يروي الشاب الفلسطيني حمزة أبو توهة تفاصيل مؤلمة عن المجاعة التي يتعرض لها السكان في شمال غزة، فضلًا عن القصف الإسرائيلي المستمر.

ويقول أبو توهة: "عشنا وما زلنا نعيش في شمال غزة ظروفًا إنسانية قاسية جدًا، منذ بدء حرب غزة، لاسيما في الوقت الذي كانت فيه زوجتي حاملًا بطفلنا الأول إلى أن ولدت قبل ثلاثة أيام".

 

وجبة لحم وأرز بـ100 دولار في غزة

 

 

وبين أبو توهة، في حديث لـ"إرم نيوز"، أن زوجته كانت في شهرها الخامس عندما بدأت الحرب، حيث كان القصف الإسرائيلي المستمر والعنيف سببًا رئيسًا في أن تتعرض لعملية إجهاض أو أن تسوء حالتها الصحية تمامًا.

وتابع: "كنت طوال الوقت أفكر في زوجتي الحامل والجنين، وكيف ستتحمل الجوع، وعدم تناولها لطعام صحي، حيث كانت تتجهز لإعداد خطة لتناول الطعام الصحي الذي يحسن من صحتها وصحة الجنين".

وأشار إلى أن زوجته وضعت مولودها في مستشفى كمال عدوان شمال غزة، في ظروف غير صحية على الإطلاق؛ إذ تعرض المستشفى للاقتحام من قبل الجيش الإسرائيلي.

وأضاف أبو توهة أنه أراد أن يفاجئ زوجته بعد وضعها الطفل الأول، وقدم لها هدية هي قطعة من اللحم تزن 50 جرامًا وطبق أرز، وكان سعر هذه الوجبة 100 دولار.

وبعد شراء هذه الوجبة كتب على فيسبوك: "وأما بنعمة ربك فحدِّث، هذا رزق الله بعد خمسة أيام من البحث في محافظة الشمال عن شيء من اللحم لامرأتي التي أنجبت مولودًا، اليوم أسبوع ابني (عليّ)، جعلت هذا الطبق لزوجتي هدية الولادة، لعلك تراها قليلة، ولكن قطع اللحم هذه بـ75 دولارًا، وحبات الرز هذه بـ25 دولارًا، ألا ترى قيمتها تستحق أن تكون هدية!".

وأشار إلى أنه كان يمكنه قبل الحرب الحصول على 7 كيلوجرامات من اللحم بقيمة 100 دولار، لافتًا إلى أن هناك حالة استغلال كبيرة يتعرض لها المواطنون في شمال غزة.

وبشأن شراء الوجبة بهذا الثمن المرتفع لزوجته قال الشاب: "لا أدري هل ما فعلته هو أمر صحيح أم لا، ولكنني حاولت قدر الإمكان أن أكون عونًا لزوجتي، ولأنني أعلم أن المال أصبح دون قيمة في ظل توفره وعدم التمكن من الحصول على سلع غذائية حقيقية بثمن أو قيمة هذا المبلغ".

 

ذبح حصانيه لإطعام أطفاله

 

 

وفي مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، يعيش عشرات آلاف الفلسطينيين في أوضاع كارثية وصعبة، في ظلّ تفشي الجوع الذي دفع أبو جبريل إلى ذبح حصانيه الاثنين لإطعام أطفاله وجيرانه.

ويقول أبو جبريل (60 عامًا) لوكالة فرانس برس: "لا خيار أمامنا إلّا ذبح الحصان لإطعام الأطفال، الجوع يقتلنا، لا توجد أي أنواع من الخضراوات، ولا طحين ولا مياه شرب".

ويضيف: "لدي حصانان كنت أشتغل عليهما في أرضي الزراعية في بيت حانون، دمّروا بيتي وجرفوا أرضي، قرّرت ذبح الحصانين لمساعدة عائلتي وعائلات أقاربي وجيراني في الحصول على الطعام".

لم يخبر جبريل أحدًا بقراره ذبح الحصانَين. طبخ اللحم مع الأرز، وقدّمه لعائلته وجيرانه، ورغم الحاجة، يقول: إنه "لا يزال قلقًا بشأن ردّات فعلهم"، مشيرًا إلى أن "لا أحد يعرف أنّه يأكل لحم حصان".

وبحسب مصادر طبية، فإنّ طفلًا يبلغ من العمر شهرين يدعى محمود فتوح توفي جراء سوء التغذية في مستشفى الشفاء في مدينة غزة، على بعد 7 كيلومترات من جباليا.

ومخيّم جباليا الذي أُنشئ عام 1948، والذي يغطّي مساحة 1.4 كيلومتر فقط، الأكبر في قطاع غزة.

وكان أبو جبريل فر من بيت حانون القريبة عندما بدأ العدوان الإسرائيلي على غزة، وبات منزله مع عائلته عبارة عن خيمة قرب مدرسة الفالوجا التابعة للأونروا والتي تؤوي نازحين.

وقبل العدوان، كانت المياه الملوّثة وانقطاع التيار الكهربائي مشكلة في المخيّم المكتظ بالسكّان. وكان الفقر الناجم عن ارتفاع معدّلات البطالة مشكلة أخرى بين سكّانه الذين يزيد عددهم على 100 ألف نسمة.

والآن، بدأ الطعام ينفد في ظلّ عدم قدرة وكالات الإغاثة على الوصول إلى المنطقة، جراء القصف، وفقًا لـ"العربي".

وأفاد برنامج الأغذية العالمي هذا الأسبوع بأنّ فرقه أبلغت عن "مستويات غير مسبوقة من اليأس"، بينما حذّرت الأمم المتحدة من أنّ 2.2 مليون شخص باتوا على شفا المجاعة.

وفي المخيم، ينتظر أطفال بترقب، بينما يحملون علبًا بلاستيكية وأواني طهي مكسّرة للحصول على الطعام القليل المتاح.

ومع تضاؤل الإمدادات بالغذاء وارتفاع الأسعار، يشكو شاب بحسب تقرير وكالة "فرانس برس" من أنّ سعر كيلو الأرز ارتفع من سبعة شواقل إلى 55 شيكلًا.

ويقول بغضب، مشيرًا إلى طفل بجانبه، "نحن الكبار لا يهمّنا... أمّا الصغار الذين تبلغ أعمارهم أربع وخمس سنوات، فما الذي ارتكبوه من ذنب كي يناموا جائعين ويستيقظوا جائعين؟.

 

"انفجار" في وفيات الأطفال في غزة

 

 

وحذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) من أنّ النقص المقلق في الغذاء وتزايد سوء التغذية والأمراض، قد يؤديان إلى "انفجار" في وفيات الأطفال في غزة.

ويعاني واحد من كل ستة أطفال دون الثانية من العمر في غزّة من سوء التغذية الحاد، وفق تقديرات لمنظمة اليونيسف نُشرت في 19 فبراير.

وفي محاولة لسدّ جوعهم، اعتاد سكان قطاع غزة على تناول بقايا الذرة الفاسدة والأعلاف الحيوانية غير الصالحة للاستهلاك البشري وحتّى أوراق الشجر.

وتقول امرأة من المخيم: "لا أكل ولا شرب... ولا طحين"، مضيفة: "بدأنا نتسوّل من الجيران، ولا شيكل في الدار، ندقّ الأبواب في الحارة ولا أحد يعطينا مالًا".

وتتصاعد حدّة التوتر في جباليا بسبب نقص الغذاء وتداعياته، فيما نظّمت الجمعة وقفة احتجاجية شارك فيها عشرات الأشخاص.

وحمل طفل في التظاهرة لافتة كتب عليها: "لم نمت من القصف لكننا نموت من الجوع".

ورفع آخر عاليًا لافتة كُتب عليها "المجاعة تنهش لحومنا وأجسادنا"، بينما هتف المتظاهرون "لا لا للجوع، لا لا للإبادة الجماعية، لا لا للحصار".

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، اليوم الأحد، عن ارتفاع عدد ضحايا "العدوان الإسرائيلي" على القطاع إلى "26 ألفًا و692 شهيدًا"، و69 ألفًا و737 مصابًا" منذ 7 أكتوبر الماضي.

وخلَّفت الحرب الإسرائيلية دمارًا هائلًا في غزة وكارثة إنسانية غير مسبوقة؛ في ظل شح إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود جراء قيود إسرائيلية، مع نزوح حولي مليوني فلسطيني، وفقًا للأمم المتحدة.

وللمرة الأولى منذ قيامها في عام 1948، تخضع إسرائيل لمحاكمة أمام محكمة العدل الدولية، مقرها في مدينة لاهاي بهولندا، أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة؛ بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين.

كما تعقد المحكمة جلسات استماع لأكثر من 50 دولة، تمهيدًا لإصدار رأي استشاري طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن التبعات القانونية الناشئة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.