أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، اليوم الخميس، بأن 200 بروفيسور وخبير في القانون الدولي، معظمهم من جامعات أمريكية عريقة، أعلنوا تأييدهم لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.

ونقلت "وفا" عن الخبراء في رسالتهم: "باعتبارنا باحثين وممارسين في القانون الدولي، ودراسات الإبادة الجماعية، والدراسات الدولية، والمجالات المماثلة المتعلقة بالعدالة العالمية، فإننا نؤيد طلب جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية كخطوة نحو وقف إطلاق النار الضروري في غزة، وتحقيق العدالة في فلسطين".

 

جنوب إفريقيا ستكسب الدعوى ضد إسرائيل

قال المحامي والأكاديمي الأمريكي البارز في مجال حقوق الإنسان، فرانسيس بويل، إن "هناك احتمالًا كبيرًا بأن تكسب جمهورية جنوب إفريقيا دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها ضد إسرائيل لدى محكمة العدل الدولية"، مؤكدًا إمكانية أن يكون لذلك "عواقب وخيمة" على تل أبيب.

وأسهم بويل في إعداد لائحة الاتهام ضد الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش، المتهم بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في سربرنيتسا، والذي توفي في السجن أثناء محاكمته، وفقًا لـ"الأناضول".

واستمعت محكمة العدل الدولية، التي تعد أعلى محكمة في الأمم المتحدة، في أول جلساتها، اليوم الخميس، إلى القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا في نهاية 2023، ضد إسرائيل بتهمة انتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 بشأن منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، خلال حربها على غزة المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023.

 

جنوب إفريقيا لديها أفضل المحامين

وقال بويل إن "سيناريوهات مختلفة يمكن أن تنشأ في القضية إذا أدانت المحكمة إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، منها توجه جنوب إفريقيا إلى مجلس الأمن الدولي لتنفيذ القرار وتعليق مشاركة إسرائيل في أنشطة الأمم المتحدة، والملاحقة القضائية، والعقوبات الاقتصادية".

وتابع المحامي الأمريكي: "لقد قرأت جميع المرافعات التي قدمتها جنوب إفريقيا، وتحليلي استنادًا إلى معرفتي وتقديري وخبرتي، هو أنه سيكون هناك أمر بوقف هجمات إسرائيل على أساس أنها ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين".

وأعرب عن اعتقاده بأن" تكسب جنوب إفريقيا الدعوى القضائية، وعندما يصدر قرار المحكمة، يمكن أن تكون له عواقب وخيمة للغاية بالنسبة لإسرائيل، عندئذ سيعرف العالم أجمع أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين".

وأشار بويل إلى أنه "ستُعقد جلستان هذا الأسبوع في الدعوى، وأمر وقف الممارسات غير العادلة ضد فلسطين قد يصدر خلال أسبوع".

وأوضح أن "جنوب إفريقيا لديها أفضل المحاميين على الساحة الدولية، وهم يعرفون بالتأكيد ما يفعلونه، وأقول مرة أخرى: أعتقد أنهم سينتصرون".

وفيما يتعلق باعتراض إسرائيل على القضية المذكورة، قال بويل إنها "تدرك أن أي قرار من محكمة دولية ضدها، سيسبب لها جروحًا خطيرة لا رجعة فيها".

 

الدور الأمريكي

3 منهم عرب.. من هم أبرز قضاة محكمة العدل الدولية؟ | التلفزيون العربي

وأشار بويل إلى أن "رئيسة محكمة العدل الدولية هي القاضية الأمريكية، جوان دونوغيو، وكانت موظفة سابقة في وزارة الخارجية الأمريكية، حيث يمكنها استخدام نفوذها لصالح إسرائيل".

وأشار إلى أن "دونوغيو ربما تنقل معلومات إلى الإدارة الأمريكية، وأنا متأكد من أنها (دونوغيو) ستُسير العملية القانونية في القضية لصالح إسرائيل والولايات المتحدة وضد جنوب إفريقيا".

وأكد أن "جنوب إفريقيا ستعين قاضيًا في المحكمة نيابة عنها، وهم يأملون أن يتمكن هذا القاضي من خوض معركة جيدة مع دونوغيو"، موضحًا أن الأخيرة ستترك منصبها في 4 فبراير (شباط)، "لكن هذا سيحدث بعد عقد جلسات الاستماع".

ولفت بويل إلى أنه "إذا أصدرت المحكمة أمرا ضد إسرائيل بوقف الممارسة غير العادلة، فسيتم إدانة الحكومة الأمريكية وفقًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فيما يتعلق بالتواطؤ في الإبادة الجماعية".

المحامي الأمريكي أشار إلى أن "إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن متواطئة بالتأكيد في الإبادة الجماعية الصهيونية ضد الفلسطينيين، وتساعد وتحرض على ذلك، وهذا يتعارض أيضًا مع قانون تنفيذ اتفاقية الإبادة الجماعية الذي أصدرته الحكومة الأمريكية".

وأشار إلى أنه "تم رفع دعوى قضائية ضد إدارة بايدن في الولايات المتحدة، بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، وهذه القضية الآن في المحاكم الأمريكية".

كما انتقد بويل تقاعس المحكمة الجنائية الدولية بخصوص القضايا المرفوعة لديها ضد إسرائيل، واصفًا المحكمة بأنها "فاسدة ودنيئة".

وختم حديثه بالقول "منذ عام 2009، وفي ظل ثلاثة مدّعين عامين مختلفين، لم تحرك المحكمة الجنائية الدولية ساكنًا لصالح الفلسطينيين، ومنذ ذلك التاريخ، دماء جميع الفلسطينيين الذين قتلوا تلطخت بها أيدي المحكمة الجنائية الدولية".

 

مخاوف إسرائيلية من الإدانة

ومن جهته أكد الخبير في القانون الدولي، محمد الموسى، أنّ إسرائيل ستظهر أمام المحكمة، وظهورها رغم تغيبها في حالات سابقة، يعود لخشيتها من الإدانة بجرائم الإبادة الجماعية وشعورها بخطورة الدعوى عليها. ومن الناحية القانونية يسمى ظهورًا أمام المحكمة، وليس مثولًا، وستكون جميع هذه الجلسات علنية.

وقال الموسى، في تصريحاته لـ المركز الفلسطيني للإعلام، إنّه لا بد من التفريق بين طلب التدابير المستعجلة التي طلبتها جنوب إفريقيا من محكمة العدل الدولية وبين الدعوى الموضوعية ذاتها التي تقدمت بها إليها.

وأشار إلى أنّ “التدابير المستعجلة التي طلبتها جنوب إفريقيا جاءت وفق المادة 9 من اتفاقية تحريم جريمة الإبادة الجماعية، والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى حفظ الأدلة وحفظ الحقوق لحين البتّ بالقضية الموضوعية والتي تستغرق وقتًا طويلًا قد يصل لسنوات”.

وقال الموسى إنّ الأولوية تعطى لطلبات التدابير المستعجلة حسب لائحة قواعد محكمة العدل الدولية وممارستها العملية.

وأضاف أنّه فعليا خلال 10 أيام من تسلم المحكمة دعوى جنوب إفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي كانت قد حددت يوم الخميس والجمعة أول جلسة شفوية للنظر بطلب التدابير المستعجلة.

ولفت إلى أنّه وعلى الرغم من عدم وجود نصوص واضحة بخصوص المدد الزمنية، فإن المحكمة بالعادة تحتاج شهرين إلى ثلاثة أشهر لإصدار أوامر لطلبات التدابير المستعجلة، ولكن بالنظر إلى دعاوى مشابهة سابقة مثل دعوى البوسنة والهرسك ضد صربيا، فإن المحكمة قد تستغرق من 3 أسابيع إلى شهر لإصدار أوامر مستعجلة وفق طلب التدابير المستعجلة التي قدمتها جنوب إفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي.

 

التدابير المستعجلة

بدء أولى جلسات محكمة العدل الدولية حول القضية القانونية التي رفعتها جنوب  أفريقيا ضد إسرائيل - الثوابت الموريتاني

وقال الدكتور محمد الموسى، إن طلب جنوب إفريقيا تضمن عدة طلبات للتدابير المستعجلة من محكمة العدل الدولية، واستخدمت فيها ما تملكه من خبرات قانونية سابقة في صياغتها، وهذه التدابير هي: الكف عن جميع العمليات العسكرية ضد قطاع غزة، أو داخل القطاع.

ومن التدابير المطالبة بمنع وإزالة الاحتلال الإسرائيلي لجميع العوائق التي تدمر الحياة المعيشية في قطاع غزة، مثل الوصول للمياه والغذاء وتوفير الاحتياجات الصحية.

وأشار إلى أنّ أحد التدابير المطالبة بعدم قيام الاحتلال بإتلاف أي أدلة قد تخفي جرائم الإبادة الجماعية داخل قطاع غزة.

ومن ضمن هذه التدابير وفقا للموسى: البدء بإجراءات ملاحقة وتحقيق ومقاضاة للأشخاص الذي تورطوا بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أو أمروا بها.

وبحسب الموسى، يلزم الاحتلال بتقديم تقرير لمحكمة العدل الدولية خلال أسبوع من قرارات المحكمة لتقديم ما قام باتخاذه من إجراءات بخصوص أوامر المحكمة.

 

آليات متابعة الحكم

ولفت الموسى إلى أنّ البعض قد يعتقد بأنه ليست هناك أي آلية رسمية لمتابعة الأوامر المستعجلة التي تصدرها المحكمة، ولكن في عام 2020 أصدرت محكمة العدل الدولية قرارا بإنشاء لجنة خاصة لمتابعة الدول بما تعلق بالأوامر المستعجلة التي تصدرها المحكمة، وتتكون من 3 قضاة من المحكمة.

وحول تصريحات بعض الدول مساندة دعوى جنوب أفريقيا، قال الموسى: لا أستطيع استيعاب هذا التصريح من الناحية القانونية، لأن الباب مفتوح لتقديم طلبات الانضمام لهذه الدعوى، ولكن ربما تقصد بعض تلك الدول أنها سوف تقدم ملاحظات ومذكرات ومرافعات لمحكمة العدل الدولية.

وأشاد الموسى بالخبرة التي تمتلكها جنوب إفريقيا بالتعامل مع محكمة العدل الدولية لا سيما أن لديها الخبرة القانونية الكبيرة والتجربة السابقة في ذلك له أبعاده على مدى استجابة المحكمة للطلب بصورة مستعجلة.

كما أوضح أنّ الدول العربية يمكن أن تساند جنوب إفريقيا عبر تقديم الأدلة والمذكرات القانونية التي تساند طلب جنوب إفريقيا، وأن لا تستجيب بعض الدول العربية لأي ضغوطات أمريكية لعرقلة هذه الدعوى.

 

احتمالية الضغوط على المحكمة

ولفت الموسى إلى أنّ عملية ممارسة أي ضغوط على المحكمة من أيّ أطراف دولية “مسألة مستبعدة” بما يتعلق بمحكمة العدل الدولية، لأن قضاتها عندما يتم انتخابهم في المحكمة لا يعودون ممثلين عن دولهم ويعتبرون قضاة مستقلين يمثلون المحكمة فقط.

وأضاف “أن تشكيل هذه المحكمة يأخذ بعين الاعتبار تمثيل جميع النظم القانونية الأساسية، وجميع الثقافات والقارات والمدنيات بالعالم، وبالتالي لا يقتصر على طراز قانوني واحد فقط”.

وتابع بالقول: عند مراجعة الاجتهادات والقرارات السابقة لمحكمة العدل الدولية فهي المرجعية القضائية العالمية الأكثر ثقة، والأكثر قدرة على تطوير القانون الدولي، ونادرًا ما كان التأثير السياسي له دور على قراراتها.

ولفت إلى أنّ بعض الأطراف تتخوف من أن رئيسة المحكمة الحالية أمريكية، وكانت تعمل سابقا مستشارة للقانون الدولي بوزارة الخارجية الأمريكية، لكنّ الحقيقة تأثيرها ضعيف جدًا، لأن التصويت على القرارات يتم “نقطة – نقطة” وبالأغلبية، بمعنى نصف زائد واحد، ويبقى تأثيرها فقط بأنها تملك ترجيح قرار معين في حال تعادل الأصوات ويبقى هذا تأثيرها الوحيد.

 

أثر قرارات المحكمة وإلزاميتها

 

وشدد الموسى على أنّ أي قرارات من محكمة العدل الدولية بخصوص التدابير المستعجلة ملزمة للدول، وتترتب عليها التزامات قانونية، ويمكن رفع قضية مستعجلة أخرى لدى المحكمة لتحميل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية ذلك.

أي قرارات من محكمة العدل الدولية بخصوص طلبات التدابير المستعجلة لا ترتب أي التزامات قانونية على محكمة الجنايات الدولية، ولكن إقرار هذه القوانين يحرج محكمة الجنايات الدولية أمام أي طلبات لجرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.

وقال الموسى: إنّ اللوائح الداخلية لمحكمة العدل الدولية أتاحت للمحكمة قبول البنود أو رفضها، إلى جانب إضافة أي بنود ترى أنها مناسبة لتحقيق هدف الطلب وهو حفظ الأدلة وصون الحقوق.

ولفت إلى أنّ لوائح محكمة العدل الدولية أتاحت لأي قاض أن يصدر رأيا مخالفا لرأي المحكمة مبرزا أسباب ذلك، أو أن يصدر رأيا شخصيا يقدم فيه أدلة أخرى لم تقبل بها المحكمة، أو تفسير بعض التفاصيل.

وأكد أنّه يجوز لأي دولة مشتركة في اتفاقية الإبادة الجماعية تقديم طلب لمحكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير مستعجلة بخصوص الحرب على غزة، سواء أثناء النظر بدعوى جنوب إفريقيا أو بعدها، كما تتيح اللوائح الإجرائية لمحكمة العدل الدولية لجنوب إفريقيا تقديم دعوى أخرى في حال رفض هذه الدعوى، ولكن باستخدام أدلة وبينات وتدابير أخرى.