من قلب العاصمة الصيفية لمصر، ومن المقر الحكومي الثالث بمدينة العلمين الجديدة (شمال غرب)، وبعيدا عن حرارة القاهرة التي تعدت 40 درجة مئوية، قررت الحكومة المصرية رفع أسعار الوقود للمرة الثانية خلال العام الجاري، رغم انخفاض سعر الوقود عالميا، ورغم تأكيد الحكومة الجديدة ببيانها أمام البرلمان قبل أيام، حماية الطبقات الفقيرة. 

الأمر الذي فاقم من حالة الغضب الشعبي المتصاعدة، مع تواصل سوء الأوضاع المعيشية والمالية والاقتصادية والاجتماعية لأكثر من 106 ملايين مصري، يعانون من تفاقم معدلات تضخم وفقر وصلت رسميا إلى 32.5 بالمئة في عام 2022، في رقم يراه اقتصاديون ضعف ذلك. 

"الصب في المصلحة" 
لكن القرار الذي فاجأت به حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، المصريين فجر الخميس، المقرر كإجازة رسمية للعاملين في الدولة بمناسبة ثورة 23 تموز/ يوليو 1952، يأتي استكمالا لسلسلة قرارات رفع أسعار الوقود التي وصلت إلى 8 مرات منذ العام 2016، والتي تتم دائما في أيام الإجازات، ويطلق عليها المصريون أيام "الصب في المصلحة". 

الجريدة الرسمية المصرية نقلت عن وزارة البترول قرار زيادة أسعار البنزين بأنواعه بنسبة 15 بالمئة، وذلك إلى جانب السولار والمازوت الصناعي، وذلك للمرة الثانية خلال العام بعد قرار آذار/ مارس الماضي.
ليصل سعر لتر بنزين (80) أو ما يعرف ببنزين الفقراء؛ كونه أقل جودة من 11 إلى 12.25 جنيها (0.25 دولار) بزيادة تقدر بنسبة 11.4بالمئة، مقابل زيادة بنسبة 10 بالمئة على (بنزين 92) مرتفعا من 12.5 إلى 13.75 جنيها، مع رفع بنزين (95) من 13.5 إلى 15 جنيها في زيادة تقدر  بـ11.1 بالمئة. 
كما شهد السولار، أكثر أنواع الوقود ارتباطا بالطبقات الفقيرة واستخداما بالسوق المحلية، زيادة سعره من 10 جنيهات إلى 11.50 جنيها (0.24 دولار)، بنسبة 15 بالمئة، وذلك برغم أن حكومة السيسي كانت تستثني السولار أحيانا لأهميته وخطورة تبعات رفع سعره، من قرارات رفع أسعار الوقود التي تكررت السنوات الماضية. 

"من 2016 وحتى 2024" 
ووفق رصد أعدته أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة الدكتورة علياء المهدي، فإنه منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 وحتى تموز/ يوليو الجاري، زاد سعر بنزين (80) من 2.35 جنيه للتر إلى 12.25 جنيها، بمعدل 4.2 مرة خلال 8 سنوات. 

كما زاد سعر بنزين (92) من 3.5 جنيه للتر إلى 13.75 جنيها، بقيمة زيادة تصل إلى 3 أضعاف، فيما زاد بنزين (95) من 6.5 جنيهات للتر إلى 15 جنيها، مسجلا زيادة بمقدار 1.3 مرة بالفترة المذكورة. 
أما أنبوبة غاز البوتاغاز ذات الاستخدام المنزلي، فقد ارتفع سعرها من 15 جنيها إلى 110 جنيهات في ارتفاع بمقدار 6.3 مرة، فيما زاد سعر السولار من 2.35 جنيه إلى 11.5 جنيها، بمقدار زيادة نحو 4 مرات في 8 سنوات. 

وإثر الزيادة الجديدة، وعلى الفور، رفع المحافظون تعريفة ركوب المواصلات بمعدل من 10 إلى 15 بالمئة، وهي التعريفة التي لا يلتزم بها سائقو السرفيس والميكروباص ويضاعفون الأجرة لتقليل خسائرهم، ما يزيد الضغوط المالية على المواطنين، وفق تأكيد بعض الركاب. 

ورفعت محافظة القاهرة والجيزة تعريفة ركوب السرفيس وأتوبيسات والنقل العام ووسائل النقل للأقاليم والتاكسي الأبيض، كما أن شعبة المخابز في اتحاد الغرف التجارية، أكدت أن سعر رغيف الخبز السياحي سيشهد زيادة عقب رفع سعر السولار، فيما أعلنت شعبة الدواجن تأثر أسعار الأعلاف والنقل برفع السولار، ومن ثم زيادة أسعار الفراخ البيضاء. 

"أجواء القرار" 
المثير، أن زيادة أسعار البنزين والسولار تتزامن أو تأتي بعد عدة أمور مثيرة للجدل في الشارع المصري، وفق خبراء ومراقبين، وهي كالتالي: 

أولا: قرار زيادة أسعار المحروقات، سبقه جدل كبير أحدثه صندوق النقد الدولي باستبعاد مصر من جدول اجتماع مجلسه التنفيذي، وتأجيله من 7 تموز/ يوليو الجاري إلى 29 من الشهر ذاته، ثم عدم إدراج مصر في الأجندة للمرة الثانية الأحد الماضي، ليُحدث الأمر ضجة قام الصندوق على إثرها بوضع اسم مصر مجددا لمناقشة حالتها، الاثنين المقبل. 
ثانيا: ما أثير عن إصرار صندوق النقد الدولي على فرض إجراءات وقرارات حتى تمرير المراجعة الثالثة لقرض الثمانية مليارات، وحصول مصر على نحو 2 مليار دولار، 820 مليون دولار قيمة الشريحة الثالثة للقرض، وتمويل جديد بقيمة 1.2 من صندوق الأزمات التابع للصندوق. 

وهو ما دفع اقتصاديين للتأكيد أن زيادة أسعار المحروقات جاءت بأمر الصندوق، وأن إعادة اسم مصر في مناقشات المجلس التنفيذي للصندوق، جاء بعد رضوخ القاهرة وتنفيذها قرارات رفع الدعم، وأولها رفع أسعار الوقود قبل الاجتماع.
ثالثا: إعلان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي برنامج حكومته أمام البرلمان في 8 تموز/ يوليو الجاري، مؤكدا أن هدف حكومته تحقيق تطلعات المواطن، وتحسين واقع حياته بجميع جوانبها، وهو ما ناقضه بإعلانه الأربعاء، تحريك أسعار الوقود مدة عام ونصف حتى نهاية 2025. 
"إرضاء الصندوق.. وتعهدات لا نعرفها" 
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب: "واضح أن هناك مشكلة بالمفاوضات مع الصندوق، وعندما تم شطب مصر من جدول أعماله 9 تموز/ يوليو الجاري، واضح أنه كانت هناك رسالة قوية بأن مجلس المديرين التنفيذيين لن يقبل إلا بتنفيذ الجزء الأكبر من تعهدات مصر لأجل قرض الثمانية مليارات". 

وفي حديثه ، أضاف وكيل وزارة التجارة والصناعة للبحوث الاقتصادية سابقا: "وأنه لن يتم الإفراج عن الشريحة الرابعة بقيمة 820 مليون دولار، إلا بعد أن تمر المراجعة الثالثة بالشكل الذي يراه صندوق النقد مناسبا".