ما زال مقترح إقامة دولة فلسطينية يشغل حيزًا في افتتاحيات الصحف ومقالات كتابها بعد طرح الرئيس الأمريكي جو بايدن له في محادثته الهاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.

ففي صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية نقرأ مقالة بعنوان: "خيار نتنياهو: إما المصلحة السياسية وإما المصلحة الوطنية".

ويرى كاتب المقالة، بن درور- يميني، أن على نتنياهو أن يختار بين المصالح الإستراتيجية المهمة لإسرائيل والولايات المتحدة، والانحياز إلى حل الدولة الواحدة الذي دفع به سموتريش وبن غفير.

 

مخاوف الإسرائيليين

يطرح الكاتب في بداية المقالة عددًا من الأسئلة تشير إلى تخوف الإسرائيليين من إقامة دولة فلسطينية واعتقادهم بأن "أغلبية الفلسطينيين تنحاز إلى حماس"؛ وكيف يمكن للإسرائيليين "دعم حل الدولتين عندما يكون من الواضح مسبقًا أنها (الدولة) سوف تقع بسرعة تحت سيطرة حماس؟".. وكيف يدعمون كيانًا يعدونه - كما يقول الكاتب – "إنجازًا إستراتيجيًا لإيران؟"

وفي ضوء هذه الأسئلة يتعجب الكاتب من ضغط جو بايدن على نتنياهو للموافقة على "حل الدولتين"؟

ويقول الكاتب إن طرح الاقتراح لا يعني تنفيذه "غدًا أو بعد عام"، كما أن الفلسطينيين رفضوا من قبل – كما يقول – عدة مقترحات أخرى، ولا يتوقع أن يوافقوا فجأة.

 

أهمية الاتفاق مع السعودية

 

وربما يرجع سبب ضغط الأمريكيين، في رأي الكاتب، إلى أنهم "يحتاجون إلى اتفاق مع السعودية، يتضمن اتفاقية دفاع أمريكية سعودية والتطبيع بين السعودية وإسرائيل".

وهذا يعني وجوب مرونة "إسرائيل في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية"؛ إذ أن أحد أسباب هجوم حماس في 7 أكتوبر "هو ضمان فشل هذا الاتفاق، لأن الآثار المترتبة عليه تعني تغييرا استراتيجيا يضعف إيران وروسيا والصين ويجعل الولايات المتحدة الدولة الأكثر نفوذا في المنطقة"، بحسب كاتب المقال.

ويقول الكاتب بصراحة إن "الولايات المتحدة لا تحتاج إلى دولة فلسطينية، لكنها تحتاج إلى موافقة إسرائيلية على قيام دولة فلسطينية لتسهيل التقدم السعودي نحو الصفقة المطروحة على الطاولة"، مضيفًا أن "حل "الدولتين" في الولايات المتحدة، حتى في حالة عدم قيام دولة فلسطينية، "يعد نهجًا صهيونيًا".

أما "الكتلة المناهضة للصهيونية" فتؤيد "دولة واحدة من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن". وما تفعله "الكتلة المناهضة للصهيونية من اليمين، التي لا تقتصر على بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير، هو أنها تنفذ تلك الرؤية الرهيبة للدولة الواحدة".

ويرى الكاتب أن وقوف نتنياهو في وجه الحكومة الأمريكية في هذه المسألة لا يتمتع بالحنكة، بل سيفضي إلى فوضى سياسية. إذ أن هناك دعوات في مجلس الشيوخ الأمريكي إلى "ربط المساعدات المقدمة لإسرائيل بتقرير يوضح بالتفصيل حمايتها لحقوق الإنسان، وربط دعم بعض أعضاء المجلس للاتفاق مع السعودية بموافقة إسرائيل على حل الدولتين".

وثمة تقارير، بحسب ما يقوله الكاتب، تفيد بأن "حتى أصدقاء إسرائيل شعروا بالصدمة من رفض نتنياهو إظهار المرونة تجاه الفلسطينيين".

 

يجب أن يكون نتنياهو أكثر واقعية

ويدعو بن درور- يميني في نهاية مقالته بنيامين نتنياهو إلى اتخاذ موقف "أكثر واقعية، ليس لإقامة دولة لحماس على مرمى حجر من كفار سابا، ولكن للسماح بمواصلة مساعدة الحكومة الأمريكية لإسرائيل وتسهيل التطبيع مع السعودية". وليس من الواقعية إصرار نتنياهو على "السيطرة الكاملة على الأمن في قطاع غزة"، لأن هذا "يتعارض مع مطلب السيادة الفلسطينية".

ويتساءل: "هل سيتصرف نتنياهو وفقًا للمصالح الإستراتيجية المشتركة لإسرائيل والولايات المتحدة، أم أنه سيتبع رؤية الدولة الواحدة بقيادة سموتريش وبن غفير؟ ولا يتوقع "أن يقدم نتنياهو إجابة واضحة"، مضيفًا خشيته من أن يؤدي استرضاء نتنياهو لكتلة اليمين "وهي مصلحة سياسية ضيقة" إلى "طغيانها على المصالح الوطنية لإسرائيل".

 

ضغوط القتلى والأسرى

مظاهرات فى تل أبيب تطالب بإنهاء الحرب على قطاع غزة.. صور - اليوم السابع

كما يواجه نتنياهو أزمة متصاعدة بعد تسجيل أكبر عدد من القتلى في يوم واحد في صفوف القوات الإسرائيلية التي تقاتل حركة حماس في غزة، إضافة الى تنامي الاحتجاجات لفشله في إعادة الرهائن.

وتخضع الإستراتيجية العسكرية التي تتبعها الحكومة في قطاع غزة للتدقيق بعد مقتل 24 جنديًا الاثنين في أكبر خسارة في يوم واحد منذ بدء الهجوم البري في غزة في 27 أكتوبر.

وبين القتلى 21 من جنود الاحتياط قتلوا في إطلاق قذيفة صاروخية على دبابة ومبنيين كان الجنود يحاولون تفجيرهما. واعتبر نتنياهو ما حدث "كارثة".

وقال إيمانويل نافون المحاضر في جامعة تل أبيب لوكالة فرانس برس، الثلاثاء الماضي، إن خسائر القوات "تؤثر على الجميع، لأن كل شخص تقريبًا لديه ابن أو أخ أو قريب" يقاتل في غزة.

وأضاف "من المؤكد أن هذا سيزيد من التساؤلات حول ما هي إستراتيجية الحكومة؟ هل سنستمر حقًا في المضي قدمًا حتى نقضي على حماس؟".

 

انقسامات

في الوقت نفسه، ظهرت انقسامات في مجلس وزراء الحرب في أعقاب الاحتجاجات في تل أبيب وخارج منزله في القدس حيث نظم أهالي الرهائن مسيرة الاثنين للمطالبة بإعادتهم وهم يهتفون "الجميع والآن".

وقالت جوليا إيلاد سترينغر، المحاضرة في جامعة بار إيلان بالقرب من تل أبيب، إن "الأجواء في حكومة الحرب سيئة للغاية".

وقال خبراء لوكالة فرانس برس إن تعهد نتنياهو بالقضاء على حركة حماس الفلسطينية ردًا على هجوم 7 أكتوبر ينظر إليه بشكل متزايد داخل الحكومة على أنه يتعارض مع هدف إعادة الرهائن المحتجزين في غزة.

وقال الخبراء إن عضوين في حكومة الحرب المكونة من خمسة أشخاص، بيني غانتس وغادي آيزنكوت، رفضا موقف نتنياهو القائم على أن الضغط العسكري على حماس وحده سيسمح بعودة الرهائن.

 

الاتفاق ضروري

 

وقال رؤوفين حزان أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس "وفقًا لنتنياهو، لا يمكن أن يكون هناك نصر في ظل وجود حماس، اما بالنسبة لغانتس وآيزنكوت، فلا يمكن أن يكون هناك نصر إذا فقدنا الرهائن".

وأجرى آيزنكوت الذي قُتل ابنه أثناء المعارك في غزة، مقابلة الأسبوع الماضي نأى بنفسه خلالها عن موقف نتنياهو وقال للقناة 12 الإسرائيلية "من المستحيل إعادة الرهائن أحياء في المستقبل القريب من دون اتفاق" مع حماس.

وقال نتنياهو إن حماس وضعت شروطًا للإفراج عن مزيد من الرهائن تشمل إنهاء الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة وضمانات ببقاء الحركة في السلطة.

وقال خبراء إنهم يتوقعون أن يواصل نتنياهو الحرب كتكتيك للبقاء في السلطة، حتى مع تصاعد الضغوط عليه لتغيير خطته.

وقال ميراف زونستسين، كبير المحللين في مجموعة الأزمات الدولية، "أعتقد أنه اتخذ قرارًا بمواصلة هذه الحرب، وليس فقط من أجل مصالحه السياسية، ولكن الحرب التي لا نهاية لها هي إستراتيجيته بشكل عام".

وأكد حزان من الجامعة العبرية أن "بالنسبة لنتنياهو، إذا استمرت الحرب إلى ما بعد عام 2024 فهذا أفضل له سياسيًا لأنه يبعد عن أذهاننا موعد السابع من أكتوبر ويمنحه فرصة لإعادة بناء" شعبيته.

وأضاف "إنه الآن في أسوأ مرحلة في حياته السياسية بأكملها".