يعاني أهالي قطاع غزة من البحث عن لقمة العيش تحت القصف ووابل الرصاص الذي يمزج ما تطاله أيديهم من المساعدات بدمائهم.

وتعترف المؤسسات الدولية والأممية المعنية بأن قرابة نصف مليون شخص في غزة على شفا المجاعة، وسط تحذيرات من تفشي الأمراض والأوبئة، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع منذ 7 أكتوبر الماضي.

رغم المهالك والصعاب وقطاع تحول إلى ساحة موت وجوع ووباء، يسطر أهل غزة بدمائهم أروع الملاحم البطولية في المقاومة والصمود متحدّين تكالب الأعداء وتجاهل العالم وذوي القربي بمحيطهم العربي والإسلامي.

 

الجوع أكلنا أكل

“الجوع أكلنا أكل.. ولن نترك غزة لو كلف ذلك حياتنا” بهذا الإصرار والعزيمة القوية، رفض الشارع في شمال قطاع غزة، المخطط الإسرائيلي لتهجير الفلسطينيين سواء إلى الجنوب مرة أخرى أو إلى أي مكان آخر.

وأكد احد مواطني غزة أن أهل القطاع ثابتون في أماكنهم ولن يغادروا شمال القطاع رغم المعاناة المعيشية الشديدة، قائلًا “لي 3 أيام ما شفت الأكل وأقسم بالله اليوم فقط أكلت فلفلًا أحمر بالليمون حافيًا من شدة الجوع”، وفقًا لـ"الجزيرة".

ومضى يردد بعزيمة لا تلين وثقة “نعم ما في أصعب من هذه الأيام والجوع قاتل، أما الخروج من شمال غزة فهذا هو المستحيل مهما يكن”.

 

وجبة واحدة كل ثلاثة أيام

الفلسطيني عبد الخالق مسلم، الذي كان برفقة مئات الفلسطينيين ينتظرون المساعدات، قال: "لقد وصلتنا أنباء عن إمكانية إدخال مساعدات إنسانية لشمال قطاع غزة عبر الجو من الأردن".

وأضاف: "لقد انتظرنا لساعات طويلة دون جدوى، فلم تصلنا أي مساعدات سواء من الجو أو عبر البر".

وتابع: "الوضع في شمال قطاع غزة يشكل مأساة حقيقية، نحن نواجه موتًا بطيئًا، نضطر لتناول أكل الحيوانات، ونعاني من نقص في الطحين والأرز"، وفقًا لـ"الأناضول".

وناشد مسلم، الولايات المتحدة ودول العالم وتركيا بإدخال المساعدات إلى شمال قطاع غزة، حيث يعاني سكانه من المجاعة.

بدوره، قال بكر عبد العال: "نحن بحاجة للعيش وتأمين الطعام لأبنائنا الذين يعانون من نقص حاد في الغذاء".

وأضاف: "نتناول وجبة واحدة كل ثلاثة أيام، وأوزاننا تتناقص بسرعة، ونمر بفترات طويلة من الصيام والجوع"، مبينًا أنهم يتطلعون لوصول مساعدات، لكنهم لم يتلقوا شيئًا على عكس ما حدث في الجنوب.

وأعرب بكر عن أمله في أن تحظى أوضاعهم باهتمام الدول العربية والعالم لإدخال مساعدات إلى شمال قطاع غزة وتخفيف معاناة السكان هناك.

بينما يوسف الرضيع أبدى استياءه قائلًا: "نحن في شمال قطاع غزة ننتظر المساعدات منذ أربعة أشهر، ولم يتوفر لدينا طحين منذ ذلك الحين، فضلًا عن نفاد مخزون الطعام الحيواني".

وأضاف الرضيع: "لم يصلنا أي نوع من المساعدات سواء عبر البر أو الجو".

وناشد الرجل الدول العربية بالتدخل العاجل لوقف مأساة المجاعة في شمال قطاع غزة وتوفير المساعدات للسكان المحاصرين هناك.

 

أسعار مرتفعة

أما السيدة م. ش، وهي أم لثلاثة أطفال، وتسكن في حي النصر بمدينة غزة، تقول “فقدت زوجي منذ شهرين بسبب القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، ولا يوجد معيل لي ولأطفالي الثلاثة. قبل أيام قمت بشراء بعض الشعير والذرة لصنع الخبز لأطفالي بما توفر من مال، وقد قاربت على النفاذ بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية”،”.

وأشارت إلى أن سعر كيس الدقيق (وزنه 25 كيلوجرام) وصل سعره إلى نحو 700 دولار، ولا تتوفر أصناف مهمة كالخضراوات والفاكهة، والأرز والسكر وزيت الطعام والعديد من المواد الأساسية، وإن توفرت يكون سعرها مرتفع جدًا ولا نقوى على شرائها، وفقًا لـ"المركز الفلسطيني للإعلام".

وقالت: أجد صعوبة بالغة في توفير الحليب لطفلي الصغير مع ارتفاع سعره لنحو 40 دولارًا للعلبة الواحدة، حيث اعتاد أطفالي أن يؤمن لهم والدهم كل ما يحتاجونه من الطعام والشراب، والآن بعد استشهاده أكابد من أجل اطعامهم أنا وممن تبقى من عائلة زوجي في شمال القطاع”.

 

الماء والنشا لسد الجوع

المسنة سميرة عيسى، 68 عامًا، من حي النصر بمدينة غزة، تقول: “أعيش أنا وزوجي المسن في شمال قطاع غزة، وذلك بعد أن نزح أبنائي مع زوجاتهم وأطفالهم إلى جنوب القطاع. لا يوجد طعام في المدينة، وعندما حاول زوجي الذهاب لانتظار شاحنات الطحين على طريق شاطئ بحر غزة، تعرضوا لإطلاق النار من الجيش الإسرائيلي، وتعرض بعض المدنيين لإصابات نتج عنها حالات وفاة. وفي كل مرة يعود زوجي دون أن يتمكن من الحصول على الطحين. ونقوم بخلط الماء والنشاء لنتمكن من سد جوعنا”.

 

بلدية غزة

ووفق بيانات بلدية غزة فقد قطعت قوات الاحتلال الإسرائيلية مصادر المياه عن قطاع غزة، ومنعت إدخال الوقود اللازم لتشغيل الآبار، وعمدت عبر آلتها الحربية إلى تدمير نحو 40 بئرًا للمياه، و9 خزانات من مختلف الأحجام، ونحو 42 ألف متر طولي من شبكات المياه بأقطار مختلفة.

كذلك دمر الاحتلال آبار محلية ومركزية أبرزها بئر الصفا في شمال شرق المدينة والذي يغذي 20% من احتياجات المدينة من المياه، فيما يتم حجب المياه المشتراة من شركة ماكروت الإسرائيلية التي تغطي 25% من حاجة المدينة. بهذا يكون الاحتلال قد دمر نحو 60 بئرًا من أصل 80 بئرًا كانت تعمل قبل العدوان الحربي على قطاع غزة، بالإضافة إلى تدمير وتضرر محطة التحلية والتي تغذي المدينة بنحو 10% من احتياجاتها اليومية.

 

800 ألف مهددون بالموت

ودخلت المساعدات الإنسانية لمناطق شمال غزة، لأول مرة، خلال الهدنة الإنسانية التي بدأت في 24 نوفمبر الماضي، واستمرت لمدة أسبوع.

وفي 13 من يناير الماضي، قال المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة، إن "الموت يهدد نحو 800 ألف نسمة في محافظتي غزة والشمال بسبب استمرار سياسة التجويع والتعطيش التي ينتهجها الجيش الإسرائيلي بحقهم".

وذكر المكتب في بيان وصل الأناضول أن المحافظتين "بحاجة إلى ألف و300 شاحنة غذاء يوميا للخروج من حالة الجوع، بواقع 600 شاحنة للشمال و700 لغزة".

في 16 فبراير الحالي، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" أنه بين الأول من يناير و12 فبراير، رفضت السلطات الإسرائيلية وصول 51 بالمئة من البعثات التي خططت لها المنظمات الشريكة في مجال العمل الإنساني لإيصال المعونات وإجراء تقييمات إلى المناطق الواقعة إلى الشمال من وادي غزة.

وحسب الأمم المتحدة، تشير التقارير إلى تزايد المستويات الكارثية لانعدام الأمن الغذائي الحاد في شتى أرجاء قطاع غزة، حيث يتزايد عدد التقارير عن الأسر التي تكافح من أجل إطعام أطفالها، ويزداد خطر الوفيات الناجمة عن الجوع في شمال القطاع.

وأوضح مكتب "أوتشا" أن أكثر من نصف شحنات المساعدات إلى شمال غزة منعت من الوصول الشهر الماضي، وأن هناك تدخلًا متزايدًا من الجيش الإسرائيلي في كيفية ومكان تسليم المساعدات.

وفي 17 نوفمبر، أعلنت "أونروا" أن السكان في شمال قطاع غزة أصبحوا "على حافة المجاعة ولا ملاذ يأوون إليه" في ظل الحرب المستمرة.