جهاد حلس

في مثل هذا الوقت من كل عام كانت غزة تتزين بأجمل الزينة لاستقبال رمضان، فكانت مثل العروس في ليلة زفافها، تشع بهجة ونوراً، وتمتلئ فرحةً وسروراً !!

فكانت النساء مشغولات بترتيب بيوتهن وتعطيرها وتزيينها بأجمل الزينة استعداداً لاستقبال هذا الشهر الكريم !!

وكانت الأسواق تعج بما لذ وطاب من أصناف الطعام والشراب، أما الشوارع والأزقة والمتاجر والشركات والمحال التجارية، فمن شدة جمال زينتها، وبهجة إضاءتها فقد كانت تجعل القلب يخفق شوقاً إلى رمضان !!

أما الأطفال وما أدراك ما الأطفال، فإنهم كانوا ينتظرون رمضان على أحر من الجمر، ويعدون له بالدقيقة بل بكل خفقة قلب، فكانوا يتجولون في كل زقاق وشارع حاملين معهم الفوانيس المضيئة ينشدون لرمضان بأصواتهم الجميلة، ومشاغباتهم الظريفة، وقلوبهم لا تكاد تسعهم من شدة الفرح!!

أما اليوم فلا تسألوا عن حالنا، فحالنا لا يسر عدواً ولا صديق، حالنا كحال وردة فواحة كانت تنبض بالحياة، ثم أضحت فجأة صفراء تذروها الرياح !!

فقد زالت النعمة، وتحولت العافية، وانقلبت الحياة، فالناس هائمة على وجوهها، مكسورة خواطرها، مجروحة قلوبها، ضائقة أرواحها، تحمل فوق صدرها هموم الدنيا وما فيها، فلا طعام يأكلونه، ولا شراب يجدونه، ولا بيوت يسكنوها، ولا ملجأ آمن يحتمون به !!

عاجزون عن حماية أطفالهم، عاجزون عن سد جوعتهم، عاجزون عن تهدئة خفقات قلوبهم التي ترتجف خوفاً مع كل قصف وغارة !!

كأن السماوات السبع والأرضين أطبقت على صدورهم من شدة الحزن ووجع الفقد !!

كلما اقترب رمضان زاد همهم، وعظم خطبهم، واشتد خوفهم، يا لضعفنا !!

كيف نستقبل هذا الشهر الكريم في الخيام البالية، كيف نفطر وكيف نتسحر، كيف ننام وكيف نصحو، كيف نصلي التراويح بلا مساجد، كيف نعود أطفالنا الجائعون على الصيام بلا فطور ولا سحور، كيف نصبر على أن لا نرى وجوه أحبابنا الذين فقدناهم على سفرة رمضان !!
اللهم لا تدع رمضان يأتي إلا وقد جبرت قلوبنا جبراً يتعجب منه أهل السماء والأرض، وفرجت همومنا فرجاً نبكي له ساجدين من شدة الفرح، ورفعت عنا هذا البلاء بلطفك ورحمتك يا أرحم الراحمين !!

أرأيتم يا أهل غزة كم رأينا من بؤس وشدة في هذه الأيام الثقال ؟!

غداً عند أول غمسة في الجنة ستزول كلها ولن تذكروا منها شيئاً، فعندما يسألكم ربكم كما جاء في الحديث الصحيح؛ هل رأيتم بؤساً قط، هل رأيتم شدة قط ؟!

ستقولون؛ لا والله يارب، ما رأينا بؤساً قط، ما رأينا شدة قط !!

اللهم اجعل عاقبة صبرنا جنة عرضها السماوات والأرض !!