"تمكنتُ من الفرار مع عائلتي، حيث إن منازلنا القريبة من أحد الأودية في المدينة انهارت تمامًا"، هكذا يعبر صالح العبيدي، وهو أحد سكان درنة، كشاهد عيان للوقائع المفجعة التي شاهدوها بعد إعصار دانيال.

وتابع لرويترز "كان الناس نائمين واستيقظوا ووجدوا منازلهم محاطة بالمياه".

وفي تصريح صادم، نقلت وسائل الإعلام الليبية عن وزير الصحة من مجلس النواب، عثمان عبد الجليل، اليوم الثلاثاء، قوله إنه يتوقع ارتفاع عدد ضحايا الإعصار إلى 10,000 والمفقودين إلى نحو 100,000.

كما نقل الإعلام الليبي عن مسؤولين أن القتلى في مدينة درنة جراء الإعصار تجاوز الـ2000 قتيل.

وأضاف أن حصيلة ضحايا الإعصار المتوسطي "دانيال" الذي اجتاح مدن شرقي البلاد، تجاوز 3 آلاف قتيل.

وبعد أن اجتاح إعصار "دانيال" اليونان قبل أيام، تحرك كعاصفة عاتية في البحر المتوسط، واجتاح عدة مناطق شرق ليبيا، الأحد الماضي، مما تسبب في غمر الطرق بالمياه وتدمير مبانٍ في درنة، وألحق أضرارًا بتجمعات سكنية أخرى على امتداد الساحل، بما في ذلك مدينة بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية، والبيضاء والمرج بالإضافة إلى سوسة ودرنة.

 

منسوب الماء وصل إلى 3 أمتار في درنة

وقال أحمد محمد وهو أحد سكان مدينة درنة أيضًا لرويترز "كنا نائمين، وعندما استيقظنا وجدنا المياه تحاصر المنزل. نحن في الداخل ونحاول الخروج".

وقال شهود إن منسوب الماء وصل إلى ثلاثة أمتار في مدينة درنة الساحلية.

ونشرت قناة ليبيا المستقبل صورًا لطريق منهار بين سوسة وشحات الموجود فيها قورينائية، الموقع الأثري الذي أنشأه الإغريق والمدرج على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).

 

معالم المدينة اختفت تمامًا

"كانت الأمطار مستمرة لساعات قبل أن نذهب للنوم، لكننا لم نتخيل أن نستيقظ وقد اختفت ملامح المدينة تمامًا"، هكذا يعبر حذيفة الحصادي (35 عامًا) من سكان مدينة درنة الساحلية التي ضربها إعصار دانيال، ما أدى إلى مقتل مئات وربما آلاف الأشخاص، مع استمرار البحث عن آلاف آخرين ما زالوا عداد المفقودين.

وقال الحصادي لموقع "الحرة": "عندما نمنا كانت الأمطار الغزيرة مستمرة، لكن في الثانية والنصف صباحًا انهار السدان في المدينة، فانجرفت المياه من الوادي، فبدأت الكارثة"، وغمرت المياه المدينة، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء والاتصالات وانعزالها تماما".

"كان هناك سد ارتفاعه 40 مترًا، لكنه أصبح ترابًا كما ترون"، مشيرًا إلى مكان السد الذي أصبح أنقاضًا.

وتمكن الحصادي من الخروج من المدينة "لإيصال صوتنا إلى العالم من أجل مساعدتنا وإنقاذنا. هناك آلاف من الجثث في الشوارع وتحت الأنقاض وفي البحر". 

وأظهر مقطع مصور من قناة ليبيا المستقبل على وسائل التواصل الاجتماعي أشخاصًا واقفين على أسقف سياراتهم ينشدون المساعدة، بينما المياه تجرف السيارات.

وقال الحصادي: "تصل أعماق بعض الأودية التي تتجمع فيها المياه إلى نحو 400 متر، ولذلك عندما انهار السد، انطلقت المياه كأنها قنبلة ذرية، فانهارت ثمانية جسور ومبان سكنية تماما".

 

انهيار البنية التحتية والخدمات

يتواصل الناشط المدني، مهند الذيباني، وهو من سكان درنة، لكنه كان خارج المدينة وقت وصول الإعصار إليها، مع أصدقائه وأقربائه هناك والذين يخرجون من المدينة من أجل إيصال صوتهم.

وقال: إننا "لا نستطيع الوصول إلى درنة حاليا والكهرباء والاتصالات منقطعة، أقرباؤنا يخرجون عن طريق الجبال من أجل التواصل معنا. ليس هناك إسعاف ولا مساعدات ولا طعام ولا شراب"، مشيرًا إلى أن "منسوب مياه البحر ارتفع إلى مستويات لم نشهدها من قبل".

 

عشرات الجثث تحت الأنقاض

وأوضح فتحي الكريمي، رئيس قسم هيئة السلامة الوطنية في اتصال مع تلفزيون المسار، أن جميع المباني الممتدة من البحر وحتى وادي درنة انهارت تمامًا بسبب قوة انجراف المياه، واصفًا الوضع بـ"الكارثي تمامًا".

وقال "تم انتشال مئات الجثث، لكن هناك عشرات من جثث الأطفال وكبار السن تحت الأنقاض، ونحن الآن عاجزون عن إخراج الجثث من البحر. الوضع كارثي والكهرباء منقطعة وكذلك الاتصالات".

وأضاف: "أستطيع القول إن كل البنى التحتية في درنة تضررت بشكل كارثي".

 

مناشدات بتدخل دولي عاجل

وتعالت أصوات الاستغاثات من داخل ليبيا، مطالبة الدول بتقديم المساعدة في هذا الظرف غير المسبوق في العقود الستة الأخيرة.

وأعلن مجلس النواب الليبي الموجود بشرق البلاد الحداد لثلاثة أيام. وأعلن رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس عبد الحميد الدبيبة الحداد لثلاثة أيام في جميع المدن المتضررة، واصفًا إياها بأنها "مناطق منكوبة".

وذكر شهود أن عمليات البحث والإنقاذ جارية. وأعلنت السلطات حالة الطوارئ القصوى وأغلقت المدارس والمتاجر وفرضت حظر التجول.

وكان الدبيبة قد قال، الأحد الماضي، إنه وجه كافة أجهزة الدولة "بالتعامل الفوري" مع الأضرار والسيول في المدن الشرقية.

وقال الذيباني: "الجثث في الشوارع ولا تجد من ينتشلها، الفرق العسكرية اختفت كليًا ولم تعد موجودة، نحتاج إلى توفير الطعام والشراب والمأوى للمتضررين".

وأضاف: أنه ومجموعة من النشطاء في المدينة تواصلوا مع الحكومة المكلفة من البرلمان، والتي كلفت لجنة لتقديم المساعدة، "لكن حجم الأضرار أكبر بكثير من قدرة الحكومة وإمكاناتها".

وأشار إلى أن "الدور الأكبر تقوم به هيئات المجتمع المدني مثل الهلال الأحمر، بالإضافة إلى القوات المسلحة".

ومن جهته قال الحصادي: "نطالب بتدخل إنساني عاجل من كل الدول التي تستطيع مساعدتنا ونريد أن يصل صوتنا إليها بأن ينقذونا عبر البحر أو الجو، لأن كل الطرق والجسور المؤدية إلى المدينة أصبحت مسدودة بسبب الإعصار".

وأضاف: "مداخل المدينة السبعة انهارت، وأصبحت درنة منكوبة وعبارة عن مدينة أشباح".