ممدوح الولي
نقيب الصحفيين المصريين سابقًا


قاد الشيخ حسن طوبار أحد أغنياء مصر أعنف مقاومة شعبية ضد الحملة الفرنسية على مصر في نهاية القرن الثامن عشر، وانتصر عليهم في معركة الجمالية، كما قاومهم بمعركة دمياط والشعراء في سبتمبر/أيلول 1798، ورفض إجراء مفاوضات أو صلح مع جنرالات الحملة، ليشعل الثورة بالبلدات الممتدة بين دمياط والمنصورة، والهجوم على سفن الفرنسيين بالنيل، فجهز الفرنسيون له حملتين برية وبحرية لحصاره بالمنزلة.


وبعد كفاح من قبل المصريين اضطر حسن طوبار وكثير من رجال المنزلة إلى الخروج إلى غزة لإعادة تنظيم حركة المقاومة مرة أخرى، كما كانت غزة مسرحا للحرب بين القوات البريطانية والعثمانية، الموجودة بها خلال معركتي غزة الأولى في مارس/آذار 1917، وغزة الثانية في إبريل/نيسان من نفس العام، اللتين انتصر فيهما العثمانيون، ومع تغيير القيادة البريطانية وتدعيم قواتها وانسحاب العثمانيين تمكن البريطانيون بمعركة غزة الثالثة في نوفمبر/تشرين الثاني 1917 من التغلب على الجيش العثماني.


ودفعت غزة الثمن بقيام المدفعية البريطانية بتدمير كل منازلها حيث كان يسكنها حينذاك أربعون ألف شخص اضطروا إلى هجرها، وكان الرئيس التركي طيب أردوغان قد أشاد في خطابه الجماهيري في 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بمشاركة جنود غزة للجيش العثماني في إحدى معاركه التاريخية، ذاكرا أن جثامين الشهداء من جنود غزة موجودة مع جثامين الشهداء الأتراك بإحدى المقابر الشهيرة في تركيا حتى الآن.


13 اعتداءً إسرائيليًّا خلال 19 عاما


وهو ما يشير إلى بعض ملامح  الدور النضالي لأهل غزة تاريخيا، الذي استمر في سنوات ما قبل النكبة بالمشاركة في ثورة البراق 1929، والمشاركة في الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1939، واستقبالهم لآلاف اللاجئين من المدن الفلسطينية بعد النكبة، ومشاركتهم في العمليات الفدائية بالنصف الأول من الخمسينيات من القرن الماضي، ثم احتلال غزة إسرائيليًّا عام 1956 وإعادة احتلالها من عام 1967 حتى 2005،   والمشاركة في الانتفاضة الأولى عام 1987 التي استمرت حتى 1993، والانتفاضة الثانية عام 2000 حتى 2005، وما تعرصت له من حصار منذ عام 2005 إلى الآن.


هذا مع مواجهة غزة عام 2004 أربعة اعتداءات إسرائيلية بداية من العدوان عليها في مايو/أيار تحت مسمى عملية قوس قزح مدة ستة أيام، وعملية أيام الغضب فى سبتمبر/أيلول مدة 16 يوما، وعملية أيام الدم في أكتوبر/تشرين الأول مدة 19 يوما.


وفي عام 2006 واجهت اعتداءين إسرائيليين أولهما المسمى أمطار الصيف في يونيو/حزيران، وقد أسفر عن 402 شهيد وحوالي ألف جريح، والآخر في نوفمبر/تشرين الثاني ويسمى غيوم الخريف، وقد استمر 26 يوما.


وفي عام 2008 واجهت اعتداءين أولهما محرقة غزة التي سمتها إسرائيل الشتاء الساخن والتي أسفرت عن 116 شهيدا، والثاني في ديسمبر/كانون الأول واستمر 22 يوما ويسمى الرصاص المصبوب وقد أسفر عن 1400 شهيد.


وتكررت الاعتداءات الإسرائيلية في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 بعملية عامود السحاب، التي استمرت ثمانية أيام وأسفرت عن 1285 شهيدا و4850 جريحا، وفي يوليو/تموز 2014 بعملية العصف المأكول التي استمرت خمسين يوما، وأسفرت عن 2147 شهيدا وحوالي أحد عشر ألف جريح، ثم كانت اعتداءات مارس/آذار 2018 التي استمرت شهورا، وعملية حارس الأسوار في مايو/أيار 2021 التي استمرت 11 يوما وراح ضحيتها 250 شهيدا، واعتداءات أغسطس/آب 2022 التي راح ضحيتها ثلاثون شهيدا.


 تحيّز أوروبي ضد قادة المقاومة


لنصل إلى اعتداءات السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي التي سمّتها إسرائيل السيوف الحديدية، والتي شهدت دمارا غير مسبوق للمساكن ومقار الخدمات الصحية والتعليمية والمرافق، وأعدادا من الشهداء تجاوزت حتى الآن خمسة وعشرين ألفا، فضلا عن آلاف ما زالوا تحت الأنقاض التي لا توجد وسائل ميكانيكية كافية لرفعها.


وهكذا شهدت السنوات التسع عشرة الممتدة من 2004 حتى 2023 ثلاثة عشر اعتداءً إسرائيليا راح ضحيتها آلاف من سكان غزة مع تدمير مرافقها وتجريف مساحات من أرضها.


ورغم كل تلك الانتهاكات الوحشية نجد الاتحاد الأوربي في الشهر الحالي، يدرج رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار على قائمة الإرهاب، وهو ما يمنع مواطني دول الاتحاد من التعامل معه، وقد سبق للاتحاد الأوربي إدراج مسؤولين بالجناح العسكري لحماس في تلك القائمة، وهما قائد كتائب عز الدين القسام محمد الضيف ونائبه مروان عيسى، كما سبق للاتحاد تصنيف حركة حماس منظمةً إرهابية، مثلما فعلت الولايات المتحدة وكندا ودول أخرى.


كما أقرّ المجلس الأوربي مؤخرا عقوبات على حركتي حماس والجهاد، وستة أشخاص يقيمون في لبنان والسودان والجزائر بحجة الإسهام في تمويل حماس. وفي الشهر الحالي فرضت بريطانيا عقوبات على قياديين بحماس وعلى آخرين بحجة تمويل الحركة، إلى جانب عقوبات على مسؤول بمنظمة الجهاد الإسلامي.


لكن تلك العقوبات الأوربية والأمريكية لن تثنينا عن الفخر بقيادات منظمات المقاومة الفلسطينية على اختلاف مسمياتها، وكفاها شرفًا ما قدمته وتقدمه من تضحيات جسام أعادت القضية إلى الاهتمام الدولي، مؤكدة أنه لا استقرار بالمنطقة بل وبالعالم دون حل القضية الفلسطينية، وإعادتها لتنبيه الأمة والشعوب العربية والإسلامية إلى قضيتهم الأولى، وتنبيه العالم الحر إلى كذب الرواية التاريخية الإسرائيلية عن الصراع.


وهذا فضلا إثبات المقاومة العملي لعدم صحة ما رددته الدعاية الإسرائيلية عن قوتها التي لا تقهر ومخابراتها النافذة حول العالم، من خلال الصمود البطولي لأكثر من مئة يوم أمام القصف الجوي البربري والغزو البري والبحري، المدعوم أمريكيًّا وغربيًّا وتكبيد قوات العدو خسائر فادحة.


 الفخر العربي والإسلامي بأبطال المقاومة


وسواء رضي حكام الغرب وأتباعهم بالمنطقة العربية أم لم يرضوا، سيظل الشارع العربي فخورا بكل المقاومين الفلسطينيين أمثال يحيى السنوار ومحمد الضيف ومحمد السنوار ومروان عيسى وروحي مشتهى، مثل فخره بكل المقاومين عبر التاريخ المعاصر أمثال عبد القادر الجزائري الذي قاوم الاحتلال الفرنسي للجزائر خمسة عشر عاما قبل أن يُسجَن بفرنسا.


ويوسف العظمة الذي استشهد خلال مقاومته للاحتلال الفرنسي لسوريا ولبنان، والذي يعد وزير الحربية العربي الوحيد الذي استشهد خلال معركة في العصر الحديث، وعبد الكريم الخطابي قائد المقاومة الريفية ضد الاستعمارين الإسباني والفرنسي للمغرب، وشيخ المجاهدين عمر المختار الذي قاد المقاومة ضد الاحتلال الإيطالي لليبيا أكثر من عشرين عاما، حتى أُعدِم وهو في الثالثة والسبعين من عمره، ومحمد كريم الذي قاد المقاومة ضد الحملة الفرنسية على مصر حتى قام نابليون بإعدامه رميا بالرصاص.


وإذا كان نيلسون مانديلا قد سُجن 27 عاما متصلة فقد سُجن يحيى السنوار 23 عاما متصلة فضلا عن 12 شهرا أخرى على مرتين، كما سُجن محمد الضيف 16 شهرا بسجون الاحتلال وشهورا أخرى بسجون السلطة، وسُجن محمد السنوار بسجون الاحتلال وبسجون السلطة أيضا، وسُجن مروان عيسى خمس سنوات بسجون الاحتلال، وأمضى روحي مشتهى ربع قرن بسجون الاحتلال.


فهؤلاء يقومون بإكمال مسيرة مقاومين فلسطينيين آخرين، أمثال عز الدين القسام الذي حارب الاحتلال الفرنسي لسوريا، كما شارك في مقاومة الإيطاليين في ليبيا والبريطانيين واليهود في فلسطين، وعبد القادر الحسيني الذي قاد المقاومة ضد العصابات الصهيونية بفلسطين حتى استشهد بعد معركة استمرت ثمانية أيام، وأمين الحسيني الذي قاد الكفاح الفلسطيني سنوات، والشيخ القعيد أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وكثيرين غيرهم ممن قاموا بالعمليات الاستشهادية ضد العدو الإسرائيلي سنوات عديدة.


حيث ثبت عمليا أن إسرائيل ومن وراءها لا يتعاملون بغير منطق القوة، وأنه لا سبيل لمواجهتها إلا باستخدام نفس الأسلوب، رغم أنف الغرب المتحيّز والمنافق والمتخاذلين العرب.