تواجه إسرائيل خسائر اقتصادية متصاعدة جراء استمرار الحرب التي تشنها على قطاع غزة عقب هجوم حماس في السابع من شهر أكتوبر الماضي، والتي أثرت على الإنتاج والحركة السياحية وضخ الغاز الطبيعي للخارج.. هذه الخسائر يتوقّع أن تستمر حتى العام 2024، مسببة تداعيات اقتصادية خطيرة.

وسجلت إسرائيل عجزًا في ميزانيتها قدره نحو 17 مليار شيكل (4.5 مليار دولار تقريبًا) في شهر نوفمبر المنصرم؛ وفق ما أعلنته وزارة المالية الإسرائيلية.

والشهر الماضي، توقّع محافظ بنك إسرائيل أمير يارون، أن تصل الخسائر الاقتصادية إلى ما نسبته 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي، وهو ما يعادل 52 مليار دولار، مشيرا إلى أن البنك بنى توقعاته على افتراضين:

الأول أن تأثير الحرب سيستمر حتى العام المقبل.

الثاني أن تكون في معظمها على جبهة غزة دون فتح جبهات أخرى، وفقًا لـ"اسكاي نيوز".

 

تحديات الاقتصاد الإسرائيلي

وتبلغ أسعار الفائدة على الشيكل حاليًا، نحو 4.75 بالمئة، إذ نفذ بنك إسرائيل (المركزي) 10 زيادات متتالية منذ بداية النصف الثاني 2022 حتى الربع الثالث 2023، بهدف كبح جماح التضخم، وفقًا لمكتب الإحصاء الإسرائيلي.

وأسعار الفائدة البالغة 4.75 بالمئة حاليًا، تعتبر الأعلى منذ عام 2007 بحسب البيانات التاريخية لأسعار الفائدة الصادرة عن بنك إسرائيل.

التبعات المحيطة بالحرب الإسرائيلية المدمرة على القطاع، ستكون السبب الرئيس في الضغط على اقتصاد تل أبيب، المعروف بـ "واحة تكنولوجيا الشرق الأوسط"، وفقًا لـ"الأناضول".

وفي محاولة لإنعاش الاقتصاد، فإن خفض أسعار الفائدة، بهدف زيادة الإقراض سيكون أول الحلول وأبرزها على اقتصاد إسرائيل، وهو ما يتوقعه محللو بورصة تل أبيب اعتبارًا من مطلع 2024.

لكن الاقتصاد الإسرائيلي اليوم يواجه عدة تحديات؛ أبرزها كلفة الحرب على قطاع غزة، والبالغة وفق تقديرات بنك إسرائيل 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي 50 مليار دولار.

ثاني التحديات، مرتبط بركود سوق العقارات، فليس الأمر مرتبطا فقط بتراجع مبيعات العقار بنسبة 48 بالمئة كمتوسط في أول شهور الحرب، لكن قطاعات الإنشاءات يشهد غياب 100 بالمئة من العمالة فيه.

هذه العمالة هي فلسطينية بامتياز، إذ يبلغ عددهم قرابة 90 ألف عامل، وفق اتحاد المقاولين في إسرائيل، ولم يستأنفوا أعمالهم منذ 7 أكتوبر الماضي.

ثالث التحديات على الاقتصاد، هو انهيار صناعة السياحة الوافدة إلى إسرائيل، وهو قطاع اقتصادي يشكل قرابة 6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي قرابة 30 مليار دولار.

لا يتعلق الأمر فقط بتراجع السياحة في فترة الحرب، بل ستكون هذه الصناعة منفرة للسياح الأجانب خلال عام المقبل، بسبب بحثهم عن الأمان والاستقرار في المقام الأول، وهو ما تفتقده إسرائيل.

رابع التحديات على الاقتصاد، مرتبط بتمويل الحرب وتبعاته في موازنة العام المقبل، وتعويضات المتضررين الإسرائيليين، خاصة أولئك الذين يقطنون في مستوطنات غلاف غزة.

ولم يصدر حتى اليوم، أي رقم حول حجم التعويضات المتوقع، إلا أن أكثر من 20 ألف طلب تعويض من متضررين، تم تقديمها للدوائر الرسمية في إسرائيل منذ اندلاع الحرب.

خامس التحديات، يرتبط بالقطاع الزراعي الذي تدهور بفعل الحرب على غزة من جهة، والتوترات مع "حزب الله" شمال إسرائيل على الحدود مع لبنان.

وتعتبر أراضي غلاف غزة، سلة غذاء إسرائيل، وهناك يتم إنتاج قرابة 60 بالمئة من بعض المحاصيل الزراعية الأساسية، إلى جانب البيض والحليب، فيما تعاني أراضي الشمال الزراعية، من توترات مع لبنان.

سادس التحديات، الأزمة السياسية المرتقبة في إسرائيل خلال اليوم التالي للحرب، إذ بدأت الأحزاب اليسارية وحتى اليمينية تطالب بإقالة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو.

فرضية حدوث فراغ سياسي في إسرائيل لعدة شهور وربما تمتد لأكثر من عام، ستكون ضارة للاستثمارات الأجنبية في البلاد الباحثة عن تحفيز أسواقها.

كل إدارة هذه التحديات تبدأ من خفض أسعار الفائدة على الشيكل، بهدف ضخ السيولة في الأسواق المحلية، إلا أنه قد يفتح أزمة معقدة، وهي عودة التضخم المرتفع.

فتعويضات المتضررين، وعودة 100 بالمئة من جنود الاحتياط إلى أعمالهم، وخفض أسعار الفائدة، سيزيد من وفرة السيولة، ما يعني زيادة في الاستهلاك، وزيادة الاستهلاك هي الوقود الأبرز للتضخم.

 

خسائر كبيرة في الاقتصاد الإسرائيلي

ويؤكد الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، أن إطالة فترة الحرب ستؤدي إلى خسائر كبيرة في الاقتصاد الإسرائيلي.

ويقول: خلال الفترة الأولى من الحرب شهد الاقتصاد الإسرائيلي مجموعة من المؤشرات التي كانت في منتهى الصعوبة، كان من بينها انخفاض قيمة الشيكل بنسبة تتراوح ما بين 0.6 بالمئة إلى 3 بالمئة.

يخفف الدعم الأمريكي من حجم الضغوطات الاقتصادية، إذ أعلنت واشنطن عن أنها ستقدم دعما بقيمة 10 مليارات دولار للإسرائيليين؛ ما يؤدي إلى تحسن الوضع الاقتصادي في إسرائيل، ووقف السقوط الحر للشيكل وتخفيف الوضع لدى المتعاملين مع إسرائيل، خاصة في الأسهم الإسرائيلية وفي سوق المال.

ويضيف: كانت هناك تخوفات من أن امتداد أجل الحرب قد يهدد استخراج وتصدير الغاز الإسرائيلي، كما يؤثر سلبًا بشكل كبير على الإنسان الإسرائيلي؛ لأن اليد العاملة الإسرائيلية جرى استدعاء جزء غير قليل منها للجيش، وفقًا لـ"سكاي نيوز".

ويردف بأن هذا يؤثر أيضًا على هيكل الإنتاج الموجود داخل إسرائيل، ويهدد بتراجع الناتج المحلي الإسرائيلي إلى نحو 7 بالمئة وفق عديد من التقديرات حال استمرار الحرب.

ويشير إلى أن الإسرائيليين حاليًا يحاولون تجنب هذا الأمر بتسريح مجموعة من ضباط الاحتياط، لا سيما أنهم يعملوا في القطاعات المهنية الخاصة، بما في ذلك المهندسون والأطباء ومديرو الإنتاج.

 

أبرز القطاعات

وحول أبرز القطاعات تضررا، يرى أن القطاع المالي، والذي يشمل البورصة وسعر الصرف، يتأثر بشكل كبير، ويتضرر بشكل لحظي، والقطاع الثاني هو الصناعة الإسرائيلية، وهذا يرجع إلى أن اليد العاملة تم استدعاء جزء كبير منها، وهذا يؤثر على هيكل الإنتاج، وربما يكون هناك قطاع آخر وهو قطاع الطاقة أيضًا، ولكن هذا يرجع إلى الظروف العالمية أيضًا وخاصة أنه تحت سيطرة شركات عالمية، ويخضع للبورصات والأسعار العالمية.

وفيما يتعلق بالتجارة الخارجية، فإن التقديرات تشير إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي سوف يخسر من 50 إلى 70 مليار دولار، حال استمرار الحرب، ولكن هذا الرقم يبدو مبالغًا فيه ويعتمد على الناتج المحلي، وليس بالضرورة أن يكون دقيقًا.

 

التصنيف الائتماني

وخفضت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني، توقعاتها لنمو الاقتصاد الإسرائيلي، وذلك بعد توقعات سابقة قدرته بنحو 2.8 بالمئة، تراجعت هذه النسبة إلى 0.5 بالمئة فقط خلال 2024، وبنسبة 1.5 بالمئة للعام الجاري 2023 كاملا.

ووفق تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز"، فإنه من المحتمل أن يتضاعف العجز المالي في موازنة 2024 في ظل ارتفاع حجم الإنفاق العسكري على حرب غزة، 3 مرات العام الجاري، والذي يقدر بنحو 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما جاء توقع وكالة موديز بأن يصل العجز إلى 7 بالمئة من الناتج المحلي العام المقبل.