أعلنت جماعة الإخوان المسلمين رؤيتها السياسية في الذكرى الثالثة عشرة لثورة يناير 2011.


وقالت الجماعة -في بيان لها- أنها في ظل الظروف الحالية التي تمر بها مصر، رأت أن توضح للشعب بكل طوائفه رؤيتها للمرحلة الحالية والقادمة وما يجب على الجميع فعله للتخلص من هذه الطغمة الانقلابية المسيطرة على البلاد بقوة السلاح.


وقسمت الجماعة رؤيتها إلى محورين، الأول يوضح المشروع السياسي للإخوان، والذي يتضمن الحديث عن الوطن وما ينبغي تجاهه، ثم الدولة ونظامها ومرتكزاتها الأساسية، يليه أساس الحكم فيها، وأخيرا الممارسة السياسية التي هي حق لكل مصري.


وجاء المحور الثاني عن منطلقاتُ العملِ السياسيِّ لدى الجماعة، وقد احتوى على عشرة نقاط، بدءا من ثورة يناير 2011 وتوصيف الجماعة لها، ومرورا بخيار الإخوان الأساسي وهو السلمية، ووجوب تجاوز الإستقطاب السياسي، وحتمية وجودِ مرحلةٍ انتقاليةٍ توافُقِيةٍ، ختاما بما تمثله قضيتي المعتقلين السياسيين وقضية تحرير فلسطين بالنسبة للجماعة.
 

وإلى نص الرؤية:

        جماعةُ "الإخوانُ المسلمون" هيئةٌ إسلاميةٌ جامعةٌ، ذاتُ فكرٍ ومنهجٍ قويم، تعملُ على إحياءِ قيمِ الإسلامِ في المجتمعِ، وتسعَى لتخليصِهِ مِن براثنِ الضعفِ والتخلفِ في المجالاتِ كافةً، وأوَّلُها المجالُ السياسي؛ بإنهاءِ الاستبدادِ بمختلَفِ أشكالِهِ، وتحقيقِ الشورى، وإقامةِ العدلِ في حياةِ الناس.

وفي ظلِّ ما تعيشُهُ مصرُ منذُ عَشْرِ سنواتٍ من واقعٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ واجتماعيٍّ أليمٍ -أفرزَه النظامُ العسكريُّ بعدَ انقلابِهِ على الإرادةِ الشعبيةِ-، وانطلاقًا مِن إدراكِ جماعةِ "الإخوانُ المسلمون"-بوصفِها جماعةً وطنيةً مصريةً- لخطورةٍ المرحلةِ التاريخيةِ التي تمرُّ بها البلادُ؛ فقد رأتِ الجماعةُ –في ذكرى ثورةِ ينايرَ المجيدةِ وما لها مِن رمزيةٍ في وِجدانِ المصريينَ- ضرورةَ الإعلانِ عنْ معالمِ رؤيتِها السياسيةِ منْ خلالِ هذهِ الوثيقةِ، نطرحُها بين يدَيِ الشعبِ المصريِّ برموزِهِ ومفكرِيهِ وجميعِ مُكوِّناته.


أولًا: المشروعُ السياسيُّ لـ"الإخوانُ المسلمون":
        هو مشروعٌ وطنيٌّ حضاريٌّ جامعٌ، يهدفُ إلى تحقيقِ سلامةِ الوطنِ وتماسُكِ المجتمعِ بكلِّ مكوناتِهِ؛ ولذلكَ فإنَّ الجماعةَ تنتهجُ مسارَ المشاركةِ الفاعلةِ في الإطارِ الفكريِّ للمشهدِ السياسيِّ والاقتصاديِّ والاجتماعيِّ عنْ طريقِ الطرحِ المستمرِّ للأفكارِ والمبادراتِ والرُّؤى.

ونتطلعُ إلى استعادةِ الشعبِ لإرادتِهِ وإنهاءِ الحُكمِ العسكريِّ الاستبداديِّ في مصرَ بصورةٍ سِلْمِيةٍ، والعودةِ لحكمٍ مدنيٍّ ديمقراطيٍّ، معَ العملِ على تهيئةِ البيئةِ السياسيةِ لتكونَ مؤهلةً لإحداثِ هذا التغييرِ الضروريِّ لانطلاقِ مصرَ نحوَ الازدهارِ الحضاريِّ الشامل.

تتشكلُ ملامحُ هذا المشروعِ منَ اﻷسسِ التالية:

1- الوطن:
        الحفاظُ على الوطنِ وسلامةِ أراضيهِ، وصيانةُ مقدَّراتِهِ، وتحقيقُ الحريةِ والعدالةِ لكلِّ مواطنيهِ - هوَ منَ المقاصدِ العُليا للمجتمعِ، وتعملُ جماعةُ "الإخوانُ المسلمون" - وهي مُكوِّنٌ أصيلٌ منْ مُكَوِّناتِهِ- على تحقيقِ هذهِ المقاصدِ بالتشارُكِ معَ كافةِ أبناءِ الوطن.

2- الدولة:
        تتبنى الإخوانُ هدفَ تأسيسِ دولةٍ مدنيةٍ ديمقراطيةٍ حديثةٍ، مرتكزاتُها الأساسيةُ أنها:

- دولةٌ دستوريةٌ: تقومُ على عَقْدٍ اجتماعيٍّ ثابتٍ مستقرٍّ مبنيٍّ على الاختيارِ الحرِّ المُعَبِّرِ عنْ إرادةِ الشعبِ، وينظمُ العلاقةَ بينَ الحاكمِ والمحكومِ دُسْتورٌ يتوافقُ عليهِ الشعبُ ويقرُّهُ بالأغلبية.

- دولةُ سيادةِ القانون: يُحتَرَمُ فيها الدستورُ والقانونُ منْ قِبَلِ الحاكمِ والمحكومِ، وتخضعُ فئاتُ المجتمعِ ومؤسساتُ الدولةِ كافةً لسيادةِ القانونِ بغضِّ النظرِ عنْ التصنيفاتِ والفوارقِ أو أيِّ اعتباراتٍ أُخرى.

- دولةُ المواطَنة: تتسعُ لكلِّ إنسانٍ ينتمي إلى الدولةِ المصريةِ دونَ تمييزٍ بسببِ الدينِ أو العِرْقِ أو اللَّوْنِ أو الطائفةِ أو الفِكْرِ.

- دولةُ المؤسسات: تقومُ على الفَصْلِ بينَ السلطات؛ التنفيذيةِ والتشريعيةِ والقضائيةِ، دونَ أن تتغوَّلَ إحداها على الأُخرى، كما أنها ترتكزُ على الشورى وليسَ على حكمِ الفرد.

وتُعدُّ المؤسسةُ العسكريَّةُ أحدَ المكوناتِ الرئيسيةِ للسُّلطةِ التنفيذيةِ، يتشكلُ قوامُها منْ أبناءِ الشعبِ المصريِّ كافةً وجميعِ أطيافِهِ بلا تمييزٍ ولا إقصاءٍ، وتقومُ بدورِها في حمايةِ الأمنِ القوميِّ للوطنِ، والحفاظِ على وَحْدَتِهِ وسلامةِ أراضيهِ، وتلتزمُ في أداءِ مهامِّهَا وَفْقَ الدستورِ والقانون.

ويحتاجُ واقعُ المؤسسةِ العسكريةِ الراهنُ إلى جهودِ إصلاحٍ حقيقيةٍ مخلصةٍ تضبطُ دورَها بما يتسقُ مع وظيفتِها الدستوريةِ، ويعززُ صورتَها الذهنيةَ لدى الشعبِ المصريِّ كمؤسسةٍ وطنيةٍ خالصة. 

3- أساسُ الحُكْم:
- يقومُ نظامُ الحكمِ في الإسلامِ على مبدأِ الشورى الذي يجبُ أنْ يسودَ مؤسساتِ الدولةِ وهيئاتِها المختلفة.

- العدلُ هو أساسُ نظامِ الحكمِ في الإسلامِ، فلا تقومُ الدولةُ ولا تُصانُ الحقوقُ ولا تؤدَى الواجباتُ إلا بإقامةِ العدل.

- والإخوانُ لا يطلبونَ الحكمَ لأنفسِهِم فإنْ وجدُوا منَ الأمةِ منْ يقومُ بهذا العبءِ وأداءِ هذهِ الأمانةِ بالشورى والعدلِ؛ فَهُمْ جنودُهُ وأنصارُهُ وأعوانُه، وإنْ لم يجِدُوا فسيسعوْنَ مع القوى الوطنيةِ كافةً لتحقيقِ ذلكَ الهدفِ بالوسائلِ الديمقراطيةِ.. وشعارُهُم في هذا: نحنُ جزءٌ منَ الشعبِ لا نتقدمُ عليهِ، ولنْ نتأخرَ عنهُ.

4- الممارسةُ السياسية:
        السياسةُ في ِفكْرِ الإخوانِ جزءٌ أصيلٌ منْ مشروعِها الإسلاميِّ الشاملِ، الذي ينطلقُ منْ منهجِ الإسلامِ؛ والممارسةُ السياسيةُ لدى الإخوانِ عملٌ منضبطٌ بالشرعِ، ينطلقُ منْ قِيَمٍ ومبادئَ ثابتةٍ، تبتغي بهِ الجماعةُ مصلحةَ الوطنِ والأمةِ، ونُصْرَةَ الحقِّ، والأجرَ منَ اللهِ تعالى.

والعملُ السياسيُّ والمشاركةُ السياسيةُ في المجالاتِ كافةً، حقٌّ لكلِّ مصريٍّ، وواجبٌ أيضًا، كما أنه ليسَ منْ حقِّ أحدٍ أنْ يحتكرَ الوطنيةَ أو العملَ الوطنيَّ، أو أن يقصيَ أحدًا عنهما. وتؤمنُ الجماعةُ بالتعدديةِ الحزبيةِ والسياسيةِ وما يتطلبهُ ذلكَ منْ حريةِ العملِ للأحزابِ، وإقرارِ الحرياتِ العامةِ، والتداولِ السلميِّ للسلطةِ عبرَ انتخاباتٍ ديموقراطيةٍ نزيهةٍ بآلياتٍ دستوريةٍ وقانونيةٍ، دونَ وصايةٍ منْ أحدٍ غيرِ الشعبِ المصريِّ؛ كونَهُ المصدرَ الوحيدَ للشرعيةِ.

ثانيًا: منطلقاتُ العملِ السياسيِّ لدى الجماعة:
1- ما حدث في 25 يناير 2011 م هو ثورةٌ شعبيةٌ سلميةٌ نبيلةٌ شاركَ فيها المصريونَ جميعًا، والإخوانُ جزءٌ منهم.. وما تلا الثورةَ منْ حراكٍ سياسيٍّ واجتماعيٍّ شاركَ فيه الإخوانُ مع القوى الوطنيةِ كافةً؛ جاءً انطلاقًا منْ مشروعٍ سياسيًّ استهدفَ مصلحةَ الشعبِ، والحفاظَ على ثورتِهِ، وقد نالَ هذا المشروعُ السياسيُّ لجماعةِ "الإخوانُ المسلمون" تأييدًا شعبيًّا واضحًا في عدةِ استحقاقاتٍ دستوريةٍ حازَ فيها حزبُ الحريةِ والعدالةِ الأغلبيةَ في البرلمانِ، وفازَ مرشحُهُم الدكتور محمد مرسي في انتخاباتٍ رئاسيةٍ تنافسيةٍ نزيهةٍ لمْ تشهدْها مصرُ منْ قبلُ، وقد حققَ -رحمه الله- منجزاتٍ على أرضِ الواقعِ خلالَ الفترةِ القصيرةِ التي تولَّي فيها حكمَ مصرَ، وكان هدفُهُ الأبرزُ أنْ تمتلكَ مصرُ إرادَتَها منْ خلالِ تحقيقِ الاكتفاءِ الذاتي في إنتاجِ  الغذاءِ والدواءِ  والسلاحِ.

2- الجماعةُ بقيادتِها ومؤسساتِها -واتساقًا مع موقفِ الشعبِ المصريِّ- تُوَصِّف ما حدثَ في 3 يوليو 2013 م بأنهُ انقلابٌ عسكريٌّ على نظامِ حكمٍ مدنيٍّ ديمقراطيٍّ منتخبٍ، فضلًا عن كونِهِ انقلابًا على مكاسبِ الثورةِ وإرادةِ الشعبِ المصريِّ بأكمَلِه، وسيظلُّ النظامُ الناتجُ عنْ هذا الانقلابِ فاقدًا للشرعيةِ.. مصاحبًا للاستبدادِ والفشلِ في إدارةِ البلادِ سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، إذْ وصلتْ مصرُ إلى الحالِ الذي وصلتْ إليهِ اليومَ. مع ايمانِنَا بأنَّ تحقيقَ أهدافِ الثورةِ في العيشِ والحريةِ والعدالةِ الاجتماعيةِ والكرامةِ الإنسانيةِ هي مسؤوليتُنا جميعًا.

3- السلميةُ هي خيارُ "الإخوانُ المسلمونَ" الثابتُ في وسائلِهِم نحوَ التغييرِ، بما يحفظُ المجتمعَ منَ الاحْترابِ الأهليِّ، والدولةَ المصريةَ منَ الانهيارِ. 
والنضالُ السلميُّ يجسدُ روحَ القانونِ، ويُبَلْوِرُ إرادةَ العيشِ الواحدِ، ويحافظُ على وَحْدَةِ الوطنِ وانسجامِ مواطنِيهِ، ويقضي على نوازعِ الغُلُوِّ ومخاطِرِ التطرفِ أيًّا كانَ مصدَرُها؛ سلطةً مستبدةً؛ أو هيئةً جامحةً؛ أو فِئةً خارجةً؛ أو أفرادًا مُنفلتين.

4- تدعمُ الجماعةُ التواصلَ مع القُوى والتياراتِ والرموزِ الوطنيةِ كافةً؛ منْ أجلِ تقديمِ رؤيةٍ مشتركةٍ للتعاملِ معَ المشهدِ الحالي، وما يستلْزِمُهُ منْ إعادةِ بناءِ اللُّحْمَةِ الوطنيةِ منْ خلالِ مصالحةٍ شاملةٍ، وتطويرِ علاقةِ القوى السياسيةِ فيما بينَها بما يسمحُ ببناءِ الثقةِ بينَ كلِّ الأطرافِ، الذي منْ شأنِهِ تحقيقُ النجاحِ في بلوغِ التغييرِ الآمِنِ.

5- ترى الجماعةُ ضرورةَ التأسيسِ لحالةٍ مستقبليةٍ تتجاوزُ جميعَ أشكالِ الاستقطابِ السياسيِّ والأيديولوجيِّ والدينيِّ والمجتمعيِّ، نظرًا لما يمثلُهُ منْ خطرٍ على الانتقالِ السياسيِّ السِّلميِّ.

6- الإخوانُ لا يرونَ أنفُسَهُم بديلاً عنِ الشعبِ أو ممثلاً وحيدًا له، ولا يحتكرونَ الوطنيةَ ولا العملَ الوطنيَّ، ويعتقدونَ أنَّ الوطنَ يسعُ الجميعَ. ويجعلونَ هذا مُحَدِّدًا في تقديرِ المصلحةِ الوطنيةِ في أي حِراكٍ مستقبليٍّ.

7- ترى الجماعةُ ضرورةَ تضافُرِ القُوى الوطنيةِ لإزاحةِ الحكمِ العسكريِّ الاستبداديِّ، واستعادةِ الحالةِ الديمقراطيةِ، منْ خلالِ رؤيةٍ مشتركةٍ للتغييرِ، كما ترى أهميةَ وجودِ مرحلةٍ انتقاليةٍ توافُقِيةٍ، تليها مرحلةٌ تشاركيةٌ يتحملُ فيها الجميعُ المسؤوليةَ، فلنْ يستطيعَ فَصِيلٌ بمُفْرَدِه أنْ يتحملَ مسؤوليةَ إدارةِ الدولةِ بعدَ بُلوغِها المرحلةَ الحاليةَ، وصولًا لمرحلةِ التنافسِ الحقيقيِّ.

8- ترى الجماعةُ أنَّ حقوقَ شهداءِ الثورةِ المصريةِ في كلِّ مراحِلِها هي حقوقٌ شرعيةٌ قانونيةٌ لا تسقطُ بالتقادمِ، ولا يمكنُ لفردٍ أو جهةٍ أنْ تفتئتَ عليها، كما ترى وجوبَ تحقيقِ العدالةِ الناجزةِ فيها.

9- تمثلُ قضيةُ المعتقلينَ السياسيينَ مِنْ أبناءِ الوطنِ قضيةً رئيسةً لجماعةِ الإخوانِ المسلمينَ، وعلى رأسِ أولوياتِهم، وتدعو الجماعةُ إلى تحريرِ المعتقلينَ السياسيينَ كافةً وفورًا، وإسقاطِ التُّهمِ والأحكامِ المسيّسةِ الجائرةِ، وردِّ اعتبارِهِم وجَبْرِ الأضرارِ التي وقعتْ عليهِم.

10- ترى الجماعةُ أنَّ القضيةَ الفلسطينيةَ هي قضيةُ العربِ والمسلمينِ الأُولى، وهي رمزٌ للتحررِ في العالمِ أجمع، وأنه لا سبيلَ لتحريرِ الأرضِ والمقدساتِ ورفعِ الظلمِ إلا بمقاومةِ المشروعِ الصهيونيِّ الاستيطانيِّ وداعمِيهِ منْ قوي الاستكبارِ العالميِّ، واستنهاضِ الشعوبِ العربيةِ والإسلاميةِ وأحرارِ العالمِ لمناصرةِ القضيةِ والقيامِ بواجِبِها ، وتؤمنُ الجماعةُ بمركزيةِ القضيةِ الفلسطينيةِ وتأثيرِها على السِّلْم الإقليميِّ والدوليِّ، وارتباطِها الوثيقِ بالأمنِ القوميِ العربيِّ والمصريِّ، وعليهِ: تؤكدُ الجماعةُ على دعمِها للشعبِ الفلسطينيِّ وحَقِّهِ في مقاومةِ الاحتلالِ بوصفِهِ حقًّا مشروعًا تقرُّه جميعُ الشرائعِ والمواثيقِ الدولية.