تعيش الأمهات الغزيات حالة من الألم والصمود تجاه الظروف القاسية التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على أرضهن، وفي يوم الأم هذا العام تمتزج آهات الأمهات مع روح الاحتفال في فلسطين، حيث تتعايش الفرحة بالأمومة مع حزن الفقد والمعاناة.

وبالرغم من تعرضهن للقمع والعنف والاعتقالات، إلا أن الأمهات الغزيات يواصلن تقديم أروع الأمثلة في التضحية والصمود تحت شعار الحياة والحرية، وتواجه هذه النساء تحديات لا تصدق في الحصول على الرعاية الطبية والمساعدة الإنسانية الأساسية، وذلك في ظل القصف العشوائي والحصار المفروض على قطاع غزة.

 

استشهاد 9 آلاف امرأة

وقالت المديرة التنفيذية لتمكين المساعدة القانونية وحقوق الإنسان، ليندا كلش، إنه  منذ إعلان الحرب على قطاع غزة وحتى اليوم استشهدت نحو 9 آلاف امرأة، وأُصيبت نحو 25 ألفًا، أما ممن حالفهن الحظ بلا مأوى أو طعام أو شراب، ويرضعن أطفالهن دموعًا، وبدلًا من أن تكون الأمومة مناسبة للاحتفال أصبحت في غزة، خروج طفل آخر إلى الحياة دون رعاية صحية له ولوالدته.

ويصادف اليوم الخميس 21 من مارس، اليوم العالمي للأم، أو كما يُطلق عليه في العالم العربي "عيد الأم"، إلا أن هناك 37 أمّا يُستشهدن يوميًا في غزة، في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة المحاصر لليوم الـ167، وفق ما أعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني اليوم الخميس.

كما توثق البيانات إعدامات ميدانية لنساء حوامل كن يرفعن الرايات البيضاء وهن في طريقهن إلى مستشفى العودة، وفي غزة تواجه الأمهات تحديات تفوق الخيال في الحصول على الرعاية الطبية الكافية والتغذية والحماية قبل وأثناء وبعد الولادة، فهنالك 60 ألف حامل يعانين سوء التغذية والجفاف وانعدام الرعاية الصحية المناسبة بحسب أرقام رسمية.

 

28 أسيرة يحرمهن الاحتلال الإسرائيلي من أبنائهن

قالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطينيّ، إنّ (28) أسيرة من الأمهات وهنّ من بين (67) أسيرة يقبعنّ في سجون الاحتلال الإسرائيليّ، ويحرمهنّ الاحتلال من عائلاتهنّ وأبنائهنّ، من بينهنّ أمهات أسرى، وزوجات أسرى، وشقيقات أسرى، وشقيقات شهداء، وأسيرات سابقات أمضوا سنوات في سجون الاحتلال الإسرائيليّ، إضافة إلى أم لشهيد وهي الأسيرة الأم فاطمة الشمالي، وجريحة وهي الأسيرة الأم رنا عيد.

وأضافت الهيئة والنادي في بيان مشترك اليوم الخميس، أن الإبادة الجماعية متواصلة بحقّ الفلسطينيين في غزة، والتي أدت إلى استشهاد الآلاف من الأمهات والأطفال، وحرم الآلاف من الأبناء والأطفال من أمهاتهنّ كما حُرمت الآلاف من الأمهات من أطفالهنّ، هذا عدا عن الأسيرات الأمهات من غزة المعتقلات في المعسكرات الإسرائيليّة، ويواصل الاحتلال تنفيذ جريمة الإخفاء القسري بحقّهنّ، علمًا أنّ الاحتلال، وبعد السابع من أكتوبر نفّذ اعتقالات جماعية واسعة بحقّ النساء في غزة، وكان من بينهنّ أمهات وجدّات، واليوم من بين الأسيرات في سجن الدامون أربع أسيرات من غزة منهنّ أسيرتان ووالدتهم.

وأوضحت الهيئة والنادي أنّ الجرائم والانتهاكات التي نفّذها الاحتلال الإسرائيليّ بحقّ الأسيرات ومنهنّ الأمهات بعد السابع من أكتوبر تصاعدت بشكل غير مسبوق، وكانت من أبرز الجرائم التي وثقتها المؤسسات، اعتقال الأمهات كرهائن للضغط على أزواجهنّ أو أبنائهنّ المستهدفين من قبل الاحتلال، واحتجازهنّ في ظروف قاسية وصعبة جدًا، هذا عدا عن عشرات الأمهات اللواتي اُعْتُدِي عليهنّ في منازلهنّ خلال عمليات الاقتحام والاعتقال التي تمت لأفراد من أسرهنّ، وإخضاعهنّ لتحقيقات ميدانية، وإلى جانب كل ذلك فقد صعّد الاحتلال من الاعتداءات الجنسية بحقّهنّ، أبرزها التّفتيش العاري، إضافة إلى الجرائم الطبيّة التي تنفّذ بحق الأسيرات المريضات منهنّ.

 

الأم الغزية صانعة الأبطال وعنوان الصمود

ومن جهته قال الاختصاصي الاجتماعي مدير جمعية العفاف الخيرية، مفيد سرحان، إن الأم في غزة هي المربية وصانعة الأبطال، وبانية الأجيال، وهي التي حملت على عاتقها تربية جيل المقاومة والتحرير، وهي عنوان الصمود وصانعة الصبر.

والأم في غزة "هي عظيمة في كل مواقعها فهي المجاهدة، وأم الأبطال، والشهيدة، وأم الشهيد، والأسيرة، وأم الأسير، والجريحة وأم الجريح"، وفق سرحان.

وأضاف: هي التي تربي الأبناء على الصبر والمصابرة والمرابطة وهي قدوتهم في كل ذلك، وهي الأم الحنون بالرغم من جرائم العدو الصهيوني وقد ربت الجيل على القيم والفضيلة.

وتابع سرحان: "الأم في غزة  مدرسة تعمل في كل الظروف ولم يوقفها عن أداء رسالتها القصف والعدوان والحصار وحرب الابادة، وهي روح الأسرة التي تبث فيها الحياة وتمنحها التفاؤل والإصرار على التضحية والصمود، وقد ارضعت أبنائها أن الجوع لن يكسر الإرادة".

وأكد سرحان "أنها  قدوة لكل أمهات العالم ومحل التقدير والإعجاب، كانت عصية على كل برامج المنظمات المشبوهة ودول الاستعمار التي تعمل على تمزيق الأسرة وحرف المرأة عن أداء رسالتها العظيمة وجعلها في صراع مع الرجل، وهي بهذه المناسبة لا تنتظر بيانات المنظمات النسوية ولا تعنيها الاحتفالات الصاخبة ولا تلهث وراء المظاهر".

وختم قائلًا أن "الأم في غزة تخرج من تحت الأنقاض رافعة رأسها وتهتف للحرية، ملتصقة بأرضها، ترفض التهجير بالرغم من مرات النزوح، وتدفن زوجها وأبناءها وهي تردد "الحمد لله كلنا فداء فلسطين".

 

الأم الغزية تضحي بروحها لتبقى أرضها ويسلم أبناؤها

وتؤكد الأمين العام المساعد لشؤون تمكين المرأة والأسرة في حزب الميثاق الوطني الأردني، سناء مهيار، أن الأم الغزاوية هي صانعة رجال الكرامة وهي الحياة التي تعطي البهجة والعطاء في بلادنا الجميلة، فكل ما يحدث في فلسطين وغزة يحمل معه آهات الأمهات الفلسطينيات والغزيات ورجفات فلذات الأكباد في ظل حرب غاشمة وجرائم إبادة جماعية.

وتضيف أنه في مشهد الأم الغزية هناك جانب آخر يبعث على الفخر والانبهار ونحن نرى الأمهات هناك يسطرن كل يوم أصعب قصص الصمود ومعاني الحياة، ففي قمة الألم يجدن الأمل، وتستمد القوة من نبض قلوبهن.

وأوضحت الأم في غزة ليست ككل الأمهات، فهي تعيش آلامًا وأوجاعًا لا تحتمل ولا يمكن لعقل أن يتخيلها، تختبر أبشع أنواع القهر والفقدان، فأمام عينيها يستشهد أبناؤها وتلملم أشلاءهم وتبتر أطرافهم، ومع ذلك تقاوم الموت بالولادة، وتضحي بروحها لتبقى أرضها ويسلم أبناؤها.

وقالت فقد رأينا أمًا غزية تحمي أبناءها أثناء نزوحهم من الشمال إلى الجنوب مشيًا على الأقدام، وتحمل معها بعضًا من الاحتياجات وتحمل الأوجاع والأعباء، وفي مشهد آخر للقوة والإيمان، شاهدنا أمًا غزية رغم الدماء التي تغطي وجهها ويديها تكابر ناسية جراحها وآلامها وتحتضن طفلتها الخائفة وتهدئ من روعها وتطمئنها خلال فترة النزوح المرعبة.