من المتوقع أن تلتزم إسرائيل بهذه القرار، ولكن هذا لا يعني أن القرار ليس موجودًا وبات أمرًا واقعًا في القانون الدولي وله تبعاته"، بحسب صفير.

ويأتي حكم محكمة العدل الدولية وسط انتقادات متزايدة لإسرائيل بسبب مقتل آلاف المدنيين في عملياتها العسكرية وافتقارها لخطة لغزة بعد انتهاء الحرب.

ومن جهته، يصف البروفيسور غبريال صوما، أستاذ القانون الدولي، وعضو المجلس الاستشاري للرئيس السابق دونالد ترامب، قرارات الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية بأنها «تاريخية» وستزيد من الضغوط الدولية على إسرائيل، وفقًا لقناة "الغد".

وجاء حكم محكمة العدل الدولية بعد أيام فقط من إعلان النرويج وإسبانيا وأيرلندا أنها ستعترف بدولة فلسطينية مستقلة في 28 من شهر مايو الجاري، وهو ما عكس الإحباط الدولي العميق من الحرب الإسرائيلية في غزة.

كذلك تعرضت إسرائيل لضغوط من قبل دول حليفة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لعدم المضي قدمًا في الهجوم البري على رفح.

 

انقسامات داخل إسرائيل وخارجها

ويرى المحلل السياسي الأمريكي إيريك هام، أن قرار محكمة العدل الدولية الصادر، الجمعة، "لا يخلق انقسامات داخل إسرائيل فحسب، بل إنه يخلق انقسامات في خارجها أيضا، وخاصة مع حلفاء إسرائيل".

ويضيف هام، أنه مع استمرار المحاكم الدولية بإصدار القرارات ضد العمليات الإسرائيلية في غزة "تستمر العزلة الدولية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالتصاعد".

ويبين هام أنه "حتى مع زيادة التزام الولايات المتحدة بدعم إسرائيل ومساندتها، فإن السؤال الأكثر إلحاحًا هو إلى أي مدى ستستمر واشنطن بالمضي قدما في هذا المسار؟".

 

نقاط ضعف عميقة داخل إسرائيل

وذكرت نيويورك تايمز، أن إسرائيل تعاني من نقاط ضعف داخلية عميقة، لم يبرز سوى بعضها إلى الواجهة خلال أشهر، ومنها:

- الاحتجاجات على التغييرات القضائية التي سبقت السابع من أكتوبر.

- التطرف اليميني، ومقاومة اليهود المتشددين لإسرائيل.

- وتؤكد صحيفة "الجارديان" البريطانية، "أن حصانة إسرائيل من العقاب التي كانت تبدو منيعة ذات يوم لم تعد موجودة".

- أضف إلى ذلك مؤشرات العزلة؛ وهي إحدى درجات نزع الشرعية الدولية، وقد تجلت في تصريحات لافتة للدوائر السياسية الغربية، حيث انتشر خلال الساعات الماضية على منصات التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو لنائبة رئيس الوزراء الإسباني، وزعيمة حزب سومار الشريك في ائتلاف الحكومة الإسبانية، يولاندا دياز، وهي تطلق تصريحًا قويًا بشأن فلسطين ضد دولة الاحتلال.. وقالت دياز، إن تحرك إسبانيا للاعتراف بالدولة الفلسطينية "مجرد البداية"، داعية إلى الضغط على الاتحاد الأوروبي لإلغاء جميع الاتفاقيات مع إسرائيل.

وختمت حديثها بعبارة: "فلسطين ستتحرر من النهر إلى البحر".. وهذا التعبير الذي استخدمته لأول مرة منظمة التحرير الفلسطينية، يعتبره كثيرون في إسرائيل دعوة إلى تدمير دولتهم.

 

ثقة الجمهور في الجيش الإسرائيلي تتآكل

مخاوف العزلة الدولية فجرت هواجس القلق داخل إسرائيل على المستقبل.. ويقول عاموس هاريل من صحيفة "هآرتس": لقد خلق المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية خان واقعًا جديدًا لإسرائيل، ويمكن أن ينتهي بشكل سيئ.. إسرائيل ليست روسيا، وسوف تؤثر العقوبات الغربية على كل جانب من جوانب الحياة هنا.

ويظهر استطلاع أجراه معهد دراسات الأمن القومي، أن ثقة الجمهور في تصريحات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي تتآكل.

 

متاعب تطارد إسرائيل

وتشير الصحيفة العبرية، إلى أن "تطور الأحداث يوضح أن الرجل (نتنياهو) الذي يدّعي كونه رجل دولة غير قادر على تحقيق الأهداف الإستراتيجية التي حددها لهذه الحرب، الأمر الذي يورط إسرائيل في المتاعب التي ستطارد الدولة ومواطنيها لسنوات عديدة، بما يتجاوز النتائج الطبيعية المباشرة لهجوم حماس.

 

هل يمكن تطبيق القرار على الأرض؟

تعتبر محكمة العدل الدولية أعلى سلطة تابعة للأمم المتحدة مختصة بالنظر في النزاعات بين الدول، وكذلك فإن الأحكام الصادرة عنها باتة وملزمة، لكن سبق تجاهلها في الماضي، كما أنها لا تتمتع بصلاحيات تنفيذية.

على سبيل المثال كانت المحكمة العدل الدولية أصدرت قرارًا في يوليو من عام 2004 قالت فيه إن جدار الفصل الإسرائيلي "مخالف للقانون الدولي"، وطالبت إسرائيل بإزالته من كل الأراضي الفلسطينية "بما في ذلك القدس الشرقية وضواحيها، مع تعويض المتضررين من بناء الجدار"، لكن ذلك لم يحصل لغاية الآن، وفقًا لموقع "الحرة".

الطريقة الوحيدة لتنفيذ أمر محكمة العدل الدولية هي من خلال التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهذا يعني أنه يمكن لأي من الأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس، بما في ذلك الولايات المتحدة، استخدام حق النقض ضد أي إجراء من هذا القبيل.

ويؤكد صفير أنه "في حال لم توافق إسرائيل على تطبيق القرار يمكن للمحكمة رفعه لمجلس الأمن لاتخاذ قرار تنفيذي بتطبيقه، وهنا بالتأكيد سيكون الفيتو الأمريكي جاهزًا لوقفه".

أما الخطوة الأخرى بحسب صفير "فتتمثل في رفع القرار للأمين العام للأمم المتحدة من أجل القيام بدوره وإجراء الاتصالات اللازمة لتطبيقه".

ومع ذلك يقلل صفير من فرص تطبيق القرار على الأرض، وبالتالي يرى أن القرار بالنهاية يأتي في "إطار الضغط على إسرائيل من أجل التوصل لحلول للصراع" المستمر منذ أكثر من سبعة أشهر في غزة.

ويشير صفير إلى أن "الضغط القضائي الدولي لا شك سيسهم في فرملة فائض القوة لدى إسرائيل والوصول لحل بدأت معالمه تتشكل مع اعتراف بعض الدول الأوروبية بدولة فلسطين المستقلة".