في 19 نوفمبر 1935م استشهد أحد أفراد كتيبة شكلها الشيخ عز الدين القسام عندما كان يراقب الطريق، وفي فجر اليوم التالي الموافق اليوم 20 نوفمبر، طوقت قوات بريطانية ضخمة تلك الأحراش ، تساعدها طائرات استكشافية ، وبعد قتال استمر حتى العاشرة صباحـًا انتهت المعركة باستشهاد الشيخ القسام وأربعة من كتيبته، وأُسر الباقون، وقتل جندي بريطاني، وجرح اثنان جراحـًا بالغة، فأصدرت السلطة بلاغـًا بالحادث نعتت فيه الشيخ القسام وصحبه بالأشقياء.


ورغم خطورة الموقف وإرهاب الإنجليز استطاع المسلمون أن يشيعوا المجاهدين الشهداء باحتفال عظيم ، جرت في أثنائه مع قوة بريطانية مناوشة ، أدت إلى ارتدادها وتحطيم نوافذ دائرة البوليس وأبوابها ، وقد هز هذا الحادث البلاد هزًا عنيفـًا ، فيصح اعتباره مقدمة لثورة 1936م .


وقال عنه عبد العزيز البدري في كتاب "من ذاكرة التاريخ" أن الشيخ القسام - رحمه الله تعالى - كان إمامـًا وخطيبـًا لجامع الاستقلال في مدينة حيفا بفلسطين، وقد عرف - رحمه الله تعالى - بشجاعته، وصلابته في الحق وتفانيه في خدمة الإسلام، وحين رأى حالة المسلمين في بلاده، وسيطرة الكفار المستعمرين الإنجليز عليهم، وهم الذين يوالون اليهود ويمدونهم بالسلاح والعتاد ، اختار جماعة من إخوانه المؤمنين ، وأخذ يدربهم سرًا على حمل السلاح ، وينفث فيهم روح المصابرة على جهاد الأعداء ، حتى استطاع رحمه الله أن يكون منهم كتيبة .


ولما رأى وعلم حاكم لواء حيفا - وهو من الإنجليز - بما يفعله الشيخ ، أرسل إليه وقال له : يا شيخ إنك متحرك وذو نشاط مناوئ لنا فرد عليه قائلاً ، بعد أن أخرج المصحف الشريف من جيب جبته : هذا الكتاب العظيم يأمرنا بالجهاد ولا نخالفه . ثم أعلن الشيخ الجهاد عن طريق الفتك بالإنجليز ، فخرج يقود كتيبته وهم يترصدون العدو ، فقتل أفرادًا منهم في مدينة بيسان ، ثم سار بمن نجا حتى وصل أحراش يعبد بالقرب من مدينة جنين ، فاتخذها مقرًا له .


واستمر الجهاد بعد استشهاد عز الدين القسام هذا الحادث ودخلت الجيوش الثمانية المعروفة ، ولم يترك بعض العلماء الجهاد ، ولكن كانت النتيجة المخزية ، بإنشاء دولة إسرائيل ، لتكون رأس جسر الاستعمار ، ثم حولت قضية هذا الوطن المقدس من قضية إسلامية بين المسلمين جميعـًا وبين اليهود ومعهم الكافر المستعمر ، إلى قضية محلية بين العرب واليهود ، ثم انتقلت من قضية سياسية عسكرية إلى قضية لاجئين وحدود وتعويضات، مع أن هذه القضية في الحقيقة والواقع ، قضية المسلمين أجمعين ، والنزاع فيها نزاع بين حق المسلمين وباطل اليهود ومعهم الاستعمار ، وفي مقدمته أمريكا وبريطانيا .


وتصدر اسم الشهيد عز الدين القسام الكثير من الشاشات والعناوين ليظهر اسمه على أو لجناح عسكري لفصائل فلسطينية مسلحة تتبع الإخوان المسلمين في فلسطين فارتبط تدمير الدبابات "الإسرائيلية" و"استهداف المغتصبات وسط الأراضي المحتلة"، بل واستهداف تل ابيب، وكان هو الرجل الذي كان أول من أشعل الخلايا المسلحة (ضمن عمل جماعي) ضد العصابات الصهيونية.


وقد تعرض قبر القسام للتخريب والاعتداء مراراً من قبل المتطرفين اليهود الذين حطموا شاهدة القبر ورسموا نجمة داوود عليه عام 2014.

 

ملامح من جهاده الفرنسيين والطليان

وبسبب ميول القسام الجهادية التي لا تعرف حدودا جغرافيا مبكرا رغم أنها لم تكن تشغل الكثيرين في من حوله بأراضي الساحل السوري، استفاد من مهنته كخطيب وإمام بمسجدين في اللاذقية ليحرض على جهاد الإيطاليين الغازين لليبيا عام 1911، ولم يكتفِ حينها بتحريض الدعوى، بل نجح بحشد عدد من الجنود، بالتنسيق مع الباب العالي العثماني للخروج بسفينة لقتال الإيطاليين.


وأخلف الباب العالي وعده، ولم يرسل سفينة لتقل القسام وجنوده للقتال ولكن ذلك لم يثنِ عزيمته عن النضال.


وعايش القسام بداية الغزو الفرنسي للأراضي الشامية، إذ كان الساحل السوري أول المناطق سقوطا بأيدي الفرنسيين عام 1919.


قاد القسام عصبة من نحو 11 رجلا، وتحصنوا بجبال صهيون وقاموا بعملية ليلية قتلوا خلالها حامية فرنسية بأكملها في المنطقة المجاورة للجبل، وتسببت العملية المعروفة باسم بانيا بغضب ما يعرف بدولة العلويين العميلة للاستعمار الفرنسي، والتي كانت تدير الأمور بمنطقة الساحل ما أدى لملاحقة جماعة القسام، والحكم الغيابي عليه بالإعدام وعرض مكافأة 10 آلاف ليرة للإبلاغ عنه.

 

من هو القسام؟

ولد محمد عز الدين القسام لأسرة من أصل عراقي تقطن الساحل الغربي السوري جنوبي محافظة اللاذقية، وأمضى طفولته متشربا علوم القرآن في كتاب والده.

ذهب القسام طالبا للعلم حين كان 14 عاما ليسافر لمصر عبر البحر في رحلة متوجها نحو الأزهر الشريف ليمضي 10 سنوات تلقى خلالها مختلف العلوم الشرعية.

أظهر القسام فترة إقامته في مصر وصعوبة الغربة قدرا من عزة النفس، حيث فضل أن يعمل بائعا لحلوى الهريسة على أن يتلقى النقود من زملائه ميسوري الحال، وذلك وفقا لشهادة زميله عز الدين التنوخي. وكان محرضا على جهاد الإيطاليين وشوكة في حلق الفرنسيين.

 

حياته العائلية

تزوج القسام ابنة خاله، أمينة نعنوع، وانجب منها ثلاث بنات هن خديجة وعائشة وميمنة وجميعهن ولدن في جبلة وتزوجن في فلسطين لكنهن بتن في عداد اللاجئين بعد عام 1948 وتوزعن بين الأردن وسوريا ولبنان.

وفي فلسطين أبصر نجله الوحيد، محمد، النور عام 1924، أكمل محمد دراسته في القدس. في أعقاب النكبة رافق والدته وعاد معها الى مدينة جبلة السورية وهناك أصبح مدرساً للتربية الإسلامية وخطيباً وإماماً في مسجد المنصوري الذي كان يخطب فيه والده قبل فراره الى فلسطين وتوفي عام 1991.

وعاد عام 1994 حفيد القسام أحمد مع السلطة الفلسطينية الى الضفة الغربية وهو لا يزال يعيش هناك.

وألف القسام كتاب " النقد والبيان في دفع أوهام خيزران" بالاشتراك مع صديقه رجل الدين الدمشقي محمد كامل القصاب الذي كان يعمل مديراً لمدرسة البرج الثانوية في حيفا و كانت تتبع الجمعية الإسلامية في القدس، ونشر الكتاب في دمشق عام 1925.

وعمل خطيبا بجامع الاستقلال في حيفا، وعمل مدرسا لمحو الأمية أيضا، ومأذونا في 3 مهن تتيح له معرفة وعلاقة وطيدة بكثير من الرجال القابلين للانضمام للعمل المسلح غير المعتاد في حينها بفلسطين.

وفي العام 1928 بدأ لليهود المهاجرين يتعدون على المسجد الأقصى، وطلبت المجموعة من القسام حينها بدء التسليح.

واشترى القسام اشترى حينها بندقية، وجلب مدربا كان يدرب أفراد المجموعة واحدا واحدا على نفس البندقية.

وورد بكتاب عز الدين القسام شيخ المجاهدين في فلسطين عن أعداد العصبة القسامية، إنهم انقسموا لـ6 حلقات، تضم كل منها 12 رجلا، تزايد عددهم لـ9 مجموعات عام 1930.

وأضاف الكتاب، أن قوام العصبة القسامية كان من العمال والمزارعين والباعة الجائلين، ولم يشكل المثقفون نسبة كبيرة منها إذ لم يكونوا متحمسين للثورة والجهاد.