قالت مجلة الإيكونومست البريطانية عن الوضع في مصر إن "النظام العاجز في مصر لا يستحق خطة إنقاذ نظرا لإدارته البشعة للاقتصاد"، مضيفة أنه "..يجب أن يحصل على واحدة رغم ذلك، فالشرق الأوسط، الذي تشب فيه النيران بالفعل، لا يمكنه تحمل انهيار الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان".

وأضافت "الإيكونوميست"  أن أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان بحاجة للحصول على صفقة إنقاذ مالية عاجلة، رغم أن حكومتها قد لا تستحق ذلك.

وعن أسباب يأسها من النظام في مصر وحكومته، أشارت إلى أنه بالإمكان وصف دواء مرّ لمصر لو كان المنطق الاقتصادي هو الاعتبار الوحيد هنا، لكن أي قرض إضافي من صندوق النقد الدولي أو الحكومات الأجنبية سيأتي مشروطاً بإعادة هيكلة الديون، وعيش مصر في حدود إمكانياتها، وإخراج الجيش من السوق.

وأوضحت أن "هذه الدرجة من التقشف ستكون شديدة الخطورة؛ إذ ربما تقضي مصر سنوات في التخلف عن السداد، وهي منطقة محرمة من الناحية المالية".

 

احتجاجات واردة

وحذرت المجلة البريطانية من أن السيسي سيعاني من أجل إطعام شعبه وسداد أجور موظفي الحكومة ومن المحتمل أن يخرج الشباب المصري المحبط في احتجاجات حاشدة قد تتم مواجهتها بقمعٍ عنيف.

وقالت: "سيكون من الصعب احتواء أي اضطراب من هذا النوع، خصوصا في هذا التوقيت المضطرب للغاية بسبب الحرب المدمرة على قطاع غزة".

وأضافت، أنه "إذا ما انفجرت الأوضاع الاجتماعية في مصر وهددت حكومة السيسي، في وجود الحريق المشتعل في منطقة الشرق الأوسط الأوسع بالفعل، فإن المنطقة لن تستطيع احتمال اشتعال مصر أيضا إذ إن هذا الأمر سيجعل مصر عاجزة عن المساعدة في الوساطة أو تطبيق اتفاق سلامٍ بين إسرائيل والفلسطينيين".

 

سيدعمونها رغم التقرير

المجلة استوحت منطق الدبلوماسيين البريطانيين وقالت: "يتعين على العالم أن يتحامل على نفسه وينقذ مصر مرة أخرى، حيث يحتاج هذا البلد إلى 10 مليارات دولار من التمويل قصير الأجل على الأقل حتى يُعيد تمويل ديونه، ويخفف الصدمة الناجمة عن التخفيض الكبير لقيمة العملة".


وعن السبب وراء الدعم المحتمل أشارت إلى احتمالات الحرب أو السلام في الشرق الأوسط حالياً تعتمد على العديد من الأطراف، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والحوثيين في اليمن، وإيران، وإسرائيل، والفلسطينيين، والسعودية، وغيرها، لكن هناك دولة واحدة تُعد أكثر أهميةً مما يُدركه غالبية الناس وهي مصر.

وأردفت أن مصر دولة ضخمة بتعداد سكانها الذي يبلغ 110 ملايين نسمة. وتدير قناة السويس، التي يمر عبرها 10 بالمئة، من تجارة العالم، وتتمتع بحدود برية مع قطاع غزة، كما أن لديها اتفاقية سلام مع إسرائيل، وتساعد حاليا في الوساطة الجارية لوقف الحرب "الإسرائيلية" المدمرة على القطاع.


ورأت أن "مصر" تستطيع أن تلعب دورا حيويا في المساعدة على تأمين قيام دولة للفلسطينيين وتوفير الأمن داخل قطاع غزة. أما في حال انهيار هذه الدولة، فقد يزيد ذلك من زعزعة استقرار الشرق الأوسط بأسره.


وأردفت، أن على الدول الغربية، وصندوق النقد الدولي، ودول الخليج الغنية أن يشاركوا في هذا الإنقاذ وفي المقابل، سيتعيّن عليهم الضغط على الجيش علناً حتى يتخلى عن قبضته المفروضة على الاقتصاد.


وأكدت أنهم سيفعلون ذلك وهم يدركون تماما أن الجيش لن ينصاع لرغباتهم على الأرجح، وخاصة لأن السيسي نفسه هو جنرال سابق، لكن مصر لن تزدهر مطلقا حتى يفسح أصحاب الزي العسكري المجال أمام الجميع، وهذا هو ما يجب أن يسمعه المصريون العاديون.


الانهيار النهائي المؤكد

وقالت الايكونوميست أن هذا النوع من الانهيار يُعد احتمالية قائمة بدرجة مخيفة، بالتزامن مع مواجهة الاقتصاد لأزمة مالية متصاعدة. وأن "النظام المصري العاجز لا يستحق صفقة إنقاذ مالية جديدة"، لكن على الرغم من ذلك فلا مفر من حصول مصر على صفقة إنقاذ بشكل عاجل".


وأكملت أن "الإنفاق الضخم جاء ليخدم الجنرالات، بينما فرّ المستثمرون الأجانب، وأصبح العجز المالي وعجز ميزان المدفوعات حالةً مستمرة حيث اقترض السيسي أكثر من اللازم بكثير، ووصل حجم الدين العام إلى 89% من إجمالي الناتج المحلي، بينما وصل الدين الخارجي إلى 37%". 

وتدخل صندوق النقد الدولي لمنح الحكومة أربع صفقات إنقاذ مالي. ويَعِدُ السيسي بالإصلاحات الاقتصادية في كل مرة، لكنه لا يفعل منها سوى القليل، بحسب الصحيفة البريطانية.


تأثير الحرب

ورأت المجلة أن الحرب "الإسرائيلية" على غزة زادت من سوء الأوضاع بالنسبة لمصر، ففي العام العادي، كانت مصر تجمع إيرادات بالعملة الصعبة من تشغيل قناة السويس تصل إلى 2% من إجمالي ناتجها المحلي، بينما تضيف عائدات السياح الأجانب 3% أخرى إلى الناتج المحلي الإجمالي لكن مصدري النقد المذكورين تقلّصا بشدة وفقا للتقرير.

ونقلت عن مديرة صندوق النقد الدولي، قولها إن إيرادات قناة السويس المصرية تراجعت في النصف الأول من يناير بمعدل 100 مليون دولار شهرياً، مضيفة أن الخسائر تتزايد.

وأبانت أن سعر الصرف الرسمي، الذي يساوي 30 جنيهاً مقابل الدولار الواحد فهو سراب، حيث يصل السعر في السوق السوداء إلى 70 جنيهاً مقابل الدولار الواحد، وهو السعر الذي يدفعه المشترون الراغبون في الحصول على العملة.

ونصحت أن تخفض مصر قيمة عملتها رسمياً، لكن فعل ذلك سيعني ارتفاع قيمة ديونها الدولارية بالنسبة لناتجها المحلي الإجمالي. وهذا سيرفع أسعار الغذاء -وخاصة الحبوب- التي تستوردها مصر في الأغلب.

وأصدرت لجنة السياسات النقدية، قرارا برفع أسعار الفائدة بنسبة 2 بالمئة، ورفع البنك سعر الفائدة على الإقراض لليلة واحدة إلى 22.25 بالمئة من 20.25 بالمئة، كما رفع الفائدة على الإيداع لليلة واحدة إلى 21.25 بالمئة من 19.2 بالمئة.

وفي تفسير منه لمقال الايكونوميست قال الكاتب والباحث عمار علي حسن @ammaralihassan أن "هذه المجلة لا تتحدث من فراغ، فخلفها أقطاب اقتصاديين وسياسيين كبار، وطالما تحقق ما تقوله، ولا أنسى غلافها قبل ثورة يناير الذي جاء بصورة مبارك وهي تغرق في رمال أمام الأهرامات. ".

وأضاف أنه "ربما للخوف من انفجار لن يتحمله الشرق الأوسط ستساعد مصر اقتصاديا على عدم الانهيار الآن، لكن، وحسب المجلة، هي المرة الأخيرة.".

وأردفت أنه عموما، هذا يتناقض مع ما تقوله أبواق السلطة عن مؤامرة عليها، تريد انهيار مصر، مع أن النظام الحاكم مطيع وتابع، ويكبت قوى مصر الراغبة في التمرد والتحقق والانطلاق.

وتساءل: "هذا أيضا يجعلنا نتساءل: كيف وصلتم بمصر إلى هذه الحافة المهينة؟ كيف فشلتم على هذا النحو الذريع؟ وإلى متى سيستمر عجزكم عن فعل ما هو واجب الآن وهنا".