في عام 1916، وعندما كان ممثلا بريطانيا وفرنسا "يشخبطان" بقلميهما على خريطة الإمبراطورية العثمانية؛ لتقسيم أراضيها بينهما، بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، كان هناك جنين يحاول مغادرة رحم أمه اليهودية البريطانية، ومعه ما يكفي من الشر والحقد لاعتبار مخطط سايكس- بيكو (التفتيتي) خطأ يجب أن يصحح! والخطأ (حسب اعتقاده) هو أن التفتيت لم يكن كافيا للدرجة التي تغرق العرب والمسلمين في حروب أهلية باسم القومية، أو الطائفية، أو القبلية، فتسلبهم مقومات النهوض والنهضة.. ومن ثم، فإن "فتافيت" سايكس- بيكو بحاجة إلى مزيد من التفتيت!

إنه المؤرخ والمستشرق برنارد لويس، البريطاني المولد، اليهودي الديانة، الصهيوني الهوى والانتماء، الأمريكي الجنسية، عراب التطرف والعدوان الذي طال بلاد العرب والمسلمين أثناء رئاستي آل بوش (الأب وابنه)، وخلف ملايين القتلى والمعاقين والنازحين واللاجئين، فضلا عن الدمار الهائل للبنية التحتية وأسباب الحياة، منذ حرب العراق، مرورا بحرب أفغانستان، وانتهاءً بحرب غزة التي تخوضها الولايات المتحدة بالإصالة عن نفسها، وليس نيابة عن "إسرائيل" كما يظن البعض!

 خارج بلاد النوبة تجمعات "مغلقة" مترابطة ومحافظة على عاداتها وتقاليدها حد التقديس، وكثير منهم (إن لم يكن كلهم) يشعرون بالغبن والاضطهاد والتهميش، منذ عهد عبد الناصر الذي غمر أراضيهم بمياه النيل وهجرهم منها، أثناء بناء السد العالي، ووعدهم بالتعويض ولم يفعل، ولم تتم تسوية أوضاعهم حتى اليوم، ما يعني أن هناك أسبابا "موضوعية" للتمرد والانفصال إذا سنحت الفرصة!


 الوطن لم يأت به العرجاني، أو بالأحرى لم يرتكبه، بدعم مباشر من الجنرال المنقلب الذي أقسم بالله العظيم (حانثا) أن يحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه؟!

على من يريد تبرئة الجنرال المنقلب من هذه الخيانة العظمى (إطلاق صافرة التقسيم) أو "نزع أول إقليم من مصر" أن يتذكر بيعه تيران وصنافير للسعودية، وتنازله عن حصة مصر التاريخية في مياه النيل، وتفريطه في مياه مصر الاقتصادية في شرق المتوسط، وما بها من غاز وبترول، لصالح العدو الصهيوني وقبرص اليونانية واليونان؛ نكاية في تركيا، وبيع أصول مصر لكل من هب ودب! نحن أمام "عدو حقيقي" لمصر، وليس أمام "مصري خائن" فحسب!

كل ذلك جرى تحت سمع وبصر صبري نخنوخ البلطجي الذي خرج من السجن بعفو من الجنرال المنقلب؛ ليترأس شركة "فالكون"، أكبر شركة حراسات خاصة في مصر والتي تملكها الأجهزة الأمنية ويعمل فيها ضباط سابقون!

فهل يسكت نخنوخ؟ طبعا لا..

عمل إيه نخنوخ؟

ولا حاجة.. أرسل برقية تعزية (منشورة) إلى رئيس مجلس السيادة في السودان عبد الفتاح البرهان، يُعرب فيها عن تعازيه ومواساته في وفاة نجل البرهان في حادث سير بتركيا!

يخلص الموضوع على كده؟ طبعا
تقع عيني هذا الصباح على سيدة مصرية تناشد "المعلم صبري نخنوخ" التدخل لحمايتها من أشخاص ادعت أنهم اعتدوا عليها، وألقوا بأثاث بيتها في الشارع!

مصري في غزة يناشد العرجاني إخراجه منها، ومصرية تناشد نخنوخ التدخل لحمايتها من بلطجية مثله.. فأين مؤسسات الدولة؟ أين الخارجية والداخلية؟ الكل غياب بأمر الجنرال المنقلب!

العرجاني ونخنوخ يتمددان خارج مصر.. الأول يخاطب الأمين العام للأمم المتحدة من الإعلام الرسمي للدولة بعد قطع البث، والخر يعزي رئيس دولة في وفاة نجله! وعلينا ألا نغفل خلفية كل من العرجاني (العربي) الذي أعلنت السلطة المركزية قيام دويلته في إعلامها الرسمي، ونخنوخ (القبطي) الذي يعيش تحت "الاحتلال العربي" وتسعى كنيسته للتحرر من هذا "الاحتلال"!

فين أيام "السيادة" الجميلة التي حاكم فيها عبد الناصر نفرا من الإخوان المسلمين بتهمة "مقابلة مستر إيفانز" الدبلوماسي البريطاني في القاهرة، رغم أنه هو الذي طلب إلى الإخوان الاتصال به؛ لمعرفة شروط الإنجليز للجلاء عن مصر!

أيها المصريون.. إذا كان الجنرال المنقلب ياسر جلال هو المجرم الأول في هذه الخيانة العظمى (تقسيم مصر)، فإن كل من خرج على الرئيس محمد مرسي وسعى لإسقاطه شريك له في هذه الخيانة التي لا تسقط بالتقادم، كل على قدر ما قام به، ليس هذا فحسب، بل إن كل النخبة المصرية في الداخل والخارج (وأنا من جملتهم) شركاء في هذا الخيانة إن لم نعمل جاهدين على إجهاض هذا المخطط التفتيتي الذي لا يزال في بدايته.


كتب / أحمد عبد العزيز 
المصدر عربي 21