أكد مدير مركز "عروبة" للأبحاث والتفكير الاستراتيجي (مستقل مقره غزة) المحلل السياسي، أحمد الطناني، أن اغتيال قوات الاحتلال الإسرائيلي لثلاثة من أبناء رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، وعدد من أحفاده، بقصف مركبتهم، عصر أمس الأربعاء، يحمل الكثير من الدلالات.

وفي حديث قال الطناني، إن "هنية وعائلته تحملوا الكثير من المزايدات خلال الأشهر القليلة الماضية، لكنهم تعاملوا معها من منطق أن من يتصدر العمل العام معرض للانتقاد والمزاودة، وحتى أكثر من ذلك.. وهذا سلوك مهم أمام قدسيات الزعماء في منطقتنا وعائلاتهم"، وفقًا لـ"القدس العربي".

وتابع: "استشهاد أبناء هنية وأحفاده في مخيم الشاطئ، إشارة واضحة إلى أنهم رفضوا النزوح لا من غزة ولا حتى من المخيم المدمر والمهدم، وجاعوا مع أبناء شعبهم وارتقوا شهداء ضمن شهداء حرب الإبادة المستمرة بحق الشعب الفلسطيني".

وأضاف: "الثبات والصمود اللذان اتسم بهما هنية لحظة استقبال الخبر والخطاب المتماسك والمتزن الذي قدمه في مقابلته مع فضائية الجزيرة القطرية، يعكس إيمانًا حقيقيًا وعقيدة راسخة".

وختم بقوله: إن "اللحظة التاريخية الحساسة، بالتزامن مع مرور مفاوضات التهدئة بعنق الزجاجة.. فإن هذه التضحية التي أرادها الاحتلال عقابًا ستزيد مفاوضي المقاومة تماسكًا أولًا، كما تزيدهم شرعية عُمدت بدماء أبنائهم مع أبناء شعبهم".

 

نفاد ذخيرة الإشاعة

بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي، محمد القيق، إنه باغتيال أبناء هنية وأحفاده أعلنت "إسرائيل" نفاد ذخيرة الإشاعة وهي "سلاحها الإستراتيجي لتشويه صورة المقاومة وقياداتها".

وتابع "مزاعم الاحتلال أنهم (أبناء هنية) أعضاء جناح عسكري وفي منطقة مدمرة، فإن اغتيالهم نسف للإشاعة أنهم أول الفارين والمتنعمين برغد الدنيا".

لكن الأهم، وفق القيق، أن "إسرائيل أدركت أن ارتدادات الاغتيال كبيرة جدًا لصالح هنية وحركة حماس، والمقاومة عمومًا، وأن حدث الاغتيال قد رفع أسهم ورصيد المقاومة لدى الجمهور الفلسطيني والعربي وأنصار القضية الفلسطينية، إضافة لرفع رصيد قيادة المقاومة لدى جمهور قطاع غزة، الذي يعاني الذبح والقتل والتجويع يوميًا ويعاني أبناء القيادة ذات الوضع".

وتابع: "بالتالي يعمد الآن جيش الاحتلال ووسائل الإعلام العبرية إلى محاولة التقليل من حجم الحدث وتحويله إلى استهداف تكتيكي ضمن العمليات المعتادة باستهداف نشطاء المقاومة، وعدم نسب الأمر أنه استهداف مباشر لهم، لأنهم أبناء هنية، متناسيًا أن في الأمر فخرًا مضاعفًا أن أبناء القيادة هم مقاتلون يؤدون واجبهم الوطني جنبًا إلى جنب مع رفاقهم في ميادين القتال".

 

ضغط على المفاوضات

ويؤكد الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي مصطفى إبراهيم "أن عملية الاغتيال تأتي في سياق الضغط على حركة حماس، رغم أن إسرائيل تعلم عنوان سكنهم في مخيم الشاطئ، وأنهم ليسوا مقاومين ولا يشكلون خطرًا عليها، وهو تصعيد خطير من الجانب الإسرائيلي".

ولهذا التصعيد من جانب إسرائيل هدف واضح، وهو برأي إبراهيم "ممارسة الضغط على حماس في خضم مباحثات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، غير أنه يثبت مرة أخرى أن إسرائيل غير معنية بإنجاح هذه المباحثات، وفي هذه المجزرة استهتار كبير بموقف الولايات المتحدة ورغبتها في تحقيق صفقة تؤدي إلى وقف إطلاق النار"، وفقًا لـ"الجزيرة".

"إسرائيل أرادت من وراء جريمة الاغتيال أن تقول إنها مستمرة في الحرب، وعلى حماس أن تقدم التنازلات وتلين من مواقفها، وأن هذه الحرب بلا خطوط حمر ولا حصانة فيها لأحد، حتى لأبرز قادة فصائل المقاومة وأسرهم وأبنائهم وأحفادهم الصغار" حسبما يعتقد إبراهيم.

 

تخبط وانتقام

ويتقاطع موقف رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبد العاطي مع ما ذهب إليه إبراهيم، ويقول إن "إسرائيل بهذه الجريمة تستكمل فصول جرائم الإبادة الجماعية، وهدفها الواضح هو الضغط على المكتب السياسي لحماس ورئيسه أبو العبد هنية، وإيلامه والانتقام منه على خلفية مقارعة الاحتلال".

هذه الجريمة يصنفها عبد العاطي بأنها "ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، وتسجل ضمن سلسلة الجرائم المرتكبة بحق المدنيين والقيادات السياسية".

وبرأي أستاذ العلوم السياسية الدكتور حسام الدجني فإن عملية الاغتيال تعكس حالة من التخبط يعانيها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ويقول "إسرائيل عندما تفشل في الوصول إلى قادة حماس والمقاومة فإنها تنتقم منهم بقتل أبنائهم".

ويضيف الدجني "لكن ما لا يعلمه نتنياهو أن مثل هذه العملية تؤكد أن قادة حماس وأبناءهم هم بين أوساط شعبهم، ولم يغادروا كما عملت الماكينة الإعلامية المناصرة لإسرائيل وترويجها بأن أبناءه في فنادق قطر وفي عواصم أخرى، اليوم تؤكد هذه الجريمة أن نتنياهو متخبط ولا يعلم ماذا يفعل".

وقال "أبناء هنية ليسوا أغلى من أبناء الشعب الفلسطيني، ولكن اللجوء إلى اغتيالهم يثبت فشل نتنياهو في الوصول إلى قادة المقاومة بوزن هنية والسنوار، وتعكس جريمة الاغتيال أن نتنياهو يمارس سياسة العقاب الجماعي في مخالفة للقانون الدولي، بمعنى بمجرد أنك ابن أو قريب لأحد قادة حماس فأنت مستهدف".

ويعتقد الدجني أن "إسرائيل أرادت أن تؤلم وتوصل رسالة للسيد هنية، بأن يقدم تنازلات بالمفاوضات، وهي لا تدري أنها خدمت هنية وحماس، وأكدت أن قادتها وأبناءهم هم جزء من هذا الشعب، ومن هو بالخارج منذ فترة طويلة فهذا من متطلبات العمل، وهو ما حاولت حماس أن تقوله لفترة طويلة، ولكنها اليوم تثبته بدماء أبناء قادتها".

 

عيدك في الجنة يا حبيبي

ومن جهتها، ودّعت زوجة حازم إسماعيل هنية، زوجها وابنتيها، بكلمات مؤثرة، بعد اغتيالهم ظهر الأربعاء، في قصف استهدف سيارتهم في مخيم الشاطئ غرب غزة.

وقالت زوجة حازم، وهي تجلس أمام جثامين زوجها وابنتيها داخل القبر الذي دفنوا فيه: “سلم على الرسول وسلموا على الشهداء، واحنا من الصابرين، قدمتك لله، والله يرحمكم، الله يسهل عليك يا حافظ الكتاب”، وفقًا لـ"المركز الفلسطيني للإعلام".

وتابعت: “خسئوا.. حازم عاش ما مات، بإذن الله ذهبتم للنعيم، أنا أم شهيدات وزوجة شهيد لا تناشدوا العرب هم الأموات وأنتم الأحياء”.

وقبل مواراتهم في التراب قالت: “عيدك في الجنة يا حبيبي، عيدكم في الجنة يما”.

 

محاولات يائسة من عدو فاشل

وقالت حركة حماس، إنَّ استهداف جيش الاحتلال النازي لقادة الحركة وأبنائهم وعائلاتهم لن تزيدهم إلاّ ثباتًا وإصرارًا على مواصلة المعركة حتى دحر الاحتلال وتحقيق تطلعات شعبنا في التحرير والعودة.

وشددت حماس في بيان لها، على أن هذه محاولات يائسة من عدو فاشل في الميدان ومذعور من ضربات المقاومة وبسالتها وكمائنها المحكمة ضد جيشه الجبان.

وأكدت أن هذه المحاولات لن تفلح في كسر إرادة الصمود لدى كل أبناء الحركة والشعب الفلسطيني العظيم في قطاع غزَّة، ولن تزيدهم إلاّ ثباتًا وإصرارًا على مواصلة المعركة حتى دحر الاحتلال وتحقيق تطلعات شعبنا في التحرير والعودة.

وباركت حماس بكلّ آيات الفخر والاعتزاز، وبمزيد من الرّضا والتسليم والإيمان والصَّبر والثبات على درب ذات الشوكة، ومواصلة مسيرة طوفان الأقصى البطولية، للقائد إسماعيل هنية، ارتقاء سبعة من أبنائه وأحفاده، وهم الشهداء: حازم وأمير ومحمد وأولادهم: منى وآمال وخالد ورزان.

وأشارت إلى أنهم استشهدوا إثر غارة صهيونية غادرة وجبانة استهدفتهم في مخيم الشاطئ في أول أيام عيد الفطر المبارك، وهم ملتحمون مع شعبهم في خندق واحد، ليلتحقوا بركب نحو ستين شهيدًا من شهداء آل هنية الكرام الأبطال، وقوافل شهداء شعبنا الميامين الأبرار في معركة طوفان الأقصى.

وأكدت أنَّ شعبنا بكلّ مكوّناته وأطيافه موحّد في طريق التحرير والعودة، في البذل والعطاء والصبر كما في التضحية والفداء والاستشهاد، ويقدّم من دماء وأرواح قادته ورموزه وأبنائهم وأحفادهم، كما يقدّم كلّ أبناء الشعب الفلسطيني في هذه المسيرة المباركة.

وقالت: يتوهّم الاحتلال حالمًا أنَّ تصعيد إرهابه وحرب الإبادة الجماعية وقصفه الهمجي ضد المدنيين العزّل من أبناء شعبنا في قطاع غزَّة، سيحقّق له إنجازًا في مسار المفاوضات بعد فشله الذريع في تحقيق أيّ من أهدافه العدوانية.

وأكدت أن هذه الدماء الزكيّة التي سالت على أرض غزَّة العزَّة اليوم، وهذه التضحيات والبطولات، ستكون وقودًا يقوّي الحاضنة الشعبية للمقاومة، ويلهب المقاومة ضد العدو الصهيوني، ويُذكي عزائم المجاهدين على الأرض حتى دحر الاحتلال وزواله.