"عندما تبدأ النوبة أشعر أن يومي انتهى، أشعر بالسخط على نفسي، وأحيانًا أشعر بأني أكره ذاتي"، يقول خليل، وهو شاب عشريني يعمل مصورًا فوتوغرافيًا، ويروي لنا اللحظات التي يعيشها خلال نوبات الصداع النصفي التي تصيبه منذ سنوات طويلة، لكن تمّ تشخيصها لأول مرة قبل ثلاثة أعوام.

هذه الآلام دفعت خليل لاتباع أنماط حياتية وغذائية معينة، تساعده على الوقاية من النوبات، كانتظام مواعيد الإفطار وشرب القهوة، لكنه كلما اقترب شهر رمضان يبدأ بالقلق من تغير هذه الأنماط خلال الصيام، وهو ما يجعله أحيانًا يتخلّف عن صيام الشهر كاملًا.

 

ما هو الصداع النصفي؟

يقول استشاري جراحة الدماغ والأعصاب الطبيب أحمد التميمي، إن احتمالات الإصابة بنوبات الصداع النصفي تتزايد في عددها وشدتها خلال شهر رمضان، لذا على المرضى معرفة الأنماط الغذائية والحياتية التي يمكن اتباعها لتقليل الألم، فيما تقول أخصائية التغذية العلاجية فاتن النشاش إن بعض التحضيرات قبل بداية الشهر تساعد المرضى على تخفيف حدة النوبات ومباعدتها.

ويتابع الطبيب التميمي إن الصداع النصفي هو اضطراب عصبي مزمن يتميز بتكراره، في أغلب الأحيان تتراوح شدته بين المعتدلة إلى الحالات الشديدة، وعادة ما يكون في جانب واحد من الرأس، ويتميز عن غيره من الصداع بأنه نابض، وقد تمتد النوبة من ساعتين إلى ثلاثة أيام متواصلة، وفقًا لـ"BBC".

بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن السبب الدقيق للصداع النصفي لا يزال مجهولًا، على الرغم من أنه شائعي جدًا بحسب المنظمة، إذ يصيب واحدًا من كل سبعة بالغين حول العالم، بحسب أرقام صدرت عنها في 2014 ولم تُحدّث للآن.

وهو مرض أكثر شيوعًا بين النساء بنسبة تصل إلى 3 مرات أكثر من الرجال، إذ تزداد فرص الإصابة مع التغيرات الهرمونية عند النساء، وعادة ما تكون النوبات مصحوبة بالغثيان والقيء ورهاب الضوء والصوت.

يوضّح التميمي أن نوبات الصداع النصفي تؤثر على قدرات التركيز والمزاج الشخصي للمريض خلال وبعد فترة النوبة، ما يؤثر على عمله اليومي وانتاجه. وإلى جانب الأعراض خلال النوبة والتي قد تصلّ في ذروتها إلى الشلل النصفي سواء لوقت قصير أو دائم، هناك أيضًا أعراض بعد أن تنتهي النوبة، كالاكتئاب وعدم التركيز وصعوبة في التعبير عن الكلام.

للآن لا يتوفر علاج أبدي لمرض الشقيقية بحسب التميمي، أي أنه لا يوجد دواء يشفي المريض للأبد، لكن هناك أدوية متعددة يتم وصفها للمرضى حسب شدة النوبات، منها ما يمكن أن يُجهض النوبة والأعراض المرافقة لها، ومنها ما يسهم في تقليل تكرارها وشدتها.

ويضيف أن هناك عوامل تساعد الوقاية منها على تقليل فرص الإصابة، فمثلًا تشكّل الأطعمة مثل الشوكولاتة والفواكه المجففة واللحوم محفّزات للألم، إلى جانب عوامل بيئية أخرى كالتوتر وقلة النوم والاكتئاب.

 

كيف يتأثر المريض خلال رمضان؟

تشعر كريمة الحلفاوي، المصابة بالصداع النصفي، بقلق مستمر طوال شهر رمضان، خوفًا من أن يصيبها الألم في أي لحظة خلال الصيام وهي غير قادرة على تناول المسكنات، وأن يؤدي ذلك لتفاقمها، لذا تفعل كل ما يمكنها فعله كي تجنب نفسها الإصابة بنوبات حادة.

يقول الطبيب التميمي إن احتماليات الإصابة بالصداع خلال رمضان تزداد بسبب قلة السوائل في الجسم، ونقص السكر بشكل كبير إلى جانب التوتر الشرياني، وانخفاض الكافيين، جميعها أسباب قد تؤدي إلى زيادة في النوبات.

تتناول كريمة العديد من المسكنات احتياطيًا خلال السحور، وتشرب الكثير من الماء بعد الإفطار، وتقلل كل الأنشطة الاجتماعية وزيارة الأقارب في رمضان كما تقول، كل ذلك كي تبتعد عن أي محفّزات للنوبة، كالضوضاء والإزعاج والسهر، وتحرص على النوم بشكل أكبر.

كما أنها تبتعد عن الأطعمة الدسمة، التي تقول إنها تزيد من نوبات الألم لديها، "في أكل بخاف أكله، وبخاف أتسحر، لو اتسحرت بكون عارفة إني راح أصدع".

على عكس ما تعتقد كريمة، فإنه من الخطأ ألا يتناول مريض الصداع النصفي وجبة السحور، بحسب أخصائية التغذية العلاجية، فاتن النشاش، وتقول إن هذه الوجبة مهمة لما يمكن أن تحققه من انتظام في مستوى السكر بالدم، لكن على أن تتضمن أغذية صحيحة لا تحفّز النوبات.

تقول النشاش إن الأيام الأولى من شهر رمضان عادة ما تشكّل قلقًا لمرضى الصداع النصفي، بسبب الاختلاف المفاجئ في الأنماط الغذائية والحياتية، لذا فإن التمهيد قبل نحو أسبوعين يساعد المرضى على تجاوز الأيام الأولى.

 

كيف يستعد مريض الصداع النصفي لشهر رمضان؟

تقدّم النشاش عدة نصائح، بداية من تقليل كميات القهوة والمنبهات التي يستهلكها تدريجيًا، حتى تصبح في حدها الأدنى عند بدء شهر الصيام.

إلى جانب تقليل كميات القهوة كذلك وتأخير موعد تناولها، وتأخير موعد الإفطار خلال الأيام السابقة لرمضان، وتقليل أي وجبات بينية أو خفيفة بين الوجبات الرئيسة خلال اليوم، والحفاظ على ترطيب الجسم بشكل مستمر عبر شرب كميات كافية من الماء، إلى جانب تحسين النوم وتعديله بما يتماشى مع رمضان.

كذلك تنصح السيدات بتناول الأغذية الغنية بالمغنيسيوم الذي يساعد على نوم عميق واسترخاء الأوعية الدموية خلال وقبل الدورة الشهرية، وأبرزها الخضراوات الخضراء، إلى جانب تناول أطعمة غنية بالأحماض الدهنية الجيدة والمتوفرة بالأسماك.

أما في حال شعر الشخص باحتمالية إصابته بنوبة للصداع، تنصح النشاش بالابتعاد عن الأطعمة التي يمكن أن تحفز الصداع كالشوكولاتة والألبان والأجبان تحديدًا خلال وجبة السحور، وتعويضها بالنشويات المعقدة كالخبز الأسمر، والبقوليات كالفول والحمص والشوفان وخبز الشعير، وأي أغذية تحتوي على ألياف، والخضراوات مع أغذية تحتوي على البوتاسيوم كالتمر والموز.

أما القهوة، فتقول النشاش إنها جيدة تساعد على التخفيف من نوبات الصداع لكن على أن يتم أخذها بنسب معقولة، كي لا تزيد كمية الكافيين بالجسم ويؤدي ذلك إلى أعراض انسحابية تزيد من الصداع.

تؤكد النشاش أن قدرة الشخص على الصوم من عدمه رهن للطبيب المعالج، حسب النوبات وتكرارها وشدتها، فمثلًا في حالات القيء المستمرّ المرافق للصداع يحتاج المريض للسوائل والماء، في حين يؤكد التميمي أن المرضى الذين يصابون بنوبات بسيطة ومتباعدة ويمكنهم التعامل مع الألم يستطيعون الصوم بشكل طبيعي، لكنّ في حال تكرار النوبات وتزايد شدتها يوصي الأطباء المريض بتناول العلاجات والماء للتقليل من الألم.