قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] إذن فالأصل من الحياة تحقيق التقوى وعبادة الرحمن في صحبة متعاونة على عبادته سبحانه وتعالى، ولذلك بين لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خطورة الصحبة حين قال – صلى الله عليه وسلم -: “الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل” (رواه الترمذي عن أبى هريرة). والحديث يكشف لنا أهمية اختيار الصاحب، قال عبد الله بن مسعود: أما من شيء أدل على شيء ولا الدخان على النار، من الصاحب على الصاحب، ولذلك قيل: “قل لي من تصاحب؛ أقل لك من أنت”.

وكما قال الشاعر:    

عن المرء لا تسل وسل عن قرينــه     فـــكل قــــــرين بالمـــــقارن يقـــــتدي

إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم     ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى

يقول علماء الاجتماع: “الطباع يسرق بعضها من بعض؛ ومن هنا يتأثر الإنسان بصاحبه دون أن يلحظ أو يتعمد ذلك، فإن دوام العشرة مع المحبة يؤدي إلى التعود على ما يفعله الصاحب، ثم قبوله ثم تقليده ثم فعله عادة”.

الصحبة الصالحة في القرآن والسنة
ولأهمية الصحبة في إقامة الحياة على شريعة الإسلام، فقد نبه الله عز وجل في غير موضع من القرآن الكريم على الالتزام بالصحبة الطيبة. قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71].

وقال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام: 90].

وقال تعالى: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67].

قال تعالى: {… وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان:15].

كما نبه إلى البعد عن الصحبة السيئة قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا}[الفرقان:27 – 29].

وقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}[النساء:140].

وقال تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ}[هود:113].

وحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حول هذا المعنى؛ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “مَثَلُ الجَلِيسِ الصّالِحِ والسَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ: إمّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمّا أنْ تَجِدَ منه رِيحًا طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ: إمّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً. ” رواه البخاري ومسلم. وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي” (رواه الترمذى عن أبى سعيد الخدرى)، وجاء في الأثر: “عليكم بإخوان الصدق فإنهم زينة في الرخاء وعصبة في البلاء”.

روى الإمام البخاري: أن رجلاً من أهل البادية أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله: متى الساعة قائمة؟ قال: ويلك ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله قال – صلى الله عليه وسلم -: “إنك مع من أحببت”، هكذا الصحبة الصالحة حرص عليها الإسلام وأمر بها أتباعه لما فيها من خير كثير.

ومع الصحبة المؤمنة تبرز الأخوة بين أفراد هذه الصحبة وهى آصرة تنبت وتنمو بين المؤمنين بعضهم البعض، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ” سورة الحجرات (10). وهو أسلوب حصر وقصر بمعنى حصر وجود الأخوة التي نعنيها بين المؤمنين وقصرها عليهم.
ولقد كان من أوائل الأعمال التي عمد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إقامته للدولة في المدينة المنورة بعد هجرته، إقامة المسجد والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وصلت إلى الحد الذي يتوارثون فيه فيما بينهم، وظل الأمر كذلك حتى نزل قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[الأنفال:75].

مفهوم الأخوة ومشروعيتها
الأخوة منحة قدسية وإشراقة ربانية ونعمة إلهية يقذفها الله عز وجل في قلوب المخلصين من عبادة والأصفياء من أوليائه والأتقياء من خلقه، قال تعالى في سورة الأنفال: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال:63].

وقال في سورة آلعمران:  {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[آل عمران:103].وقال صلى الله عليه وسلم “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” حديث صحيح أخرجه السيوطي.

الأخوة هي روح الإيمان وباب المشاعر الرقيقة التي يكنها المسلم لإخوانه حتى إنه ليحيا بهم ويحيا لهم فكأنهم أغصان انبثقت من روح واحدة أو روح واحدة حلت في أجسام متعددة، والأخوة تجمع على التحابب في الله، والتعاون على تنفيذ أوامر الله تعالى والدعوة إليه، وتحقيق العدل وإسداء  المعروف عن رغبة فيه، والتباذل في ذات الله، والإيثار عن سماحة رائعة، والمساواة بين الأنساب والأجناس، وتبادل الاحترام والحب والاستئناس بمشاهدة الأخ ومجاورته وزيارته إلى غير ذلك من فوائد، والإخاء الصحيح إخاء العقيدة الخالصة لوجه الله لا إخاء المنافع الزائلة أو الغايات الدنيا، وهذه الأخوة لا يهبها الله عز وجل إلا لمن يأخذها بحقها.

فضائل الأخوة في الله
إن للأخوة فضائل جمة؛ البعض منها عاجلة والأخرى ينال صاحبها الجزاء في الآخرة،

فمن فضائل الأخوة في الدنيا:

الإحساس بشعور واحد تجاه مآسي المسلمين في جميع أنحاء العالم.
التعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
التكافل والتناصح والتفاهم فيما بين الإخوان.
التعاون على إقامة شرع الله في الأرض.
الحب والتعارف والإيثار بين الجماعة المتحابين في الله.
مجالسهم مرهونة بشرع الله فلا خروج فيها مما يحدث في كثير من المجالس من غيبة ونميمة وغير ذلك.
التآلف بين القلوب فهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
توحد الرؤيا والموازين والتصورات تجاه أحداث الدنيا.
إن أصحابها هم المتذوقون حلاوة الإيمان لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:  “ثلاث من كن فيه ذاق حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود للكفر كما يكره أن يقذف في النار” رواه البخاري ومسلم.
أما عن الفضائل الأخروية، فمنها:

إن وجوههم لنور: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ مِن عبادِ اللهِ لَأُناسًا ما هم بأنبياءَ ولا شُهداءَ، يغبِطُهم الأنبياءُ والشُّهداءُ يومَ القيامةِ بمكانِهم مِن اللهِ تعالى، قالوا: يا رسولَ اللهِ، تُخبِرُنا مَن هم؟ قال: هم قومٌ تحابُّوا برُوحِ اللهِ على غيرِ أرحامٍ بَيْنَهم، ولا أموالٍ يتعاطَوْنَها، فواللهِ إنَّ وجوهَهم لَنُورٌ، وإنَّهم على نُورٍ، لا يخافونَ إذا خاف النّاسُ، ولا يحزَنونَ إذا حزِن النّاسُ، وقرَأ هذه الآيةَ: {أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]”. رواه أبو داود وقال الألباني: حديث  صحيح”. 
‌إنهم مغفورو الذنوب:- روى الطبري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن المسلم إذا لقي أخاه المسلم فأخذ بيده تحاتت عنهما ذنوبهما كما تتحات الورق عن الشجر اليابسة في يوم ريح عاصف” رواه الطبراني.
 إنهم في ظل عرش الرحمن: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن الله تعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي” رواه مسلم.
 إنهم في كنف المحبة الإلهية: روى الإمام مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال تعالى: “وجبت محبتي للمتحابين في والمتزاورين في والمتباذلين في” رواه مالك.
إنهم في جنة الرضوان: لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَن عادَ مريضًا، أو زارَ أخًا لَهُ في اللَّهِ ناداهُ مُنادٍ: “أن طِبتَ وطابَ مَمشاكَ وتبوَّأتَ مِنَ الجنَّةِ منزلًا ” رواه الترمذي عن أبي هريرة وقال الألباني: حديث صحيح.
شروط الأخوة في الله
1- أن تكون خالصة لله تعالى: حتى يكتب لها الاستمرار والديمومة وقبض الروح عليها فهي تجرد المسلم من كل مصلحة ذاتية أو منفعة شخصية ويستطيع الإنسان بها أن يتخطى عقبات الحياة وأزمات الدنيا.

2- أن تكون الأخوة مقرونة بالإيمان والتقوى: قال تعالى: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي” رواه أبو داود والترمذي. فإذا كانت الأخوة كذلك كانت أرسخ من الجبال وأقوى من البنيان المتطاول الأشم. 

3- أن تكون الأخوة ملتزمة بمنهج الإسلام: ولا يمكن للأخوة أن تكون كذلك حتى يتعاهد المتآخين على تحكيم شرع الله، ولهذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: “رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه” أخرجه السيوطي عن أبي هريرة.  أي تعاهدا في حال اجتماعهما على التزام شريعة الله وفي حالة تفرقهما على العمل بشريعة الله. ورحم الله الإمام الشافعي حين قال: “لو لم ينزل من القرآن غير سورة العصر لكفت الناس”؛ حيث فيها التواصي على الحق والصبر عليه. 

4- أن تكون الأخوة قائمة على النصح لله: حتى تؤتي الأخوة ثمارها المرجوة من فضائل الأعمال لا بد للمتآخين من النصيحة سواء بالثناء على السلوك الطيب، أو طلب من الأخ أن يتوب في حالة النقص والخلل؛ قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ” إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ. قالوا: لِمَن يا رسولَ للهِ؟ قال: للهِ، ولكِتابِه، ولنَبيِّهِ، ولأئمَّةِ المؤمِنينَ وعامَّتِهم” رواه مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه.

5- أن تكون الأخوة محققة للتعاون على السراء والضراء: إن كانت مشاركة الآخرين في فرحهم وحزنهم شعيرة إسلامية نفيسة، فهي بين الأخوة ألزم وأوجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”. رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: “من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له” أخرجه السيوطي عن أبى سعيد الخدري وقال حديث صحيح، وقوله صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” رواه البخاري ومسلم. 

حقوق الأخوة في الله
المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، إن أعباء الدنيا جسام والإنسان وحده أضعف من أن يقف طويلاً تجاه هذه الشدائد ولهذا وجدت حقوق على الأخ تجاه إخوانه لا بد من السعي لتحقيقها:

أ- السعى لقضاء حوائج إخوانه:
لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “الْمُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، مَن كانَ في حاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه بها كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيامَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ.” رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. 

والنماذج في ذلك في سير الصالحين  أكثر من أن تحصى، نذكر منها على سبيل المثال: 

قضى ابن شبرمة حاجة كبيرة لبعض إخوانه، فجاءه بهدية، فقال ابن شبرمة: ما هذا؟ قال أخوه: لما أسديته إلىّ من المعروف. قال ابن شبرمة: خذ مالك عافاك الله، إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها، فتوضأ لصلاة، وكبّر عليه أربع تكبيرات وعدّه في الموتى!! 
في عهد عمر رضي الله عنه أصاب الناس قحط وشدة، وكانت قافلة من الشام مكونة من ألف جمل عليها أصناف الطعام واللباس قد حلّت لعثمان رضي الله عنه، فتراكض التجار عليه يطلبون أن يبيعهم هذه القافلة، فقال لهم كم تعطوني ربحاً؟ قالوا: خمسة في المائة. قال: إني وجدت من يعطيني أكثر، فقالوا ما نعلم في التجار من يدفع أكثر من هذا الربح، فقال عثمان: إني وجدت من يعطيني على الدرهم سبعمائة فأكثر، إني وجدت الله يقول: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:261]. أشهدكم يا معشر التجار أن القافلة وما فيها من بر ودقيق وزيت وسمن وثياب… قد وهبتها لفقراء المدينة وأنها صدقة على المسلمين!!
أن تحب لأخيك النفع: وتفرح لوصوله إليه، فإن ذلك قربة لله بأذكى الطاعات، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، ومن كظم غيظَه ولو شاء أن يُمضِيَه أمضاه؛ ملأ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رِضًا، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له؛ ثبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تزولُ الأقدامُ ” رواه الطبراني عن عبد الله بن عمر وقال الألباني حديث صحيح. 
التناصر: لا تناصر العصبيات العمياء ولكن تناصر المؤمنين لإحقاق الحق وإبطال الباطل وردع المعتدي وإجارة المظلوم.
تسهيل الأمور الصعبة: وهذا واجب عظيم يزداد تأكيداً إذا كنت ذا جاه في المجتمع أو صاحب منصب تحفه الرغبة و الرهبة، إذ إن للجاه زكاة تؤتى كما تؤتى زكاة المال فإن أديتها فقد قمت بالحق المفروض وإلا فقد أضعت وجحدت النعمة.
الوفاء والإخلاص: والوفاء هو الثبات على الحب في الله وإدامته إلى الموت وبعد الموت مع أولاده وأصدقائه؛ فإن الحب إنما يراد للآخرة، وكلما انقطع الوفاء بداوم الحب شمت الشيطان.
العفو عن الزلات والهفوات والتغاضي عن الأخطاء وستر العيوب وحفظ الغيبة: هفوة الصديق لا تخلو إما أن تكون في دينه بارتكاب معصية، أو في حقك بتقصير في الأخوة، لذلك يقول أبو الدرداء رضي الله عنه “إذا تغير أخوك وحاد عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى”.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يستر عبد عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة” رواه مسلم. وفي رواية: “من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة”.

ولله در من قال:           

إذا كنـــت في كــل الأمـور معاتباً         صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

فعش واحـــداً أو صـــل أخاك فإنه        مقـــارف ذنــبٍ تــارة ومجــــانبه  

ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها         كفى بالمرء نبلاً أن تعد معايبه 

وهذا التغاضي عن زلة الأخ والعفو عن زلاته لا يمنع من نصحه على انفراد مراعياً آداب النصيحة، ولا يسقط واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا وقع في الإثم، لأنه لا خير في أخوة المتآخين في الله إن لم يتواصوا بينهم بالحق، ولا وزن لهم عند الله إن لم يتناصحوا في الله.

ورحم الله من قال:         

تعمدني بنصحك بانفرادي         وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع         من التوبيخ لا أرضى استمــاعه

من الحقوق العامة: “إفشاء السلام -رد السلام- عيادة المريض – اتباع الجنائز – إجابة الدعوة – تشميت العاطس – إبرار القسم – نصرته ظالماً أو مظلوماً  – النصح له  – التنفيس عن المكروب – التيسير على المعسر – الابتعاد عن الأذى كالحسد والتباغض والظلم”. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حق المسلم على المسلم ست، قيل ما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه ” رواه مسلم. وفي حديث آخر يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يكذبه ولا يخذله”. كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. التقوى ها هنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم” رواه الترمذي. وفي حديث ثالث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا ” رواه البخاري.
الوسائل العملية لتعميق روح الأخوة بين المؤمنين
1- أن يخبر الأخ بصدق عاطفته تجاهه إذا أحبه (ويقول له إني أحبك في الله بلسان الحال والمقال) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه” رواه أبو داود والترمذي.

2- أن يطلب الأخ من أخيه الدعاء له إذا فارقه بظهر الغيب (لا تنسنا من دعائك)، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن لي وقال:”لا تنسنا يا أخي من دعائك” رواه أبو داود والترمذي. 

3- الابتسامة عند اللقاء: “لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق” رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه. 

4- المبادرة بالمصافحة: باليد مع الضغط عليها ضغطاً يشعره بالحب والعاطفة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا” رواه أبو داود عن البراء رضي الله عنه.

5- مناداته بأحب الأسماء إليه والكنية (يا أبا فلان).
6-الإكثار من زيارته والسؤال عليه لما روى مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتباذلين فىّ)، وأخرج الطبرانى بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال لأصحابه حين قدموا عليه: هل تجالسون؟ قالوا: لا نترك ذلك. قال: هل تزاورون؟ قالوا: نعم يا أبا عبد الرحمن، إن الرجل منا ليفقد أخاه فيمشى على رجليه إلى آخر الكوفة حتى يلقاه. قال: لن تزالوا بخير ما فعلتم ذلك. 

7- تهنئته في المناسبات السارة قال صلى الله عليه وسلم: “من لقي أخاه بما يحب ليسره سره الله عز وجل يوم القيامة”.

8 -مشاركته ومواساته في الأحزان.

9- الاهتمام بقضاء حاجاته. قال صلى الله عليه وسلم: “والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه” رواه الطبراني. 

10- تقديم الهدية إذا وجدت المناسبة وبطريق تشعره بالحب والتقدير. قال صلى الله عليه وسلم: “تهادوا تحابوا” رواه الطبراني.

11- أن يفسح له في المجلس.

12- الدعاء بظهر الغيب: لما رواه الإمام مسلم بسنده عن أبى الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة. عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل”.  وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: إني لأدعو لسبعين من إخواني في سجودي أسميهم بأسمائهم. كما أن الدعاء لأخيك في مماته بمنزلة الهدية له في حياته لذلك قال بعض السلف: أين الأخ الصالح؟ أهلك يقتسمون ميراثك ويتنعمون بما خلفت وهو منفرد بحزنك مهتم بما قدمت وما صرت إليه ويدعو لك في ظلمة الليل وأنت تحت أطباق الثرى.