أطلقت إيران ليلة الأحد، وللمرة الأولى في التاريخ، 185 طائرة مسيّرة، و36 صاروخ كروز، و110 صواريخ أرض ـ أرض عابرة أجواء الأردن وسوريا والعراق ولبنان في اتجاه أهداف إسرائيلية، في هجوم استمر قرابة 5 ساعات.
وأقرّ مسؤول أمريكي كبير لقناة إخبارية أن القوات الأمريكية اعترضت أكثر من 70 طائرة بدون طيار و3 صواريخ باليستية (من قواعدها في سوريا والعراق وكذلك من سفن حربية في البحر المتوسط) وشاركت في الاعتراض طائرات بريطانية (من قاعدة في قبرص) كما أسهمت منظومات الاعتراض الصاروخية الإسرائيلية (آرو) ومنظومة القبة الحديدية في عملية الصدّ، كما أقرت فرنسا بالمساعدة، وقال الأردن إنه اعترض أجساما طائرة انتهكت مجاله الجوي.
تحدثت إيران عن وصول 50٪ من المقذوفات وعن نجاحها في استهداف «المركز الاستخباري» الذي وفّر المعلومات المطلوبة لقصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وقاعدة نوفاطيم (التي أقلعت منها طائرات إف 35 لشن الضربة في الأول من إبريل الماضي) قائلة إنها أحدثت أضرارًا جسيمة في الموقعين، وفقًا لـ"القدس العربي".
الجيش الإسرائيلي، من جهته، تحدث عن إسقاط 99٪ من المقذوفات زاعمًا أن 7 صواريخ باليستية فقط تمكنت من ضرب إسرائيل، لكن شهود عيان تحدثوا عن «عشرات الطائرات المسيرة» وهو ما يعني أن الرقم الإسرائيلي مبالغ فيه، إضافة إلى أن صافرات الإنذار انطلقت في 750 موقعًا إسرائيليًا.
تمثيلية الضربة الإيرانية معدة مسبقًا
وكشف مصدر دبلوماسي تركي، الأحد، عن تبادل رسائل بين طهران وأنقرة وواشنطن خلال الأيام التي سبقت العملية الإيرانية ضد إسرائيل.
وقال بلوماسي تركي لرويترز إن طهران أبلغت أنقرة مسبقًا بعمليتها ضد إسرائيل التي جاءت ردًا على قصفها للقنصلية الإيرانية في دمشق، وأن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان تحدث إلى نظيريه الأمريكي والإيراني، وفقًا لـ"الجزيرة"
وقال المصدر "أبلغتنا إيران مسبقًا بما سيحدث. كما تطرقنا للتطورات المحتملة خلال الاجتماع مع بلينكن".
وحسب المصدر الدبلوماسي التركي، فإن واشنطن أخطرت طهران عبر أنقرة بأن عمليتها يجب أن تكون "ضمن حدود معينة".
وتابع "ردًا على ذلك، قالت إيران إن تحركها سيكون ردًا على هجوم إسرائيل على سفارتها في دمشق وإنها لن تتجاوز ذلك".
وكانت إيران المجاورة لتركيا توعدت بالانتقام لقصف إسرائيل قنصليتها في دمشق مطلع إبريل الجاري، والذي أسفر عن مقتل 7 من ضباط الحرس الثوري الإيراني.
محدودية الهجوم الإيراني مقصودة
التحليلات العسكرية البحتة للهجوم لا تفهم مقاصده الحقيقية، ومن ذلك الكلام عن «خطأ إستراتيجي» من إيران عبر قرار بدئها الهجوم بالمسيّرات، التي تحتاج عدة ساعات للوصول، وهو ما «سمح لإسرائيل بالاستعداد» وهذا «التحليل» يتجاهل أن طهران أعلمت بلدان الإقليم، بموعد الهجوم قبل 72 ساعة، وأن البدء بتحريك المسيّرات قبل إطلاق الصواريخ، هو قرار سياسي يستهدف تحقيق المقصود من الإعلان «محدودية» الهجوم، لكنه، رغم كل ذلك، حدث إستراتيجي فاصل يغيّر المعادلات السابقة عليه، وفي صلبها أن خرق إسرائيل لقواعد الاشتباك، الذي حصل مثاله في قصف القنصلية في دمشق، سيؤدي إلى رد يعادله.
ويقول الخبير العسكري اللواء فايز الدويري، عن الأسلحة التي استخدمت بهذا الهجوم، إن إيران لديها العديد من المنظومات الصاروخية منها كروز والمجنحة، والتي تتطلب نحو ساعتين من أجل بلوغ إسرائيل. وكذلك الفرط صوتية التي لا تحتاج أكثر من 13 دقيقة.
وأضاف إن إيران لم تستخدم صواريخ فرط صوتية في هذه الضربة، وإنها ربما تحتفظ بها لأي عمل قادم إذا ردت إسرائيل على هذا الهجوم.
ميزان جديد للرعب
زلزلت إيران، بهذه العملية، المنطقة بأكملها، فأقفل الكثير من دول الإقليم أجواءه ومنع الطيران، وطالب الكثير من دول العالم المواطنين بعدم زيارة المنطقة، واضطرت الدول الغربية الكبرى للمشاركة الفاعلة في اعتراض الهجوم، وبذلك نصبت إيران ميزانًا جديدًا للرعب تتحمل إسرائيل مفاعيل خطورته، الإقليمية والعالمية، في حال أرادت رفع مستوى الصراع واستهداف طهران مباشرة.
وفي الإطار ذاته، فقد أعلنت إيران أنه في إطار حقها بالرد على الاعتداء الإسرائيلي، استهدفت القاعدة العسكرية “نيفاتيم” التي انطلقت منها الطائرات التي قصفت القنصلية الإيرانية، وهي القاعدة التي تضم مقاتلات إف 35. كانت إسرائيل تدرك استهداف أهداف عسكرية، وعليه، كيف نجح صاروخ أو صاروخان في ضرب هذه القاعدة العسكرية التي تعتبر من ضمن المنشآت الأكثر تحصينا في إسرائيل، بينما ستخطئ الصواريخ مناطق أخرى أقل تحصينا؟
لقد سبق للجيش الإيراني أن تدرب بداية يناير الماضي ضمن مناورات “الرسول الأعظم 18” على ضرب هذه القاعدة، وتدرك إسرائيل أنها مستهدفة، فلماذا فشلت في حمايتها؟ كيف سنفسر تصريحات مراسل “سي إن إن” نيك روبرتسون، الذي قال مباشرة في تغطية له من القدس: “لم يسبق لي أن شاهدت سماء إسرائيل هكذا”، وفقًا لـ"القدس العربي".
ومن جهة أخرى، فإن وزارة الدفاع الإسرائيلية تمارس رقابة مشددة على جميع الأخبار المتعلقة بالحرب والمؤسسة العسكرية، وكل من خرق هذه الرقابة يعرض نفسه للعقوبات بما فيها السجن. واعتاد الجيش تقديم معطيات غير صحيحة عن الحرب، إذ بعد مرور سنوات على حرب الخليج الأولى، اعترفت إسرائيل بأن نظام باتريوت لم يعترض كل صواريخ سكود التي أطلقها صدام حسين. وبعد مرور سنوات، اعترفت إسرائيل بإلحاق حزب الله أضرارًا بـ127 دبابة من نوع ميركافا، وسقوط قتلى لم تعلن وقتها عنهم. وتمارس إسرائيل رقابة كبيرة على أخبار حرب قطاع غزة.
زخم الدعم الغربي لإسرائيل
وأعاد الهجوم الإيراني زخم الدعم الغربي لإسرائيل، وهو ما يمكن أن ينعكس سلبًا على الفلسطينيين، سواء في غزة التي دخلت أمس اليوم 190 من الإبادة الجماعية الجارية، أو في الضفة الغربية التي تعاني من تصاعد كوابيس التطهير العرقي من المستوطنين المدعومين من جيش الاحتلال وحكومته العنصرية.
معلوم تاريخيًا أن حكومات إسرائيل، السابقة والحالية، لا يمكن أن تتوقّف عن الحرب إلا إذا فرض عليها ذلك من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، فهل يكون احتمال التصعيد الخطير الذي قد ينفتح على وضع يمكن أن يحرق المنطقة بأكملها، دافعًا لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لفرض وقف حكومة الحرب الإسرائيلية، بعد أن امتنع حتى الآن، رغم انغماس إسرائيل في إبادة الفلسطينيين، من هذا القرار؟